فوضي الربيع ...ارهاب واعاقة للتنمية

بقلم: وفيق زنداح

السنوات الماضية شهدت أحداث ما يسمي بالربيع العربي وما نتج عنها من أحداث مأساوية ..وتراجع ملحوظ لاقتصاديات بعض الدول.... وما أحدثته من تدهور وفلتان أمني ...وما عصف بتلك الدول من ارهاب أسود استهدف تلك الدول العربية المركزية ....ذات الثقل في ميزان القوة العربية التي أرادوا لها الاندثار والضعف والتفتت والانهيار لمنظوماتها السيادية .
ما حدث ابان ما يسمي بالربيع العربي من فوضي عارمة أغرقت بعض البلاد العربية بالعديد من الأزمات والاشكاليات مما هدد استقرارها وأمنها ومعدلاتها التنموية ....وقد حاولت بعض القوي من الدفاع وتحصين ما هو قائم من أنظمة ومقومات .....كما كان للبعض الاخر رؤية الانتظار والمشاهدة لما سوف تسفر عنه النتائج .....بينما البعض أراد استكمال مشواره باعتبار أن ما يحدث هو المخرج من الحالة التي وصلت اليها الأمور من وجهة نظرهم ....بينما قلة أخري ذات ارتباط مشبوه أرادت أن ترتبط بالخارج ليقدم لها المساعدة الاعلامية والمالية ويمارس الضغوط.... حتي يتمكنوا من استكمال ما أحدثوه من فوضي ....وما يمكن أن يترتب على هذه الفوضي من ظروف ومستجدات تزيد من الأعباء والأزمات .....مما يسهل عليهم مهمتهم ....وتنفيذ مخططهم .
حالة مأساوية ...وفراغ كامل ...وفوضي مدمرة ....سمحت لبعض الجماعات الارهابية والتكفيرية أن تقوم من جحورها ...وأن تخرج الي النور في ظلمة الليل ....وأن تتحرك بفعل عوامل المساعدة الخارجية التي وفرت أرضية الالتقاء والانسجام مع مصالح وأهداف بعض القوي المناهضة لمفهوم الدولة القومية ....التصاقا مباشرا بقوي الشر المزعومة من أجهزة استخباراتية أرادت أن تنفذ مفهوم الفوضى الخلاقة لتقسيم المقسم.... وتجزئة المجزأ .
هذه الحقبة الزمنية الأسوأ بتاريخ أمتنا وشعوبنا العربية والتي لم تطول مدتها .....والتي أحدثت حالة من التراجع والانهيار وزادت من حدة الأزمات واعاقت الكثير من عوامل التنمية والنهوض والاستقرار ....تلاقت المصالح بكل توجهاتها وأيدولوجياتها وأطماعها ....لزرع بذور الفتنة المذهبية ....كما الخلافات العقائدية والطبقية والايدلوجية الفكرية والثقافية وتحت شعارات براقة حملت ما يمكن أن يجذب المشاهد والمستمع لها ....لكنها بالحقيقة شعارات خاوية ...وخالية من المضمون الحقيقي لمصالح الشعوب والدول.... لأنها شعارات لم تستند برفعها والمطالبة بها عبر قنوات شرعية ....ولكنها كانت المطالبة عبر الشوارع والميادين ووسائل التخريب والحرق ....على اعتبار أنها أرادت مجرد التغيير وليس الاصلاح ....ارادت الافقار واختلاق الأزمات ....وليس احداث التنمية .....أرادت الفوضى وغياب مفهوم الأمن الاجتماعي والاقتصادي ...وليس احداث الاستقرار والدفع بعوامل التنمية المستدامة .....كل هذا كان يتم بفعل مخطط مدبر ....وتمويل مالي ....لبعض وسائل الاعلام ...ومن يسمون أنفسهم بالنخب الفكرية الثقافية الاعلامية وحتي السياسية.
ما جري من انهاء بعض الأنظمة واستبدالها بما يشبه الأنظمة التي أعطت الضوء الأخضر لجماعات التكفير والارهاب بالتحرك وبناء قواعدها داخل العديد من الاقطار العربية وتسهيل مهمة تحركهم وتمويلهم لتنفيذ ارهابهم
مسمي الثورات التي حدثت ....لا علاقة لها بمفهوم الثورة الحقيقية ....كما ليس لها أدني علاقة بمفهوم المصلحة الشعبية ....ولكنها كانت بفعل مخطط تم وضعه بأحكام ....وتم تنفيذه بفعل عوامل وظروف ومن خلال أدوات مشبوهة ....فليس هناك من معالم حقيقية لثورة شعبية أرادت الحفاظ على الوطن ومقدراته ومقوماته ...كما أرادت صيانة الدولة ومؤسساتها بل كانت معظم النتائج التي اسفر عنها ما يسمي بالربيع فوضي وارهاب الي الحد الذي أضعف مقومات التنمية وركائز الاقتصاد الوطني لتلك الاقطار..... كما كانت محاولة مدبرة ومخططة لتدمير الجيوش ومؤسسات الأنظمة والدولة والتي استمر بنائها على مدار سنوات طويلة .
منذ ما يسمي ثورة الياسمين التونسية في نهاية أكتوبر 2010 ....وما لحق بها بما يسمي بثورة 25 يناير بمصر الشقيقة وما حدث بعد ذلك من استكمال المخطط لإحداث الاضطرابات والتجاوزات والانتهاكات في كل من ليبيا واليمن وسوريا وما اسفرت عنه النتائج ...وما دلت عليه الوقائع ومجريات الاحداث ....والذي يؤكد أن ما يسمي بالربيع وثوراته قد كانت بفعل تخطيط مدبر لأهداف محددة ....لا علاقة لها بالشعوب وكرامتها وعدالة قضاياها ومجموعة حقوقها الانسانية والاجتماعية .....بل جاءت على عكس ما تناولته من شعارات لتزيد الشعوب فقرا وجوعا وحرمانا ...وكأن بعض النخب ممن شاركوا في احداث وصناعة هذا الربيع الأسود .....قد أجرموا بحق أنفسهم ....كما بحق شعوبهم ووطنهم وأمنهم ....وبالتالي ليس أمامهم الا أن يعلنوا عن خطيئتهم وتجاوزهم ....وطلب السماح من شعوبهم .
جاءت الفوضى بما انعكس سلبا وخرابا على التنمية بكافة مواردها وعناصرها ....وما أحدثته من اعاقة لعجلة التنمية ...واليات الانتاج.... وما تولد من أزمات اقتصادية اجتماعية ....جرد تلك الدول من بعض عوامل قوتها وأزمات فعلها .
لقد تكبدت شعوب تلك الدول التي طالتها الفوضى الخلاقة وما يسمي بأحداث الربيع الكثير من الخسائر.... ولا زالت الخسائر بفعل أثار مدمرة ناتجة عن استهداف قوي الشر والارهاب لاستقرار وأمن تلك الدول استكمالا بما فشلت به بما يسمي بالثورات الشعبية والتي كانت خدعة كبري .
مخططات ارهابية لا زالت تستهدف أمن واستقرار تلك الدول وما انعكس عليها من أزمات اقتصادية اجتماعية بفعل ارهاب مبرمج ومنظم ومخطط له بعناية فائقة داخل العديد من المراكز والمؤسسات الاستخباراتية ....والتي ارادت أن تركع تلك الدول لكنها فشلت...وكان الفشل حليفها وكانت البداية بثورة 30 يونيو المصرية... والتي قلبت خارطة المنطقة كما قلبت المخطط على رؤوس المخططين والمدبرين له والمنفذين لهذا السيناريو الذي ارادوا من خلاله أن يفتتوا المنطقة ودولها وان يقسموا الأوطان ....وأن يهجروا الشعوب ...وأن ينهبوا الخيرات .
جاءت ثورة 30 يونيو فاصلة وحاسمة...كما جاء بيان 3-7 محددا ودافعا لانهاء مرحلة ...وبداية مرحلة جديدة كان عنوانها افشال المخطط الأمريكي لمشروع الفوضى الخلاقة .
هذا الفشل الأمريكي بفعل الثورة المصرية لا زال يتطلب وعيا وتوحدا واستنهاضا للطاقات العربية.... وليس حالة الاستكانة والاهمال وعدم اليقين بما يجري وبما يخطط وبما يستهدف به كل قطر عربي .
صحيح أن المخطط الامريكي بكل تشعباته وخيوطه قد فشل في حسم امره بما تم التخطيط له .....لكن هذا لا يعني أن هناك الكثير مما تحقق ....وما زال يتحقق بفعل قوي الارهاب والشر التي تحاول زرع بذور الخوف والفتن واحداث التخريب وعدم الاستقرار ...واعاقة التنمية ....لأن ما يجري حتي الان يؤكد أن قوي الشر والارهاب لا زالت تحظي بعوامل الاسناد والدعم والتمويل ....وأن تراجعها وتوجيه الضربات القاضية لها تحتاج الي وحدة المجتمعات ...والي تظافر الجهود والي التسلح والايمان أن الوطن فوق كل اعتبار ...وأن مقوماته وركائزه يجب أن تقوي بفعل وحدة المجتمع وتماسكه وجهده المبذول ....هذه استخلاصات السنوات التي عرفت بالتاريخ العربي تحت عنوان ما يسمي بثورات الربيع..... والتي لا زالت فصولها قائمة ولم يسدل الستار عنها حتي الان ....وهذا ما يدلل على أن الممولين والداعمين لا زالوا على تمويلهم ودعمهم وارهابهم..... والذي يجب أن يتم التصدي له بفعل عوامل القوة الشعبية والوحدة الداخلية لتلك الشعوب وداخل تلك الأوطان .
الكاتب : وفيق زنداح