أحزاب المستوطنين على قائمة الإرهاب

بقلم: رجب أبو سرية

لا يخرج المستوطنون وأحزابهم وجماعاتهم المسلحة، على الإجماع والمنطق الدولي وحسب، بل إنهم يخرجون عن القانون الدولي، فحين تحرّم اتفاقات جنيف أي تغيير في معالم المناطق المحتلة بفعل الحروب، ويقوم ما يسمى "حزب البيت اليهودي" بمحاولة تشريع المستوطنات، فإنه يخرج عن القانون الدولي، وحين يسعى "البيت اليهودي" و"الليكود " وغيرهما من أحزاب اليمين المتطرف الإسرائيلي الحاكم، إلى ضم تلك المستوطنات المقامة خرقا للقانون الدولي على أراض فلسطينية محتلة، إلى دولة إسرائيل، تصبح دولة إسرائيل نفسها دولة خارجة على القانون الدولي.
يشبه الثنائي بينيت - نتنياهو فريديريك ويليم دي كليرك، ولا تختلف حكومتهما عن حكومات التمييز العنصري التي كانت في جنوب إفريقيا كثيرا، وإذا كانت بريطانيا التي كانت ترعى نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا قد وصلت في لحظة ما إلى عدم القدرة على الاستمرار في مواصلة دعم وتغطية ذلك النظام، الذي صار مع مرور الوقت مبغوضا من المجتمع الدولي بأسره، فإن الولايات المتحدة التي طالما رعت وغطت دولة إسرائيل تبدو قد وصلت إلى تلك النقطة، خاصة مع وصول إسرائيل نفسها إلى لحظة التطرف القصوى، بوصول حزب المستوطنين ـ "البيت اليهودي" إلى شريك مقرر في الحكومة الإسرائيلية التي وصفها وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأنها الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.
كلام كيري الذي سبق وقال ان تحول إسرائيل إلى دولة يهودية يتناقض تماما مع كونها دولة ديمقراطية، كلام مهم جدا، فهو كلام مسؤول، لم يقله الرجل بعد أن غادر موقعه، بل وهو ما يزال وزيرا للخارجية، أي أن موقفه يمثل السياسة الخارجية للدولة العظمى، التي استخدمت حق النقض "الفيتو" في عشرات المناسبات لتحبط مشاريع قرارات تدين إسرائيل في مجلس الأمن الدولي، كما لم تفعل أية دولة أخرى.
هل يمكن لدونالد ترامب أن يتجاهل هذا الأمر، وهل الولايات المتحدة أصلا هي دولة أفراد أو دولة رئاسية، يحكمها فرد، أم أنها دولة مؤسسات، وهل تناقضت أو ابتعدت يوما ما سياسة الخارجية عن سياسة البيت الأبيض، ومعروف أن نظام الحكم في الولايات المتحدة، لا وجود لدولة الرأسين فيها، أي لا وجود لرئيس حكومة إلى جانب الرئيس، فالرئيس عمليا هو رئيس الحكومة.
بتقديرنا أن يوم العشرين من كانون الثاني الحالي لن يختلف عن اليوم الذي سيسبقه كثيرا، فما زال ترامب نفسه ـ على ما يبدو ـ غير مصدق انه قد فاز بانتخابات الرئاسة الأميركية، فهو ما زال يواصل تصريحاته "الانتخابية" غير المسؤولة، لأنه رجل فيما يبدو يعشق "الأكشن" لدرجة انه كان يسعى للظهور إلى جانب المصارعين على حلبة المصارعة الأميركية، حتى وهو يتعرض للإهانة!
درجت العادة السياسية أن يوازي التغيير في الحزب الحاكم في الولايات المتحدة، تغير في محتوى وتكوين الحكومة الإسرائيلية، فقد رافق الجمهوريين من الرؤساء الأميركيين رؤساء حكومات إسرائيلية يساريون أو من الوسط، في حين ترافق وجود الرؤساء الديمقراطيين مع رؤساء الحكومات اليمينيين في إسرائيل، وإن كان الأمر لم يكن قاعدة دائمة.
عقد اتفاقيات كامب ديفيد بين اليميني مناحيم بيغين وأنور السادات، تم برعاية الديمقراطي جيمي كارتر، أما من تلاه في الحكم، رونالد ريغان، فقد تحول بالاهتمام إلى حرب النجوم، ولم يشهد إلا عهد سلفه الجمهوري جورج بوش الأب، التحول تجاه الشرق الأوسط بحرب الخليج الأولى ثم عقد مؤتمر مدريد بصعوبة بالغة.
ليلي عهد الديمقراطي بيل كلينتون عهد جمهوري، بعقد اتفاقيات أوسلو، بين ياسر عرفات وزعيم اليسار الإسرائيلي اسحق رابين.
عموما، يمكن لرئيس جمهوري أميركي أن يكون "أقوى" في مواجهة إسرائيل، حين يكون موقف الولايات المتحدة مختلفا عن موقف إسرائيل، كما فعل جورج بوش الأب حين اجبر إسرائيل اليمينية أيام اسحق شامير، على المشاركة في مدريد بالتهديد بوقف حزمة القروض التي قدرت حينها بـ 16 مليار دولار.
إذا ما أن يصبح ترامب رئيسا ملتزما بالسياسة العامة الأميركية حتى يختلف الأمر، وإن كان الأمر، خاصة فيما يخص ملف الاحتلال الإسرائيلي للضفة الفلسطينية والقدس، ليس شأنا ثنائيا بين البلدين، بل له كل العلاقة بما يفعله صاحب الشأن، أي الجانب الفلسطيني.
حتى اللحظة، الأداء الفلسطيني في المحافل الدولية يعتبر أداء حسنا، بل وجيدا، وحيث إن عددا من ملفات الشرق الأوسط قد بردت قليلا، وتراجعت خطورة "الإرهاب" الداعشي، حيث كان تسليط الأضواء الإعلامية كلها، فإن شيئا من الضوء سيتم تسليطه على الملف الفلسطيني/ الإسرائيلي، خاصة إذا ما ترافق ذلك بمقاومة شعبية/ سلمية، تظهر على شكل موجات من المظاهرات والاحتجاجات ضد الاحتلال والاستيطان والمستوطنين، ترفع خلالها يافطات المطالبة بتفكيك المستوطنات النائية أولا، والمطالبة بحق الفلسطينيين بدولة قابلة للحياة ومتصلة، والمطالبة بوجود شريك إسرائيلي للسلام مع ممثلي دولة فلسطين، وما إلى ذلك، حينها، سينشط أيضا معارضو نتنياهو داخل إسرائيل، من يعلون إلى هيرتسوغ مرورا بتسيفي ليفني، حيث يمكن إسقاط أكثر حكومات إسرائيل يمينية، تشددا وتطرفا، والمجيء برئيس حكومة وائتلاف حكومي، يمكنه أن يتوصل مع الجانب الفلسطيني إلى حل تاريخي يضع حدا للاحتلال ومن ثم للصراع، كما فعل دو كليرك ونلسون مانديلا.

رجب أبو سرية
2017-01-03
[email protected]