في الأحداث السورية تقف السعودية جنبا إلى جنب مع القوى الدينية بما فيها الإخوان المسلمين وتفرعاتهم بينما تقف ضدهم بالمطلق في مصر, في سوريا تقدم كل الدعم والتأييد للجماعات الدينية وتقدم كل الدعم والتأييد لنظام معادي لهذه الجماعات في مصر وتتحالف مع تركيا في سوريا وتختلف معها في مصر وتفعل خلاف ذلك في الشأن العراقي وفي القضية الفلسطينية حيث تجد إيران وحزب الله يؤيدون حماس هناك بينما يختلفون معها في الموضوع السوري والبحريني واليمني وتسكت إيران عن الدور الأمريكي في العراق وتسكت أمريكا عن الدور الإيراني هناك أيضا بينما يتحاربان بعنف في سوريا وتبدو أمريكا محايدة في موضوع اليمن وتندفع مصر بكل قوتها هناك بصمت واضح من أمريكا عنها, وهذا ينسحب على الجميع ففي مصر المتخالفة بالمطلق مع السعودية في اليمن تقف صامتة واقرب إلى التأييد للنظام الحاكم في سوريا ولا احد يدري من يقف إلى جانب من في اليمن, حالة التناقض هذه باتت سمة من سمات العرب فهم لا يملكون رؤية واضحة لأي شيء ولا يضعون خططا لمستقبلهم والسبب باختصار شديد هو غياب الرؤيا القائمة على فكر عصري عميق وقادر على تقديم صورة العربي عبر واقعه ومصالحه ومستقبله بل يضع العربي كملحق دائم للسياسات الغربية والامبريالية في المنطقة وما تراه أمريكا صحيحا نجد الجميع يتسابق للانضمام إليها بهذا الشكل أو ذاك وحين ترى البعض يتناقض مع الموقف الأمريكي في هذا الموقف أو ذاك يحيرك أن نفس الجهة تؤيد الموقف الأمريكي وتتساوق معه في مكان آخر وقد يكون منطقيا أحيانا أن تتحالف أو تتناقض مع نفس الجهة حسب الموقع والمرحلة انطلاقا من إدراكك التام لمصالحك وأهمية تحقيق الأهداف التي تسعى إليها لكن الغريب أن العربي لا يملك هذه الأهداف وهو يعمل يوميا عكس أهداف بلاده ومصالحها.
في موضوعة التصويت في مجلس الأمن على القرار المناهض للاستيطان والفرح العارم بالقرار الذي يأتي في الأيام الأخيرة لحكومة الديمقراطيين برئاسة اوباما وقبيل ابتداء حكم الجمهوري ترامب وما بجعبته من تأييد تام لمصالح الاحتلال الإسرائيلي لبلادنا متناسيين أن الصحوة الأمريكية لحكوماتها في أيامها الأخيرة ليست وليدة الساعة فلقد اعتاد حكام الولايات المتحدة الأمريكية أن يلقوا لنا ببعض الفتات قبيل مغادرتهم البيت الأبيض ثم يتركوننا نهبا للقادم بعدهم ليلغي ما سبق أن قدمه من سبقوه ويتركنا نلهو بتلك العظمة بينما يستمر هو في تقديم الدعم التام للاحتلال الإسرائيلي على الأرض, نظريا استطاع القرار في مجلس الأمن أن يمر بشكل طبيعي وبدون أي صوت ضد بما في ذلك صوت الولايات المتحدة التي لم تكتفي بعدم استخدام الفيتو لتمرير القرار بل وظهرت بكل الحياد في الأمر عبر امتناعها فقط عن التصويت وكان صوتها الصموت الوحيد الذي الغير مؤيد علنا بينما كان واضحا أنها رغبة كل الغربة بتمرير القرار وانطلق صخب الفرح الفلسطيني بالقرار من كل حدب وصوب.
بالتأكيد لقرار مجلس الأمن أهميته ولكن الاكتفاء به بعيدا عن البند السابع لا يعطيه أية قوة ولا أية إمكانيات للانتقال إلى دائرة الفعل فهو ككل القرارات التي سبقته سيبقى حبر على الورق ولن يتحول إلى حجر في بناء حقيقي يصل بشعبنا إلى كامل حقوقه الوطنية لكن الحجارة الحقيقية جاءت من جهتين الأولى أننا خسرنا مصر القوة العربية الأولى أمام العالم وعلنا ولأول مرة تتراجع دولة عربية عن دعم موقف فلسطيني في محفل دولي بهذا الشكل وعلى صعيد آخر ارتفعت كل حجارة الاحتلال لبناء مستوطنات جديدة ووحدات سكنية جديدة وصدرت قرارات احتلالية جديدة تساهم في تهويد الأرض وعزل مواطنيها تمهيدا لإحكام السيطرة على الضفة الغربية برمتها وإلغاء أية إمكانيات لإقامة دولة فلسطينية مستقلة تكون الضفة الغربية مكونها الأساس بينما ستسمح قطعا بوجود ذلك في قطاع غزة بهذا الشكل أو ذاك.
هكذا ببساطة تسمح أمريكا لنيوزيلندا التي تعتبر ملكة بريطانيا هي الحاكم الدستوري لها والسنغال الأقرب تاريخيا للولايات المتحدة بينما تحرم مصر من فعل ذلك وتسكت لها عن موقفها من الأحداث السورية المناقض علنا للموقف الأمريكي وهي تمنع مصر من تقديم المشروع وبنفس الوقت تسهل تمريره فما هي المصلحة الأمريكية من مثل هذا الموقف سوى إحكام السيطرة على المنطقة العربية وجعل الفلسطينيين عراة من أي دعم عملي وواقعي يأتيهم من اكبر دولة عربية عرفت تاريخيا كحاضنة للقضية الفلسطينية وهذا أيضا ينسحب على وقف مصر لرعايتها للمحادثات بين فتح وحماس والسماح لسويسرا بفعل ذلك ومنع الأردن من استضافة قادة حماس على أراضيها وإطلاق يد قطر وتركيا في ذلك فالأمر جلي إذن وبغاية البساطة تجردي القضية الفلسطينية من حاضنتها العربية لمنع الفلسطينيين من الانتقال إلى دائرة الفعل المقاوم على الأرض من جديد وتحويلهم إلى أدوات دبلوماسية لا حول لهم ولا قوة وتحويل قضاياهم إلى قضايا إنسانية وإطلاق يد المحتلين للانتهاء من تهويد الأرض وابتلاعها والإبقاء على قطاع غزة كملها بديل لحكاية التحرر والاستقلال التي يصر الفلسطينيون على استمرار تذكرها واعتبارها هدفا لم يغب عن عقولهم وان غاب عن أفعالهم وبغيب يوما بعد يوم لانشغالهم بما يقلى لهم من أدوات الهاء لا تغني ولا تسمن من جوع.
بقلم
عدنان الصباح