أعيد نشر هذا المقال الذي يحمل نفس العنوان ونفس الفكرة ولكن مع بعض التعديلات الجوهرية التي تتناسب مع التطورات المتعلقة بالوضع الراهن ، حيث أنه بعد النجاح المثير للجدل الذي حققه الرئيس الفلسطيني محمود عباس من خلال عقده المؤتمر العام السابع لحركة فتح وما تمخض عنه من فرض الأجندة التي أرادها وكما برمجها ، يبدو بأن فكرة إعادة تشكيل بنية المجلس الوطني الفلسطيني من خلال إنتخابات عامة في الداخل والشتات قد نضجت بما يضمن مشاركة الطيف الفلسطيني بمجمله وفي كل أمكان تواجده ، وهذا إن تم بالفعل سيُعَد بمثابة نجاح أخر يحسب للرجل ولا يمكن لأحد أن ينكره عليه سواء تم الإتفاق أو الإختلاف عليه أو معه!.
هذا بالتأكيد جعل عجلة البحث عن مكان في محور صناعة القرار الفلسطيني تتسارع ، حيث أن البعض من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح المنتخبة مؤخراً بدأوا بالعمل ليل نهار لتسويق أنفسهم بين صفوف المواطنين الفلسطينيين بهدف محاولة نيل شعبية تؤهلهم أو تدعم توجههم للحصول على منصب نائب الرئيس الذي يكثر الحديث عنه في هذه الأيام.
كما أن هناك حالة صمت ذكية عن البعض الأخر من أعضاء هذه اللجنة وخارجها من المستقلين توحي بأنهم في حالة ترقب للأحداث وخاصة لما ستؤول إليه الأمور عقب مؤتمر باريس الدولي المزمع عقده يوم الخامس عشر من الشهر الحالي ، والذي يسبق تولي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مسؤولية الحكم ورئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بخمسة أيام فقط، حيث لا زالت التكهنات تتحدث عن رفع لسقف التوقعات لما سيتمخض عن هذا المؤتمر، وما الذي ستحمله الإدارة الأمريكية الحالية من مفاجآت تقدمه خلال هذا المؤتمر وذلك قبل رحيلها!، كما أنهم على ما يبدو باتوا يفضلوا الصمت في ظل الغموض الذي يكتنف المرحلة ومناكفاتها ، وذلك من خلال مراقبة ما الذي ستأتي به الإدارة الأمريكية الجديدة بخصوص الملف الفلسطيني؟!.
كما أنه لا يمكن إغفال قوة محاولات محمــد دحلان البقاء في المشهد وهو الذي يمثل الخصم الأكثر شراسة للرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي بات أكثر إرتياحاً وهدوءاً من ذي قبل، وذلك من خلال العمل على إيجاد حل لمشكلة الكهرباء في قظاع غزة ، والإعلان عن توفير منح دراسية لأبناء الشهداء فيه، حيث يبدو بأن هذه الخطوات من قِبَل دحلان تأتي في سياق مسلسل خطوات أخرى، لا شك بأنهل تترجم الإصرار على السير قدماً بقوة في المزاحمة والتنافس والدفاع عن الوجود في ظل هذا الحراك القائم.
هذا بالتأكيد يوحي بأنه هناك إشكالية لا زالت قائمة وشكل من أشكال الصراع لا يمكن إغفاله، وبالتالي لابد من إستذكار ما تطرق إليه بيني آفني في صحيفة "نيويورك بوست" مؤخراً ، وذلك حول التساؤل الذي يطرح نفسه بقوة في هذه الأيام وهو ماذا لو نشبت معركة قصر شكسبيرية على خلافة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولم يكن هناك أحد ليقوم بتوثيقها؟، حيث أن ذلك السؤال لا زال مشروعاً ومن الطبيعي أن تتباحث فيه أجهزة مخابرات دولية ، خاصة أن منصب رئيس الشعب الفلسطيني ليس منصباً عابراً بالنسبة للإستقرار في المنطقة! .
بالطبع هذا الأمر بات يأخذ الكثير من الأهمية في البحث والتساؤل، ولكن في تقديري أنه كان هناك مبالغات في تحليله حيث أنه بات من الصعب بناء تصورات سوداوية في حال غياب الرئيس الفلسطيني محمود عباس إعتماداً في ذلك على تاريخ الإقتتال الفلسطيني في الشتات وخاصة في المخيمات اللبنانية وغيرها من الساحات الأخرى ، لأنه ببساطة، ظروف الساحة داخل فلسطين المحتلة تختلف في العادات والتقاليد والقدرة على التدخل لحل الخلافات والسيطرة عليها عما سواها من ساحات خارجية تحت سيطرة حكومات ودول أخرى!.
ففي لبنان مثلاً كانت الدولة اللبنانية ضعيفة وكل فريق يعمل لنفسه دولة داخل الدولة فكانت الصراعات بينهما شرسة لحساب أجندات خارجية ، ولكن عندما أصبح هناك دولة تسيطر على الوضع تغير المشهد واصبح هناك قدرة على التدخل سريعاً في اللحظة المناسبة لنزع فتيل أي صراعات وإحتوائها قبل أن تتوسع رقعتها.
أما في فلسطين المحتلة فخطر الإقتتال اليوم قد تلاشى بعد نزع فتيل التوتر الذي سيطر على مشهد الساحة الفلسطينية طوال عام 2016 والعمل على إحتواء مسبباته، وإن حصل غير ذلك لا سمح الله في هذا العام كما يظن أو يتمنى البعض فإن رقعة أي أحداث لن تتوسع وسيكون صراعاً منبوذاً لأن الحالة الوطنية والعشائرية القائمة في فلسطين لا زال لها ثقل وحسبان يؤخذ بعين الإعتبار، فيكون لدى كل كبير عائلة القدرة على التدخل والإحتواء ، هذا عوضاً عن أن معظم كبار العائلات الفلسطينية أصبحوا أكثر وعياً ونضوجاً، ولن يسمحوا بأي إنزلاق في مستنقع أي تصادم داخلي بعد التجربة المريرة التي لا زال شعبنا يدفع ثمنها نتيجة الإنقسام البغيض الذي نجم عن لحظات مجنونة كان القرار فيها لفصائل متناحرة أدركت هي الأخرى أنها كانت خاسرة وأن الصراع لن يحميها بل سينهيها، لذلك بدأت تتعاطى بمسؤولية وأصبحت تشارك في التوجهات الفلسطينية الوحدوية ، وهذا بدأ واضحاً من خلال الموافقة الجامعة على المشاركة في اللجنة التحضيرية لإنعقاد المجلس الوطني الفلسطيني التي ستنعقد في العاصمة اللبنانية بيروت خلال هذا الإسبوع، وبالتالي لا أجد مبرراً لأي تخوفات من أي صراع في الأفق لأي سبب كان!.
أيضاً لا يمكن إغفال أن أبناء الشعب الفلسطيني الغيورين على وطنهم هم الغالبية من المثقفين والأكاديمين ورجال الأعمال والشباب الواعي الذين لا يمكنهم القبول بفكرة سقوط الوطن في وحل الصراعات والإنقسامات والإقتتال مرة أخرى لأن الجميع ينتظر مرحلة البناء ليروا مستقبلاُ زاخراً بالأمن والأمان والسلام لأطفالهم، وهم أيضاً الذين باتوا يدركوا بأن التحديات والمخاطر التي تواجه الوطن بأكمله كبيرة جداً .
كما أنه لا يمكن تجاهل إرتقاء المرأة الفلسطينية في نظرتها إلى ضرورة المشاركة في بناء الوطن، فأصبحت مقبلة على فهم الواقع وتحدياته، وبات المفهوم العام لديها مبني على أن بناء الأوطان يحتاج إلى إلتقاء وليس إقتتال أو صراع، كما أن هناك ضرورة للمحافظة على مكوناته وهذا يحتاج إلى فهم ولغة حوار ، وهذه المرأة هي الأم والزوجة والأخت والإبنة الذين جميعهم يمثلون أعمدة لوطن يحلمون به ويعلمون بأنه لابد أن يحافظوا عليه مهما كان الثمن.
صحيح أنه لربما أن الظروف صعبة لأن الطريق التي سلكها الرئيس الفلسطيني في فلسفته الوطنية وعرة ولا يستطيع الجميع تفهمها ، حيث شابها أخطاء قاتلة عندما أدخلت ثقافة الخصومة الفاجرة والإقصاء حتى درجة الحقد فلم يكن هناك تصرفاً حليماً ، بل تركت الأمور بلا ضوابط وأصبح الجميع يرى في كل شئ ومن أي شئ حالة خصومة معه.
لذلك أصبح المشهد يوحي بأن الجميع في حالة صراع ويعيشون حالة إستثنائية مع الذات، ولكن مع ذلك لم يفقدوا الأمل بعد، لأن الجميع باتوا يدركوا بأنه في النهاية لن يصح إلا الصحيح ، لأنه من الطبيعي أن أسلوب المغالاة في الخصومة لا يجلب حالة إستقرار ولا يأمن غدر الزمن ولا يؤمن منصب أو مال إلى مالا نهاية، ولكن الوطن بوحدته قادر على أن يحمي الجميع ، حيث أنه بات واضحاً، أن من خاصمهم الرئيس عباس بناءاً على ظنٍ منه أنهم خطر على منظومته وبأنه بذلك سيقضي عليهم أو يضعفهم أصبحوا اليوم لهم قوة حضور !!، بل أصبحوا عناوين فاعلة ومؤثرة تنتظر دورها ومتوافقة على ما يبدو فيما بينها الأن أكثر من قبل حول أن الوطن هو المظلة التي تؤمن للجميع البقاء والإستمرار وأن الشعب هو حاضنتها ومن يخرج عن ذلك لن يكون له مكان!.
نعم يبدو بأن الجميع قد إتفقوا على أنه قد حان الوقت للإنتقال إلى مرحلة البناء بدون إقصاء لأحد أو أي إنتقام من أحد لكي يكون هناك أمل لشعبٍ طال إنتظاره للحياة الأمنة والمستقرة، لكي يشق الجميع الطريق الآمن والمقبول دولياً نحو الحرية والإستقلال لوطن فيه شعب محب للسلام ولا خيار أخر عنده في أهدافه غير السلام طالما أنه سيحصل على حقوقه العادلة التي كفلها له القانون والشرائع الدولية.
كما أنه بات من الواضح أن الوضع الإقليمي والدولي لن يسمح بأي إقتتال بين ابناء الشعب الفلسطيني في داخل الوطن ، لأن ذلك لا يصب في المصلحة الإقليمية التي ستتأثر حتماً باي إختلال في هذا المفهوم ، لذلك لن يكون هناك إقتتال بين أبناء شعب جل أبنائه هم من المحبين للحياة والسلام، بل سيكون هناك وحدة وحالة بناء وإنطلاق نحو المستقبل من أجل وطن يحبونه ويحبهم ، ضحوا من أجله وتحمل الكثير من أجلهم ، وطن يستحق منهم أن يكونوا كبار ، كبار في المسؤولية، وكبار في الوطن، وكبار في تلاشي اي خلاف قد يؤدي إلى الإقتتال، وكبار في الإدراك لضرورة أن يحتكم الجميع إلى صناديق الإقتراع لتداول السلطة بدلاً من أن يضيع الوطن من بين أيديهم ويضيعوا هم!!! ،وليكن مطمئناُ بيني افني وغيره من الباحثين في الحالة الفلسطينية بأنه لن يكون هناك ، سواء مع وجود الرئيس أو بعده، أي إقتتال!!!.
بقلم/ م. زهير الشاعر