من الواضح بان قضية المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية،هي كقضية المفاوضات الماراثونية والعبثية التي مضى عليها اكثر من أربعة وعشرين عاماً،وحتى اللحظة الراهنة رغم توقفها،ما زلنا نامل بتوفر ظروف ومعطيات وتحولات جديدة تسمح بالعودة اليها،،والرهان على مؤتمر ترعاه هذه الدولة او تلك،حيث كانت نتيجة حصادها "تغول" و"توحش" الإستيطان أضعاف أضعاف ما كان عليه ما قبل اوسلو،ولتصل الأمور الى حد طرح مركبات اليمين الإسرائيلي المتطرف في حكومة الإحتلال إقامة دولة للمستوطنين في الضفة الغربية،وضم مناطق (سي) التي تشكل (60)% من مساحة الضفة الغربية الى دولة الإحتلال،ناهيك عن التطهير العرقي بحق القدس العربية،المستهدف طرد وترحيل سكانها العرب قسراً لخلق تغيير ديمغرافي واسع لصالح اليهود،بما يهدد فضاء وطابع المدينة العربي - الإسلامي.
وبالعودة الى قضية المصالحة،فالإنقسام يدخل عامه الحادي عشر والعديد من اللقاءات والمبادرات والإجتماعات طرحت وعقدت برعاية عربية وإقليمية ودولية وفلسطينية،ولكن كل ذلك لم يتمخض عن تحقيق مصالحة فلسطينية،بل ما ان يجري الإتفاق بين طرفي الإنقسام ( فتح وحماس)،وربما قبيل جفاف حبر الإتفاق ومغادرة الوفود لمكان عقد اللقاء،تعود الأمور الى وضعها " الطبيعي" تراشق اعلامي وحملات تحريض وقدح وذم تصل الى الإتهامات والتخوين والتفريط،وحتى موعد اللقاء الجديد او المبادرة الجديدة يعود الحديث عن ضرورة انهاء الإنقسام وتحقيق الوحدة الوطنية واخوة الكفاح والسلاح والشركاء في النضال والمشروع الوطني،إسطوانة مشروخة وممجوجة مل الشعب سماعها،ليس لسبب سوى أن الواقع وما يجري على الأرض يكذبها،والرعايات العربية والإقليمية التي جرت من أجل تحقيق المصالحة،لما تجري من منطلقات الحرص لا على القضية الفلسطينية ولا المشروع الوطني الفلسطيني،بل كل تلك الأطراف دون استثناء،كانت تهدف وتطمح الى تحقيق مصالحها ومشاريعها على حساب القضية الفلسطينية،حتى ان بعض المشاريع حملت طابع تقسيم المقسم او تأبيد وشرعنة الإنقسام،عبر طرح الحلول المؤقتة،او الهدن طويلة الأجل،ودولة فلسطينية في القطاع وغيرها من المشاريع المستهدفة وحدة الشعب الفلسطيني وقضيته،والشيء الخطير هو الذي عبر عنه مؤخراً عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق،حيث قال بان اذا لم يكن بد من إنهاء الإنقسام،فما المانع من تشكيل فيدرالية فلسطينية،طرح على درجة عالية من الخطورة،ويحمل في ثناياه فقدان للبوصلة والإتجاه،وعمى سياسي.
هناك أزمة في النظام السياسي الفلسطيني تتعمق،وهذا النظام عدا عن فقدان شرعيته،فهو يتاكل ويفقد هيبته،ومؤسساته تفرغ من محتواها،وتتحول الى مؤسسات ديكورية وشكلية،وفي احسن الحالات تتحول الى مؤسسات تحت الطلب،او تدعى لمرة واحدة للمصادقة على قرار أو "فرمان"،ويبدو بأن المجلس الوطني سيواجه صعوبات في إنعقاده،فمن الواضح أن الرئيس عباس مصر على عقده في رام الله،وعدد من الفصائل الأخرى حماس والجهاد والجبهة الشعبية،ترفض حضور المؤتمر في رام الله،وترى بأن ذلك يعقد تحت حراب الإحتلال، ناهيك عن مدى قدرة اللجنة التحضيرية للتوصل الى اتفاق حول شكل وحجم تمثيل حماس والجهاد في المجلس الوطني،وكذلك سيصر الرئيس عباس على اعتراف حماس والجهاد ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران1967/،خشية ان يدفع دخول حماس والجهاد دون هذا الإعتراف والإقرار بالإتفاقيات الموقعة بين المنظمة ودولة الإحتلال،بما فيها رسائل الإعتراف المتبادل بين المنظمة و"اسرائيل"، الى مقاطعة أمريكية واوروبية غربية للمنظمة ولحكومة عباس.
واضح بأن عدم نجاح عقد المجلس الوطني الفلسطيني،بتوافق الكل الفلسطيني على شروط ومكان عقده،ونسب تمثيل حماس والجهاد فيه،من شأن ذلك أن يسهم في تعميق ازمة النظام السياسي الفلسطيني بدلاً من المساهمة في تجديده على أسس الشراكة والقيادة الجماعية والديمقراطية في اتخاذ القرار واحترام قرارات تلك المؤسسات.
الرعاية العربية لقضية المصالحة الفلسطينية،فشلت وتفشل لكون النظام السياسي العربي تابع وفاقد إرادته وقدرته على اتخاذ القرار،فأنظمة تقاد من الخارج لا يمكن لها أن توفر اجواء مصالحة او تحقق مثل هذه المصالحة،ونحن رأينا كيف أن مصر الدولة العربية الكبرى خضعت لتهديدات ترامب ونتنياهو وضغوطهما،وتراجعت عن طرح مشروع وقف الإستيطان وعدم شرعيته على مجلس الأمن الدولي.
يبدو بأنه في ظل عهد ترامب الرئيس الأمريكي الجديد،وفي ظل عودة روسيا لإحتلال مكانتها كقوة عالمية،وتدخلها في فكفكة ولحلحة العديد من أزمات المنطقة،ستعمل على عقد لقاءات فلسطينية- فلسطينية يشارك فيها ليس طرفي الإنقسام،بل الكل الفلسطيني،تهدف الى تحقيق مصالحة فلسطينية برعاية دولية تقودها روسيا،حيث أن التطورات والمتغيرات التي حصلت في المنطقة والإقليم،مثل الآتفاق الأمريكي والغربي الإستعماري مع ايران حول الملف النووي الإيراني،وسقوط مشروع تقسيم سوريا وفشل انتاج سايكس- بيكو جديد يقسم المنطقة العربية على تخوم المذهبية والطائفية،والنجاح في حل معضلة الرئاسة اللبنانية،لن تكون الساحة الفلسطينية بمنأى عنها،حيث أن خروج الصراع عن إطار السيطرة،بعد خروج سوريا متعافية وموحدة من الحرب العدوانية التي شنت عليها وتعاظم قوة حزب الله،قد يشكل خطر جدي على أمن ووجود اسرائيل،ولذلك لا بد من توافق دولي،على كيفية تبريد هذا الصراع ولو بشكل مؤقت على الاقل،وحتى يتحقق ذلك يحتاج الأمر لتحقيق وحدة فلسطينية،يتوافق عليها دوليا واقليميا وعربيا،بحيث تكون روسيا وامريكا ودول الغرب الإستعماري وتركيا ومشيخات النفط الخليجي وايران وسوريا جزء من هذا الإتفاق،وأظن أنه سيكون من الممكن تحقيق نوع من الإختراق على سعيد المصالحة بالرعاية الروسية،وتكفل سويسرا برواتب موظفي حكومة حماس.
بقلم/ راسم عبيدات