ما بعد انتصار مجلس الأمن

بقلم: سلوى ساق الله

لا شك أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 ضد الفجور الاستيطان الإسرائيلي والذي مُرر بموافقة أغلبية 14 دولة مع امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، يشكل وصفاً صريحاً أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية هي غير شرعية الأمر الذي يتشكل عقبة في طريق السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرئيلي.
اعتبرت إسرائيل أن القرار هو كمين من السلطة الفلسطينية والرئيس الأمريكي أوباما، وأحرج إسرائيل في المحافل الدولية، وسوف تصبح فيه أكثر عزلة عن المجتمع الدولي، وأعلنت عدم إلتزامها بالقرار ومضيها قدماً بخطط التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وأنها ستزيد من نشاطتها الاستطياني في الضفة الغربية والقدس الذي أدى إلى وجود أكثر من 600,000 مستوطن خارج حدود 1967 حتى اليوم.
ولكن هل يعتبر اتخاذ قرار 2334 تغيير في النظرة الدولية؟ إن اتخاذ القرار يعني بالفعل إعادة مؤشر البوصلة إلى موضعها حيث أن اعتراف العديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة يؤكد حقيقة أن المستوطنات الإسرائيلية هي انتهاك واضح وصريح لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بطبيعة الحكم وإدارة الأمور في الأراضي الفلسطينية كمناطق محتلة، والحفاظ على الحالة القانونية القائمة في المنطقة عند احتلالها، وعدم تهجير السكان الأصليين لاستيطانها من قبل سكان الاحتلال. يعتبر هذا القرار جنباً إلى جنب القرار رقم 242 الذي تم اتخذه مجلس الأمن الدولي بعد حرب عام 1967 والذي دعا القوات المسلحة الاسرائيلية للانسحاب من الأراضي المحتلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان، ولكن إسرائيل اعتبرت أن قرار ينص على انسحاب من جزء من الأراضي المحتلة وليس كلها!
نظراً لأن القرار الجديد يعكس تغيير عميق في الرأي العام العالمي، وهو يقوض وضع لبنة واحدة في المناطق الواقعة خارج الخط الأخضر مما يعني أنه لن يكون هناك أي وجود إسرائيلي في نهاية المطاف في تلك الأراضي، وهذا تحول كبير منذ اتخاذ قرار 242.
يعتبر القرار أساساً قانونياً متيناً؛ وهو فرصة عظيمة بالنسبة للفلسطينيين لسحب إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ومقاضاتها لا سميا أن القرار تبنى قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي وحوله من رأي استشاري الى قرار نافذ، إلى جانب تصعيد حركة مقاطعة جميع أنواع العلاقات مع إسرائيل، وخاصة أن الأخيرة قد بدأتها بقطع علاقاتها مع العديد من الأطراف منها التي قدمت مشروع القرار أو التي قامت بالموافقة عليه، وهو ما سوف يساهم في تصعيد حركة المقاطعة وفرض عزلة حول إسرائيل بدأتها هي بنفسها.
على المستوى السياسي تلك هي الخسارة الإسرائلية، ولربما أردات الإدارة الأمريكية والأوروبية عقاب إسرائيل من أجل حمايتها من نفسها هذه المرة، حيث أنها تدمر مقترح حل الدولتين كحل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
أما على المستوى الواقعي فوصف إسرائيل للقرار بالمتعنت والمتهور وأنه لا يعدو أكثر من مجرد انتصار معنوي ونصرا رمزياً للفلسطينيين لا يمكن أن يمتثل للواقع، فمن المحتمل زيادة موجة سياسات التعنت الإسرائيلي وأنها سوف تواصل فجورها الاستيطاني ضاربة بعرض الحائط جميع القرارات التي لا تخدم مصلحتها، وتحديداً بناء الكتل الاستيطانية في مناطق أعلن مجلس الأمن الدولي مؤخراً أنها أراضي فلسطينية محتلة منها القدس الشرقية، وهو ما يخالف نصاً وجوهراً بنود القرار 2334، وينذر باستمرار موجات العنف في المنطقة.
إن الانتقام الإسرائيلي لن ينتهي بمد السرطان الاستيطاني بحسب، وإنما سوف تبدأ بمحاربة الفلسطينيين أنفسهم كسلطة وشعب، بدءاً بقطع العلاقات، مروراً بالتضييق على الفلسطينيين ومحاربة محتملة لمؤسسات دولية قائمة على إدارة المدنيين وتحديداً وكالة غوث وتشغيل، والتي تخدم اللاجئين الفلسطينيين، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية؛ وقوة مراقبين للأمم المتحدة في مرتفعات الجولان، وذلك من خلال قطع الدعم المالي الضخم الذي يقدر بملايين الدولارات وتقدمه لموازنتها سنوياً. وستعتبر إسرائيل أن هذه الإجراءات العقابية بحق الفلسطينيين ومن صوت بدعم القرار هي لرد اعتبار إسرائيل أمام نفسها، في ظل تجدد الأمل مرة أخرى لمباركة أمريكية من قبل الرئيس دونالد ترامب الذي سيتقلد مهام منصبه في 20 يناير.
من الوارد أن يكون تأجيل مؤتمر باريس للسلام كان مخططاً لأسباب ضرورة انعقاده بعد اتخاذ قرار مجلس الأمن بمنع وتجريم الاستيطان الإسرائيلي، وهو ما سيسمح بنسبة نجاح أكبر للمؤتمر في محاولات رسم سيناريوهات وخطط عملية لكسر الجمود في طريق المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية.
لكننا في انتظار كيف سيقوم المؤتمر بصياغة اتفاق سلام بين طرفين، فيه الطرف الإسرائيلي – قبل اتخاذ قرار مجلس الأمن - يمتنع عن المشاركة في ضوء مؤتمرات وأوراق ملزمة له، ولكنه يريد أن تسير العملية في لقاءات ودية مع الطرف الفلسطيني. في ظل ما تراه الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب أن القرار سيؤثر لا شك على عملية السلام في الشرق الأوسط، وتعيينها للمحامي ديفيد فريدمان سفيراً للولايات المتحدة في اسرائيل المؤيد لبناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ونقل السفارة الأمريكية إلى تل أبيب، والمتشكك من حل الدولتين؛ فهل يمكن أن تكرس كل هذه الظروف سياسة التعنت الإسرائيلي والامتناع نهائياً عن المشاركة في المؤتمر والالتزام بمخرجاته؟
لا شك أن القرار 2334 سوف يؤثر على علمية السلام المتجمدة منذ عام 2014، في ظل ان ترسيم الحدود لا يمكن أن يتم إلا بمفاوضات مباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي حسب اتفاقية أوسلو المبرمة عام 1993. ويأتي هذا القرار في ظروف يفتقد فيها الفلسطينيين أي بوادر إيجابية لإعادة الحياة إلى مفاوضات حل الدولتين باستثناء النظر إلى مؤتمر باريس للسلام الشهر القادم.
أما على صعيد القضائي فينبغي على منظمة التحرير الفلسطينية أن يكون لديها استراتيجية وطنية ترتكز على تدويل القضية على صعيد المؤسسات الدولية وتفعيل كل الآليات والإجراءات لمحاكمة الاحتلال في محكمة الجنايات الدولية، و البدء بالتحضيرات اللازمة سريعاً والتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية من أجل النظر في "تحقيق قضائي فوري" حول ما إذا كان البناء الإسرائيلي في المستوطنات في الأراضي المحتلة يمكن أن يحاكم بوصفه جريمة حرب، وأنها عقبة حقيقية في طريق السلام، وانتهاك صارخ للقانون الدولي. ستكون هذه المرة هي المرة الثالثة التي تم فيها التوجه إلى النيابة العامة للمحكمة الجنائية الدولية بعد الفحص الأولي لجرائم حرب المتعلقة بحرب غزة 2014 والمشروع الاستيطاني في يناير 2015. كما أن التوجه إلى مؤسسات دولية أخرى سوف يدعم تثبيت حقوق الشعب الفلسطيني كالتوجه إلى أطراف اتفاقيات جنيف ومجلس حقوق الإنسان، باعتبار أن التحرك الدولي السريع هو ضرورة من أجل توفير الحماية للشعب الفلسطيني.
إن الجهود الفلسطينية بحاجة إلى تنظيم وترتيب، والاستفادة من الخبرات الدولية في إطر التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية من أجل وضع آليات لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ومجلس الأمن الدولي، والقانون الدولي، ومُبادرة السلام العربية، وتحديد جداول زمنية للمفاوضات والتنفيذ وكذلك إنشاء آليات دولية جديدة للمُتابعة لا سيما أننا على أعتاب المشاركة في مؤتمر باريس للسلام كفرصة لاستئناف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث يمكن الاستفادة من الخبرات الفرنسية في هذا الإطار الأمر الذي يساهم بشكل جدي في إنجاح مؤتمر باريس الدولي للسلام باعتبار العودة إلى المفاوضات من أجل الحفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني ومبدأ الدولتين على حدود 1967 يجب أن يكون بغطاء دولي.
يتطلب تحقيق هذه الغايات بناء جبهة وطنية، وعربية ودولية. فعلى السبيل الوطني؛ يتوجب بناء جبهة وطنية بشكل كامل تتخذ خطوات ميدانية على الأرض الفلسطينية تتمثل وإعادة الاعتبار للوحدة الوطنية وتحديد البرنامج الوطني، وتشكيل قيادة وطنية قادرة على مواجهة التهديدات، إلى جانب تصعيد المقاومة الشعبية ضد جدار الفصل العنصري ووقف مصادرة الأراضي وتعزيز صمود الأهالي في أراضيهم ووقف عمليات هدم مساكنهم، وإفشال مخططات التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم، ومصادرة الملكيات إلى جانب مصادرة الحقوق الدينية منها الحق في العبادة.
أما على الصعيد العربي فينبغي على الدول العربية ان تقف موقفاً صلباً بعيداً عن الخلافات فى تولى ترامب الرئاسة الأمريكية، واستغلال تراجع الدعم الدولي لإسرائيل وحركة المقاطعة الدولية لها، وتمثيل الشعب الفلسطينية نيابة عن نفسه لا سيما في الوقت الذي لا يستطيع فيه الشعب الفلسطيني تمثيل نفسه لاعتبارات قانونية.
في حين أن دور المجتمع الدولي هو غاية في الأهمية حيث ينبغي عليه تدويل القضية الفلسطينية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجل حل الدولتين، إلى جانب تفعيل واضح لدور المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة لمناصرة القضية الفلسطينية في وجه الغطرسة الإسرائيلية ومحاولة تفعيل آليات الإلزام الدولية لإحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومن أجل تعزيز الاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.

بقلم: أ. سلوى محمد ساق الله