العلاقة الأردنية الفلسطينية علاقة لا تشبه أية علاقة أخرى، فهي أبعد من المصالح المتغيرة، وأعمق من البروتوكول السياسي وأدفأ من مجرد التجاور الجغرافي، نحن، في علاقتنا مع الأخوة الأردنيين، لا نشبه في ذلك السوريين واللبنانيين، أو الأمريكيين والمكسيكيين، أو المغاربة والجزائريين، نحن وعلى مدى مئة عام تقريباً، طوّرنا علاقة خاصة تجاوزت وتعالت على خلافات النُخب السياسية والثقافية، من هذا المنطلق، وهو منطلق لا نبالغ فيه أو نزيد أو نُنقص، فإن كل فلسطيني يعتبر أن ما يجري في الأردن يجري في فلسطين، ومن هنا، كان ألمنا العميق لما جرى في مدينة الكرك الشمّاء.
فالأردن الآن مُستهدف، كما في كل مرة من مرّات التغير الجيوسياسي في المنطقة، مُستهدف بأمنه وتوجهاته وتحالفاته ومجتمعه أيضاً، الأردن، الصغير بحجمه والفقير بثرواته، الكبير برؤيته ودوره ورسالته، يُراد له أن يتفكك أيضاً، ويُراد له أن يدخل أتون الجهويات والإثنيات، لتنجح الرؤية الكبيرة الاستعمارية التي تقوم على "الفوضى الخلّاقة"، حيث من نتائجها الأخيرة أن تكون إسرائيل هي سيدة المنطقة وراعيتها وعرّابتها أيضاً، ومن نتائجها أيضاً أن تتحول القضية الفلسطينية إلى قضية لاجئين مرة أخرى، بعد أن أصبحت ومن خلال دبلوماسية صبورة، دولة عضواً مراقباً في الأمم المتحدة.
من هنا، نُفسّر الهجوم الصحفي غير المسبوق من قِبل الصحافة الإسرائيلية ضد الأردن وشعبه ومليكه، ومن هنا نُفسّر أيضاً، تزايد الهجمات الإرهابية في الأردن الصامد في بحرٍ هائج من عمليات التفكيك والتهشيم.
يُراد للأردن الشقيق أن يدفع ثمن صُموده وبقاءه وقدرته على السير بين الألغام دون أن تنفجر، يُراد للأردن أن يدفع ثمن مواقفه الداعمة للشعب الفلسطيني وحمايته للأماكن المقدسة، ويُراد له أن يركع على قدميه يستجدي الحماية والانغلاق وفض اليد من قضايا الأمة.
الإرهاب الخسيس الذي يضرب الأردن لابد من مواجهته، وقد تم ذلك من خلال مؤسسة أمنية يقظة ومُدرّبة وقادرة، ومن خلال ملك صلب وحاسم وحازم في اتخاذ القرارات الصعبة في الأوقات الحرجة، ومن خلال شعب يقظ ومنتمٍ ومُحبٍ لبلده، استطاع أن يُثبت أنه الأحق بالاستثمار الأمني من أي طرف آخر، لقد أثبت الشعب الأردني بلا استثناء أنه عين ويد وقلب المؤسسة الأمنية من خلال تلك المشاهد الرائعة التي أثبت فيها أنه خير ذُخرٍ وأقوى جدار يُمكن لأمن أي بلد أن يعتمد عليه، وأعتقد أنه تم تحقيق المعادلة الصعبة في الأردن، بحيث أن الخندق الأمني الأول في الأردن الشقيق هو المواطن الأردني.
فتحية لهذا المواطن البسيط الذي دفعه حُبه لأرضه أن يُضحي دون أن يسأل، وهي تضحية عملية، وناجعة لكل أنظمة المنطقة أن تفعل كما يفعل الأردن الشقيق.
تعازينا بالذين سقطوا من أفراد الأمن الأردني، وتحياتنا للأردن الشقيق، المُعافى والممتلئ بالثقة والرؤية العالية، وتحية للبطل الأول في هذه المعركة المواطن الأردني، وهو الحاضنة لمؤسسته الأمنية، والسياج القوي للأردن.
د. محمد المصري 24/12/2016