حين صرخ الراحل محمد الماغوط بكل القسوة " سأخون وطني " لم يكن ابدا يقصد وطنه الحقيقي بل مزرعة الحاكم الذي حول الوطن الى اقطاعية خاصة به وحول مواطنيه الى عبيد وأقنان بأشكال مختلفة وهو ما جعل كل الوطن العربي الرسمي والشعبي يقلد الحاكم فلم تعد معارضته حتى سوى محاكاة لحكمه فكما يظل الحاكم اربعون عاما يتربع على صدور الشعب كل الشعب تظل قادة المعارضة تفعل فعله فالديمقراطية الحقيقية غائبة عن كل ارض عربية وما نحن إلا في غابة تسود فيها شريعة الغاب وسلطة الحالكم الاقوى فكيف للوطن الغابة ان ينتصر بالضعفاء المهملين والمستعبدين والمهمشين كيف؟؟؟
كل عام والوطن بخير والشعب بخير والحزب بخير والزعيم قبل الجميع وبعد الجميع بألف خير وحدنا أنا وأنت من لا يتمنى لنا احد الخير إلا على رأي زياد الرحباني الجميل " وحدها شركات التامين من تتمنى لك الخير " ولان الفقراء أصلا لا يعرفون عناوين ولا أسماء ولا بوالص شركات التامين فقد خسروا هذه حتى, فالفقراء عادة ما يلتحفون بحلم الجنة تاركين الأرض وما عليها للنهابين ينهبون قوتهم وخبزهم وحريتهم معا.
ترى كيف للوطن أن يكون بخير إن لم يكن ناسه بخير وكيف للحاكم أن يكون بخير إن لم يكن المحكومين بخير وكيف للام والأب أن يكونوا بخير إن لم يكن البنات والبنين بخير فالخير لا يمكن له أن يكون مجزوءا ولا خير لجهة أو لأحد يمكن أن يأتي على تعاسة الآخرين ولا خير يمكن أن يعيش إذا كان الألم زاد من حولك فلا الوطن له معنى دون ناسه ولا الحاكم له حكم دون ناسه ولا الأم ولا الأب سيحتفظون حتى بألقابهم دون الأبناء.
في الوطن العربي دون غيره من دول العالم بما في ذلك عديد البلدان الفقيرة يحصل الحاكم وحاشيته على ملايين الدولارات بينما لا يحصل مواطنه الفقير على قوت يومه حتى أن بعض الناس يموتون من الجوع والبرد ولا يجدون سقفا يأوون إليه من برد الشتاء, في بيوت الفقراء لا خبز ولا كساء, لا سقف ولا مدفأة, وكل تلك الغائبة عن بيوتهم سرقت علنا ليكون في بيوت الحاكم وحاشيتهم ولصوص الثروة الوطنية كل السقوف التي لا يحتاجونها والمدافيء التي لا يحتاجونها والملابس والسيارات وكل أشكال وأنماط الرفاهية, لا يجد الفقير غرفة يأوي إليها ولا يعرف الغني والحاكم أجنحة قصره مهما عاش من الزمن هو أو أبناؤه فأي وطن هذا الذي سيقاتل في سبيله جندي جائع لصالح كرش " حاكم تكرش حتى عاد بلا رقبة " وإلا كيف استطاعت الولايات المتحدة احتلال العراق العظيم وكسر جيشه البطل بساعات إلا لان الوطن كان أقسى من الأعداء على أبناءه.
الحاكم في البلاد العربية لا يدير حكما ولا مؤسسة بل تتحول البلد بأكملها إلى إقطاعية له ولا سرته ويتحول الشعب إلى أقنان وعبيد لا دور لهم سوى خدمته والتغني بانجازاته الكاذبة والبعيدة كل البعد عن الواقع, في العالم المتحضر إذا مرض مواطن يتوجه فورا إلى المستشفى لتلقي العلاج وفقط عند العرب من يجد نفسه مضطرا للتوسط لدى الحاكم وحاشيته ليمنحه حق العلاج وكأنه ينفحه من ما ورثه عن والده لا ممن سرقه من جيب نفس المواطن والأمر ينطبق أيضا على التعليم والسكن والمأكل والملبس وكل مناحي الحياة فإذا جاع المواطن ينتظر منحة الحاكم وإذا مرض ينتظر منحة الحاكم وهو بالتالي لا يمكن أن يشعر انه يعيش في وطن له بل في إقطاعية هذا الحاكم ولذا تجدنا بعيدين كل البعد عن التفكير الجمعي العام وتجد بيت العربي نظيف من الداخل مثلا بينما يلقى بقمامته من شباك منزله إلى الشارع فهو على يقين أن هذا الشارع ليس له.
بحاجة نحن أن يصبح وطننا لنا جماعة لا إقطاعية الحاكم حتى ننتمي لوطن دائم وثابت لا لحاكم يتغير بموته أو بسقوط حكمه فتنقلب الدنيا رأسا على عقب وننقلب معه لنصبح على دين الحاكم الجديد ونطلق بالمطلق دين الحاكم السابق ولينطبق علينا المثل القائل الناس على دين ملوكهم يفعلون ما يريد ويصفقون لما يفعل مهما كان وأيا كان ولا يستطيعون حتى أن يوجهوا نقدا أو يصرخوا بصوت احتجاج فالحاكم في بلادنا هو ظل الله على الأرض وأنت تجد حتى رجال الدين الموظفين يهللون ويكبرون لكل قول أو فعل أتى به بغض النظر عن انطباقه مع الدين أو معاداته له فهناك موظفين جاهزين دوما لتبرير كل فعل وتحويل بذاءات الحاكم إلى صورة للعبقرية النادرة والمعصوم عن الخطأ, هذا هو وطن العربي الغائب عنه والمغيب عنه ولذا لا يمكنك أن تطلب منه حماية بيت الآخرين إن لم يكن لديه بيت يحميه فلا وطن لعبد ولا ارض لقن فالأحرار فقط يملكون وطن الأحرار ويدافعون عنه لأنه بيتهم أولا وقبل كل شيء.
ان الاقبال على المشاركة بالانتخابات كان بنسبة 100% وجاءت نتيجة التصويت ايضا 100% لصالح الرئيس العراقي فلم يمت احد في ذلك اليوم ولم يمرض احد ولم يحصل حادث سير واحد في 16/10/2002 جرى استفتاء على تجديد ولاية الرئيس العراقي صدام حسين وكانت النتيجة ولم يتغيب احد حتى المسجونين او من كانوا خارج البلاد كل الشعب العراقي جاء للتصويت وجميعا بصوت واحد قالوا نعم للرئيس فلم يعارضه احد وبعد اقل من عام كان الجميع ينفك من حول الرئيس فأي انتخابات كاذبة كانت هذه وأي وطن عظيم هذا الذي انهار بساعات امام الاعداء طالذين انتظر الرئيس الراحل حضورهم ليلحق بهم هزيمة العصر ومن هم اولئك الذين خرجوا ليحموا صوره وتماثيله ان كانوا جميعا حقا قالوا نعم لصدام في اوراق الاستفتاء السري فأية مهزلة صاغها له تجار الكذب من حاشيته ليصوروا له الامر كما فعلوا ليذهبوا بالرجل وأسرته حد الموت بأبشع صنوفه وبالعراق حد الدمار بأبشع صنوفه ايضا.
اليوم يصل راتب الرئيس العراقي الرسمي شهريا الى مليون دولار بينما يموت العراقيون جوعا فكل ما حققوه بالتخلص من ديكتاتورية الفرد انهم جاءوا بكل لصوص العراق لينهبوا البلد ويتركوهم جياعا ونهبا للأعداء هم وخيرات بلادهم.
بقلم
عدنان الصباح