طلقة كيري الأخيرة في الوقت الضائع

بقلم: راسم عبيدات

نحن كعرب وفلسطينيين على وجه التحديد تعودنا على صحوات الضمير او المواقف الأقل إنحيازاً لإسرائيل من الزعامات الغربية والأمريكية في الوقت الضائع او عندما تكون خارج إطار دائرة الحكم والفعل والقرار،ونتعامل مع هؤلاء القادة الذين اوغلوا في الدم العربي والفلسطيني على انهم "أبطال" سلام،فلعل الجميع يعرف من مارس القتل والإجرام والتدمير بحق العراق واطفالها وشعبها تحت ستار وذريعة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وإنقاذ العراق من "ديكتاتورية" صدام ودمقر طته على الطريقة الأمريكية بالقتل والدمار،فوزير الخارجية الأمريكي أنذاك كولن بأول بعد رحيله اعترف بعد احتلال العراق وتدميره بأن العراق لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل،وكذلك المجرم بلير رئيس الوزراء البريطاني أنذاك شريك بوش في تدمير العراق،الذي تمت مكافأته بتعينه مسؤولاً للرباعية الدولية في الشرق الأوسط،وطوال فترة مسؤوليته كان صهيونياً اكثر من الصهاينة انفسهم،فيما يتعلق بحقوق شعبنا الفلسطيني،وكان يتباكي على عدة صواريخ سقطت من غزة على مستعمرة إسرائيلية كرد على حرب إبادة تشن على شعبنا في قطاع غزة بأسلحة إسرائيلية محرمة دولياً،إعتبرها بلير حق مشروع لإسرائيل للدفاع عن نفسها في وجه "الإرهاب"الفلسطيني،وسبق هؤلاء الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر وغيرهم من زعماء الغرب الإستعماري.
ولأننا امة وشعوب نمتاز بالذاكرة القصيرة ،ونتعاطى مع الأمور بعواطفنا ومشاعرنا وليس بعقولنا،نبدأ بالتهليل والرقص والتطبيل لهؤلاء الزعماء ونجزل في الحفاوة بإستقبالهم ك"أبطال" سلام،وأنا لا اعرف أمة ترقص لقاتليها ومغتصبيها كهذه الأمة،فمجرد خطاب ل"بطل" السلام الراحل أوباما في بداية ولايته الأولى من على منبر جامعة القاهرة،كل العواصم العربية بسياسييها ومثقفيها وكتابها واعلاميها،بدأت تطبل للمنقذ المنتظر وللحليف الإستراتيجي لهذه الأمة،والذي سيشهد عصره تغيراً ايجابياً كبيراً في العلاقات العربية – الأمريكية،ولنكتشف انه اكثر رئيس امريكي دعم إسرائيل مالياً وعسكرياً وسياسياً،ولكن لا بأس مع مغادرته من وخزة او صحوة ضمير،لكي يعود "بطلا" ورجل" سلام" عندنا كعرب..نجزل له العطاء ونستقبله بالورود وبالسجاد الأحمر والكرم العربي الأصيل...؟؟!!
نعم كيري الذي ادار المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية تسعة شهور متواصل وزار المنطقة خمسة وعشرين مرة،لم ينجح في دفع نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة بوصة واحدة للأمام للموافقة على تجميد او وقف جزئي او كلي للإستيطان في القدس والضفة الغربية،بل اخترع مصطلح جديد مقابل كل دفعة أسرى يطلق سراحها من أسرى ما قبل أوسلو،وحدات إستيطانية جديدة،ورغم كل ذلك لم نسمع لا من كيري او أوباما أية مواقف حازمة ضد الإستيطان وبانه يقتل ويلغي أي إمكانية لحل الدولتين،بل كيري هو من قاد عملية تفريغ مؤتمر باريس من مضمونه لصالح نتنياهو وعمل على إفشاله.
كيري فيما تبقى له من وقت ضائع هو وأباما عبروا عن مواقف صحيح بأنها شرسة وغير مسبوقة تجاه "تغول" و" توحش" الإستيطان،ويبدون تعاطفاً مع شعبنا الفلسطيني،فجزء من ذلك له علاقة بجوانب الثأر الشخصية من نتنياهو الذي تعامل معهم بوقاحة واستعلاء وإذلال،وهم يريدون توجيه صفعة قوية له وتعميق أزمته الحكومية ومستقبله السياسي،وخصوصاً انه يواجه فضائح فساد ورشا منها فضيحة الغواصات الألمانية،وجزء أخر له علاقة بإنقاظ إسرائيل من نفسها،فأسس حل الصراع التي توافق عليها أمريكا والدول الأوروبية الغربية،هي دولتين لشعبين،ولذلك مشاريع نتنياهو الإستيطانية تدفع نحو حل الدولة الواحدة،وما يشكله هذا من خطر على فكرة يهودية الدولة،التي جاء خطاب كيري لكي يعمل على تمريرها،ويتجاوز مرتكز أساس من مرتكزات الصراع والبرنامج الوطني الفسطيني،ألا وهو حق العودة للاجئي شعبنا الفلسطيني.
كلام كيري المعسول وطلقته الأخيرة في الوقت الضائع،لن تغير من الواقع شيئاً،ولن تجعل من هذه الإدارة الأمريكية التي كانت اكثر الإدارات الأمريكية دعماً لدولة الاحتلال من كل الإدارات الأمريكية السابقة،حيث الدعم العسكري اللامحدود ويكفي القول تزويدها بطائرات اف 35 غير المستخدمة سوى في الجيش الأمريكي ودعم مالي تجاوز 38 مليار دولار على مدار عشر سنوات وتغطية وحماية ومظلة سياسية لإسرائيل من أية قرارات او عقوبات دولية قد تتخذ ضدها او تفرض عليها في المؤسسات الدولية لخرقها وتجاوزاتها للقانون والإتفاقيات الدولية وإرتكابها للمجازر والجرائم بحق الشعب الفلسطيني ،وأمريكا هي من أفشلت المشروع الفلسطيني من اجل الإعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة،وأيدت ودعمت إسرائيل في كل حروبها،وسنت قوانين لتجريم ومعاقبة كل من يدعون الى المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل ومقاطعة البضائع والمنتوجات الإسرائيلية القادمة من المستوطنات المقامة على أرضي الضفة الغربية والقدس العربية
خطاب كيري وتاكيده على الموقف الأمريكي التقليدي من أسس حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني بدولتين لشعبين،ونقده اللاذع الإستيطان ولحكومة نتنياهو،اتت في الوقت الضائع،فهذه الإدارة منذ صعد رئيسها على منبر جامعة القاهرة مع بداية ولايته الأولى وحديثه بأنه سيعمل على إقامة الدولة الفلسطينية على كامل حدود الرابع من حزيران/1967،كان امامه ثمانية سنوات لكي يمارس كل أشكال الضغوط على إسرائيل لحملها على وقف الإستيطان،بما ذلك اصدار القرار بوقفه تحت البند السابع.
كيري الذي بدأت ردود الفعل العربية تتحدث عن ان موقفه ينسجم مع مواقفها ورؤيتها للحل،وخاصة ما يتعلق بمبادرتها للسلام،مبادرة السلام العربية المقرة في قمة بيروت/2002،والتي بقيت إسرائيل ترفضها،وهم يرحلونها لعجزهم وانهيارهم من قمة عربية لأخرى ويهبطون بسقفها لكي تقبل بها إسرائيل دون جدوى.
كيري في نظر العرب المنهارين وقصيري الذاكرة والذين يتعاطون مع الأمور وقضاياهم المصيرية والجوهرية بردات فعل وعواطف ومشاعر سيستقبلون كيري ك"بطل"سلام ،وسيصبح ضيفاً دائماً على جامعاتهم ومؤسساتهم وفضائياتهم، في ندوات ومحاضرات ولقاءات بمئات الآلاف الدولارات.
وختاماً أقول بأن خطاب كيري،قد يكون جزءً من تفاهمات روسيا وامريكا حول الشرق الأوسط،حيث تفاهمت واشنطن مع ايران حول برنامجها النووي،وفشلت حربها العدوانية،هي والقوى الإستعمارية وادواتها الإقليمية والعربية على سوريا،وبما يعني فشل تقسيم سوريا وإنتاج سايكس- بيكو جديد يقسم المنطقة العربية على تخوم المذهبية والطائفية والثروات،ولذلك بات المطلوب البحث عن كيفية تفادي انفجار الصراع العربي «الإسرائيلي» مجدّداً مع خروج سورية متعافية وإيران قوية وتعاظم قوة حزب الله، وفي ظلّ تموضع روسي عسكري يوفر قدراً من الحماية العالية لسورية، من دون أن يردع مخاطر حرب ستدفع «إسرائيل» ثمنها غالياً، ما لم تكن قد سلكت طريق تسوية تستند إلى القرارات الدولية، وهو ما أطلق مضمونه كيري أمس، في مؤتمر صحافي أثار هستيريا "إسرائيلية".
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
29/12/2016
0524533879
[email protected]