التحديات التي تواجه الرئيس!!!

بقلم: زهير الشاعر

قبل أيام من إنعقاد المؤتمر الدولي للسلام في العاصمة الفرنسية باريس بدأت تتلاشى الآمال من إمكانية تحقيق أي خطوات عملية على صعيد عملية السلام المنشودة خاصة في الفترة القريبة التي تسبق تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.

وهذا يعد التحدي الأكبر والأكثر خطورة بالنسبة للرئيس محمود عباس الذي راهن كثيراً وطويلاً على هذا المؤتمر، خاصةً في ظل تسارع الأحداث والإعلان الواضح عن نية الإدارة الأمريكية الجديدة المضي قدماً في عملية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، بغض النظر عما يعنيه ذلك بالنسبة للمنطقة برمتها، كما أن الوضع السياسي في إسرائيل لم يعد على ما يبدو جاهزاً على الإطلاق للدخول في أي مفاوضات سلام مع الفلسطينيين في الوقت الحالي، خاصة في ظل فضائح الفساد التي باتت تلاحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والتي باتت تهدد إستمرار الإئتلاف الحكومي القائم، وهذا يعني بروز المزيد من التحديات أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس في هذا الوقت القصير المتاح أمامه.

لذلك لابد هنا من التذكير بما جاء في الخطاب الأخير للرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة حين توجه إلى الوفود الدولية بقوله " إننا نطمح أن نرى دولة فلسطين المستقلة تأخذ مكانها بين الأمم، فمن أراد أن يبحث عن السلام ويحارب الإرهاب عليه أن يبدأ بحل المشكلة الفلسطينية وعندها ينتهي كل شيء، وأنه حدد عام 2017 ليكون عام الدولة الفلسطينية المستقلة"، وهذا يعني في تقديري أن الرئيس عباس كان يدرك جيداً حجم التحديات التي تواجهه ، وأن صبر شعبه قد نفذ ولم يعد لديه قدرة على تحمل المراوغات وعدم الوضوح في السياسة المحلية والدولية إتجاه الغطرسة الإحتلالية التي تزيد الأمور تعقيداً يوماً بعد يوم.

بالتالي كان يتوجب عليه أن يتحدث بلغة صارمة وواضحة لا تحمل معنين بأن الوضع أصبح لا يُحْتَمَل، فإما دولة فلسطينية تحقق للفلسطينين آمالهم وتطلعاتهم، وإما سيكون هناك ما لا تحمد عقباه من موجات عنف ولربما إستقطابات من قبل مجموعات متطرفة لأبناء الشعب الفلسطيني من الباحثين عن أمل يجلب لهم العيش بكرامة في وطن حر ومستقل، وهذا في أحسن الأحوال لم يتعدى كلام ورؤية إنشائية إيجابية جميلة دغدغت مشاعر السامعين وأحيت في حينه الآمال من جديد بأن القيادة الفلسطينية لا زالت تحمل همومهم وتعبر عن أوجاعهم وآلامهم، ولكن منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا لم يشاهد الشعب الفلسطيني إلا المزيد من الضياع وفقدان الأمل وتراكم التحديات أمام الرئيس عباس نفسه!!.

لذلك بات الجميع يدرك بأن الرئيس محمود عباس لم يعد لديه الكثير من الخيارات أمام التحديات الضخمة التي تواجهه كل يوم ، ومن ثم فإن أي كلمات تصدر عنه سواء كانت تحذيرية لدغدغة مشاعر شعبه أم إستنكارية دبلوماسية لأي موقفٍ لإسترضاء إسرائيل والقوى الدولية، لم تعد ذو قوة أو تأثير حتى تحظى بأى جاذبية لدى مستمعيها، خاصة أنها لا تزال غير مصحوبة بخطوات عملية وفورية يتلمسها الجميع بدءاً بأبناء الشعب الفلسطيني من خلال البدء الفوري بإعادة الحقوق لأصحابها وبتخفيف حالة البؤس التي يعيش فيها هؤلاء.

أما أن تبقى الحالة كما هي تتمثل في إستهلاك الوقت وبدون نتائج تُذْكَر وفي سياق فزلكات غايتها غلتهام لاحقوق وسرقتها والإلتفاف عليها، ولا تحمل معها أي أمالٍ تستحق الإنتظار!، فإن كل ذلك سيتبخر يوماً بعد يوم كما تبخرت أمال سابقة لم يتحسس أبناء الشعب الفلسطيني أي تغيير منها أو أنها جلبت لهم أي جديد ممكن أن يساهم بتغيير النمط الحياتي الذي لم يعد للإنسان الطبيعي أن يتحمله، لذلك باتت في نظرهم لا تعدو سوى أوهام ، زادت من أرصدة فريق متنفذ وزادت من حالة الفقر واليأس والألم لأبناء هذا الشعب الذي كان يعيش الأمل ولا زال ينتظر ويرفض أن يراها في سياق السراب والوهم، وعندما تيقن بأن حالة الوهن في القيادة عميقة وراسخة وهي لم تعد تملك رفاهية الإختيار فيما تقول لكي تستطيع أن تلبي الحد الأدنى مما توعد به، لذلك نرى أن هناك حالة تزايد طردية في التحديات أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس وإنعدام لحالة الأمل بين انباء الشعب الفلسطيني باتت في زيادة طردية أيضاً ملحوظة وهذا قد يؤدي إلى أن تصبح الطريق مفتوحة أمام حالات التطرف أكثر وأكثر.

لذلك ، لا أجد هنا ما يدعو للإستغراب من عودة حالة العنف المفاجئة بعد فترة هدوء ليست قصيرة، حيث أن الشواهد جميعها تقول بأنه في ظل غياب العدالة، لابد للرئيس عباس من أن يبادر بسرعة لمسك زمام الأمور الداخلية من جديد وبمسوؤلية أكبر بعيداً عن لغة التحدي للمشاعر والإستقطاب هنا أو هناك، وبعيداً عن لغة القبضة الحديدية، وتوجيهها بما يخفف الآلام والأوجاع التي يعاني منها أبناء شعبه، وذلك بالقدر الكافي الذي يتناسب مع موقعه ومنصبه ، حيث أصبح هناك ضرورة مُلِحَة لتغيير المشهد الداخلي بأدوات جديدة تقدر تطلعات أبناء شعبهم وأحلامهم وتحترم كرامتهم وتعطيهم الأمل، وتُحَسِن من حياتهم المعيشية ، وتكون على قدر من المسؤولية بما يتلائم مع تحديات المرحلة ومخاطرها، بعيداً عن أوهام موعودة جديدة في ظل أن الحقيقة أصبحت واضحة ومعروفة!.

بقلم/ م. زهير الشاعر