ايام معدودة امام الرئيس اوباما للخروج من البيت الابيض الامريكي ، وتحفز واندفاع للرئيس الامريكي الجديد ترامب نحو مساندته لاسرائيل وفي عبارته كردة فعل على خطاب وزيرخارجية اوباما "" كوني قوية يا اسرائيل " وكما كان موقفه من عدة ايام لامتناع ممثلة امريكا عن التصويت على مشروع القرار المقدم لادانة الاستيطان .
يعتقد البعض ان هناك بعض الايجابيات في الموقف الامريكي تصب لصالح الفلسطينيين وخاصة السيد عباس ومجموعة الجوكر من حوله، ولكن بالنظرة الاستراتيجية للسياسة الامريكية وخطاب كيري ، فاعتقد ان كيري في مقترحاته وتوصياته عمل لصالح اسرائيل معبرا عن الموقف الامني الاستراتيجي لامريكا وامنها القومي في وجود اسرائيل القوية ، متفهما حركة التاريخ التي لن تكون لصالح الاسرائيليين ولكن لصالح الفلسطينيين وعمقهم العربي محاولا في اطروحاته التدخل في حركة التاريخ وتوجيهها ، ولكي نفهم ذلك اكثر فان موقف كيري ومن خلفه اوباما يتفق تماما مع المعرضة الاسرائلية والراديكاليين واليسار الاسرائيلي واعتقد انه لا فرق بين ما طرحه كيري من افكار واطروحات المعارضة الاسرائيلية .
كان خطاب كيري توصيفيا دقيقا تناول جانبين مهمين الحالة "" الانسانية للفلسطينيين "" وليست التاريخية والحالة الامنية لوجود الدولة الاسرائيلية بالمنظور امني لكلا من امريكا وسرائيل في ان واحد ، ومن هنا لا يختلف موقف كيري عن موقف الادارات الامريكية السابقة التي تعلم مدى خطورة التداخل الديموغرافي بين الفلسطينيين والاسرائيليين على مشروع الدولة اليهودية التي طرحها كيري ويطالب بها اليمين الاسرائيلي ، وفرضية كيري الاحتمالية بان سياسة اليمين الاسرائيلي لا يمكن ان تجمع بين يهودية الدولة وبين الدولة الديموقراطية لدولة ذات قوميتين او غيره من اطروحات الدولة الواحدة التي اصبح جزء من الفلسطينيين ينادون بها كحل تاريخي للصراع بدلا من حل الدولتين الذي قد يكون شكليا امام عدم وجود فرص حقيقية وجغرافيا طبيعية تفصل بين تلك الدولتين ففي نهاية الامر سيكون التداخل مباشر بين الدولتين امنيا واقتصاديا وثقافيا .
يتخوف البعض من بعبع قادم للبيت الابيض الرئيس المنتخب ترامب الذي سيتسلم كرسي البيت الابيض ما بعد منتصف يناير ، في حين لو اخذنا موقف ترامب من اسرائيل والفلسطينيين ببعد اخر اقليمي هو التوجه التكاملي بين امريكا وروسيا في حل القضايا العالمية وبالاخص سوريا ستجعل ادارة ترامب لا تذهب في غلوها لمساندة اليمين الاسرائيلي وعدم الخروج عن السياق المعمول به من الادارات الامريكية السابقة ، واذا ما عرفنا ايضا الايباك الصهيوني والمؤسسات الامريكية الاخرى من مراكز دراسات استراتيجية والكونجرس ومجلس الشيوخ فاعتقد ان كلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري لا يختلفان كثيرا غفي تصورهم لدولة اسرائيل ومستقبلها .
بالتاكيد ان كيري كان صادقا وواضحا في طرحه فهي الادارة التي تمدد في وجودها الاستيطان واستفحل وهي الادارة التي قدمت لاسرائيل الاكثر من الادارات السابقة ، ولكن هناك خلط في طرح كيري بين القرار 242 والانسحاب من الاراضي عام 67م واقامة الدولة الفلسطينية على تلك الاراضي وهو برنامج منظمة التحرير وبين القرار 181 وهو تقسيم فلسطين برؤية الدولتين تختلف جغرافيا ومساحة ونسبة عن طرح حل الدولتين عن اراضي 67م الا اذا كان قد تعمد كيري ان ياخذ مشروعية قرار حل الدولبتين من القرار 181 بدون الغوص في تفاصيل القرار والا سيكون القرار 181 هو انقلاب والغاء برنامج منظمة التحرير من جانب واطروحات اسرائيل من الجانب الاخر ولكن سيعزز مطلب الاسرائيليين في الدولة اليهودية .
كذلك قضية اللاجئين وهي قضية حقوق وتاريخ فخرج كيري عن هذا المفهوم لتحويلها ايضا لقضية انسانية كالتعويض والتوطين .
قضية القدس وتدويلها او جعلها منطقة للاديان الثلاث فهذا طرح قديم بتاريخ القضية الفلسطينية والصراع واعتقد ان طرح كيري توافق مع اطروحات السيد عباس بان القدس والمسجد الاقصى بالتحديد للاديان الثلاث حرية ممارسة معتقداتهم في مدينة القدس الشرقية اي اعتراف من السيد عباس بان حائط البراق وحي المغاربة وما يسميه الاسرائيليين حائط المبكي هو جزء من النفوذ الاسرائيلي وهذا يتعارض مع قرار اليونوسكو بان لا اثار اسرائيلية في حائط البراق .
مؤتمر باريس والذي يعول فيه الفلسطينيين على ان يكون مؤتمرا يؤذن بالحصاد الفلسطيني وبرغم ما تحتوي المبادرة الفرنسية من الغام الا ان هذا المؤتمر الذي وصف فيه البعض الوجود الامريكي بداخله هو قنبلة اوباما الثانية الموجهة لنتنياهو ، ستكون مخرجاته ايضا معنوية وليست مادية ، ولكن امام الاسرائيليين الخيار الان اما حل الدولتين بنزع سلاح الدولة الفلسطينية وسحب المستوطنات من الغور وتعديل في مستوطنات القدس والخليل وفي نطاق التبادلية كما ذكر كيري وطرح في مفاوضات سابقة وهي الدولة الفلسطينية التي لن تبتعد كثيرا عن نوع من انواع الاندماج الاقتصادي والامني مع اسرائيل او مشروع الدولة الواحدة .
اما من يعولون على اخرايام اوباما او من يتخوفون من ادارة ترامب الرئيس الجديد فان هناك خطوط حمراء تحكم رؤساء امريكا والادارات الامريكية المتتالية ، ولكن من المهم ان يضع الفلسطينيين اكثر من خيار وليس خيارا واحدا كما يصر السيد عباس ونهجه السياسي ... فالمعركة معقدة ولا بد لها من خيارات متعددة استراتيجية .
بقلم/ سميح خلف