فلسطين لم تكن غائبة في عام التحديات!

بقلم: زهير الشاعر

خلال الأيام الماضية كانت هناك توترات ملحوظة بين إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري من جهة ورئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، من جهة أخرى ، مما حذا بأعضاء من الحزب الجمهوري في الكونغرس الأمريكي للبحث بإمكانية إصدار قرار من مجلس النواب يدعمه أعضاء من الحزبين الديموقراطي والجمهوري ولكنه غير ملزم، يدين التصويت على قرار 2334 ويدعو لتعليق المساعدات الأمريكية للأمم المتحدة ، هذا فضلا عن أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب عبر من خلال تويتر عن عدم رضاه عن هذا القرار، قائلاً بأن كل شيء سيتغير بعد تسلمه الحكم في 20 يناير 2017 .

كما أنه اتهم إدارة الرئيس باراك أوباما بأنها لا تتعاون معه من خلال السماح بتمرير مثل هذا القرار ومن خلال ما جاء في كلمة الوزير كيري التي أشار فيها إلى أن حكومة بنيامين نتنياهو هي الأكثر تشدداً في تاريخ إسرائيل وسياستها تقود إلى حل الدولة الواحدة وتضع حل الدولتين في خطر شديد.

بالمقابل رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقسوة على كلمة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وقال لا يسعني إلا التعبير عن الأسف، حيث لو كانت الحكومة الأمريكية التي تساوي بين البناء والإرهاب تستثمر في مجال مكافحة الإرهاب الفلسطيني، بنفس الطاقة التي تستثمر بها في إدانة البناء في القدس، فقد يكون هناك فرصة أفضل لتعزيز السلام.

تأتي هذه التوترات وسط محاولة أخيرة من إدارة أوباما في بذل الجهد لوضع بصمتها من أجل السلام المنشود في الشرق الأوسط وحماية حل الدولتين.

يذكر أن الرئيس الأسبق بيل كلينتون طرح رؤية مشابهة قبل مغادرته البيت الأبيض كما فعل نفس الشيء سلفه رونالد ريغان ولم ينتج عن تلك الرؤى أي جديد منذ ذلك الحين وذلك بسبب عدم خلق الثقة المطلوبة بين جانبي الصراع وعدم توفر الشجاعة لاتخاذ قرار بإرساء عملية سلام عادلة ودائمة في المنطقة، حيث أن لكل طرف مسبباته وتخوفاته ، وكل طرف يرى في نفسه الضحية ، في حين أن الحقيقة تقول أن الشعب الفلسطيني هو ضحية الاحتلال والفساد معاً الذين يمثلان وجهان قبيحان لعملة واحدة، وبالتالي لم تنجح أي من المبادرات السابقة حتى الأن وعلى ما يبدو بأن رؤية الوزير جون كيري لن تنجح أيضاً.

من هنا لابد من الإشارة إلى أن المقالات التي نشرتها وحللت خلالها الوضع الفلسطيني طوال عام 2016 خاصةً فيما يتعلق بالوضع الدبلوماسي الفلسطيني الذي من المفترض أنه يمثل الركيزة الأساسية للعمل السياسي الفلسطيني سواء بما يتعلق بوزارة الخارجية وبعثاتها الدبلوماسية أو بمكتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس كانت كثيرة ولم تخلو من توقعات أبعاد السيناريو القائم.

لذلك من المفيد هنا أن أُذَكِر بأنه قبل نهاية عام 2015 وبالتزامن مع زيارة وزيرة الخارجية الهندية "سوشما سوراج" ، كان هناك حديث حول وضع استراتيجية دبلوماسية لعام 2016، وكنت قد نشرت في ذلك الوقت مقال مفصل حول رأيي في هذه الاستراتيجية الموعودة.

من هنا لابد من التذكير بأن العمل الدبلوماسي الفلسطيني في مجمله كان يهدف للوصول إلى نقطتين أساسيتين طوال الفترة المنصرمة سواء اتفقنا مع آلية العمل التي تمت أم لا :

الأولى كانت تتمثل في الإعلان عن السعي للحصول على قرار من مجلس الأمن الدولي يدعم الاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل العضوية دعماً لقرار رقم 67/19 الصادر في الأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر 2012 الذي أقر بالاعتراف بالدولة الفلسطينية كعضو مراقب.

أما الثانية فكانت تتمثل في تسويق فكرة الحصول على قرار من محكمة الجنايات الدولية لإدانة بعض الإسرائيليين كمجرمي حرب.

بالنسبة للنقطة الأولى، في تقديري أن ما حصل هو محاولة تدريج في الحصول على قرار الاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة، حيث بدأ ذلك بقرار 2334 الذي أدان الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وذلك في محاولة لفتح الباب أمام خطوات فلسطينية أخرى لربما تكون أكثر جرأة ضمن سيناريو مرسوم بعناية!.

ثم محاولة التقدم بمشروع قرار أخر يتعلق بالاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة وذلك بعد انعقاد مؤتمر باريس الدولي الذي سيعقد في الخامس عشر من يناير 2017 والذي على ما يبدو بأنه سيتمخض عنه اعتراف المزيد من الدول بدولة فلسطين ولربما تكون فرنسا الدولة الراعية لهذا المؤتمر هي أولى الدول التي ستفعل ذلك.

من المعلوم أن القرار 2334 حصل على إجماع تاريخي وتصويت بأغلبية مطلقة، حمل رسالة بأن العالم لم يعد يحتمل الوضع القائم وبأن السلام لا يتفق مع تواجد الاستيطان أو المضي فيه، وهذا أمر لا يمكن إنكار قيمته المعنوية بالرغم من أنه مستحيل التنفيذ بدون حصول اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يفضي إلى الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967.

بالنسبة للنقطة الثانية لقد كتبت الكثير من المقالات حولها وشرحت صعوبة تحقيق ذلك إن لم يكن مستحيلاً من الأساس، خاصةً في ظل عدم إمكانية جلب أيٍ من المطلوبين الإسرائيليين، وذلك لأي سبب من الأسباب منها رفض إسرائيل التعاون مع هذا الأمر أو بسبب حصولهم على جنسيات دول أخرى غير الإسرائيلية ومعظم هذه الدول في الغالب هي أعضاء في هذه المحكمة ولن تسمح بتمرير ذلك ضد مواطنيها، لأن في ذلك إدانة لهذه الدول أيضاً.

كما أن هناك صعوبة في توفير الأدلة الدامغة لإدانتهم بعد مرور كل هذه السنوات بعد الحروب التي تعرض لها قطاع غزة، وذلك حسب ما أشارت إليه المدعية العامة مؤخراً في تقريرها السنوي والتي أكدت فيه على أن الأدلة غير كافية لفتح تحقيق بأي من القضايا التي تقدم بها الجانب الفلسطيني.

أيضاً لا يمكن إغفال بأن الدول العظمى التي تملك حق النقض الفيتو في مجلس الأمن تستطيع تأجيل تنفيذ أي قرار صادر عن هذه المحكمة وذلك لمدة عامين في حال الإدانة ، هذا عوضاً عن أن هذا الأمر سيأخذ وقتا طويلاً للغاية لربما يصل لعشر سنوات، مما يجعل هذا الأمر بالغ التعقيد وصعب التنفيذ!.

بعيداً عن ذلك فإن الأمر المهم في هذه الأيام ويستحق الاهتمام بالفعل، هو التصريحات التي صدرت عن الرئيس الأسبق جيمي كارتر والتي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز يوم الإثنين 26 ديسمبر 2016، حيث دعى فيها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للاعتراف بإقامة دولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته في 20 يناير 2017 ، والتي أكد فيها على دعمه لنهاية تفاوضية حول الصراع على أساس حل الدولتين، محذراُ في نفس الوقت من إمكانية التراجع عن هذا الهدف الذي سيخدم السلام في المنطقة، بعد مجيئ إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب.

كما أنه حرص على تحفيز وتشجيع الرئيس باراك أوباما على اتخاذ خطوة تاريخية متقدمة في هذا المضمار وذلك من خلال قوله بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تملك القوة لتشكل الحل لمستقبل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني قبل أن يتم التغيير في الرؤساء، بالرغم من أن الوقت قصير جداً ، حيث أن هذه الخطوة بسيطة وحيوية إن توفرت الإرادة لدى إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وقررت أن تأخذ زمام المبادرة قبل انتهاء فترة ولايته في 20 يناير 2017 ، وذلك بمنح الاعتراف الدبلوماسي والسياسي الأمريكي لدولة فلسطين حسب تعبيره.

بالطبع هذا جاء بعد التطورات الإقليمية والدولية في الحرب على الإرهاب من جهة والزخم الذي رافق قرار 2334 الذي أدان الاستيطان وكان لإدارة الرئيس باراك أوباما حصة الأسد في تمريره، وذلك بامتناعه عن ممارسة حق النقض الفيتو، علماً بأن الولايات المتحدة الأمريكية مارست حقها باستخدام الفيتو 77 مرة منذ تأسيس الأمم المتحدة، 30 مرة منها لصالح إسرائيل، مما أعاد فلسطين مرة أخرى في قلب الحدث قبل نهاية عام التحديات عام 2016 لتنعش آمالاً جديدة لربما تجد طريقها في عام 2017 ، كنا نظن أنها قد غابت وكادت أن تتلاشى!.

بقلم/ م. زهير الشاعر