" لا تندهي ما في حدا "

بقلم: عدنان الصباح

جمال عبد الناصر ... الرجل الذي أصبح زعيما للقومية العربية بلا منازع كان يتقدم سيرته الذاتية انه قاتل في فلسطين إبان حرب 1948م وان نتائج الحرب هي التي عادت به إلى الداخل لإجراء التغيير المطلوب والقيام بثورته الأشهر في التاريخ السياسي العربي والتي أسست لنموذج لحقبة طويلة من الزمن وقد قضى جمال عبد الناصر وهو يحلم بتحرير فلسطين واستعادة كرامة جيشه ووطنه وأمته بعد تجربتين فاشلتين ظلت ملاحم البطولة في بورسعيد وحرب 1956م وتأميم القناة هي ما يباهي به العالم إلى أن رحل ليأتي من بعده رئيس خلافي اختلف معه كل العرب لكن قضية فلسطين ظلت هاجسه رغم كل شيء وظلت تتقدم أيضا سيرته الذاتية كبطل للعبور إلى أن جاء كامب ديفيد ليؤسس لحقبة جديدة في تاريخ علاقة العرب بشكل عام ومصر بشكل خاص بالقضية الفلسطينية, ومع أن كامب ديفيد أصبحت سمة نظام الرئيس مبارك فيما بعد إلا أن الرجل ظل يباهي الدنيا بأنه احد أبطال حرب أكتوبر وان هذا السبب هو الذي أهله ليصبح رئيسا للجمهورية بعد أن اختاره السادات كنائب للرئيس.
ما يعتز به آل سعود أن الملك فيصل أوقف ضخ البترول للغرب إبان حرب 1973م وما أرق الملك حسين والهاشميين أن القدس احتلت وهي تحت حكمهم وقد وصل به الأمر حد بيع ممتلكات له لاعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة لأكثر من مرة والملك الحسن الثاني ظل حتى وفاته يتغنى انه رئيس لجنة القدس, علي عبد الله صالح رئيس اليمن السابق قام أكثر من مرة بالهجوم على الدول العربية المحاذية لفلسطين لأنها لم تعلن الحرب على دولة الاحتلال, الشيخ زايد ظل يباهي بأنه كان دوما سندا لفلسطين والفلسطينيين والشهيد صدام حسين صنف حتى من أبناء شعبه على انه فلسطيني أكثر من الفلسطينيين وكان يبرر كل حروبه ومعاركه بأنها طريقه إلى فلسطين والرئيس الأسد ظل حتى وفاته أمينا على رفض التنازل عن الحقوق الفلسطينية وظلت سوريا حضنا للثورة الفلسطينية وكذا فعل لبنان وباختصار شديد فان فلسطين ظلت تمثل صك البراءة لكل الزعماء العرب إلى أن جاء مؤتمر الرباط أولا ليعفي الأردن من مسئولياته تجاه القضية الفلسطينية وليحقق للفلسطينيين أسوأ شعار في تاريخ قضيتنا وهو شعار القرار الوطني الفلسطيني المستقل.
كان من المفترض أن يكون شعاري القرار الوطني الفلسطيني المستقل ومنظمة التحرير ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني هما أدوات التحرير لفلسطين لا أدوات إضاعة فلسطين بعد أن اجبر العرب على نفض أيديهم عن القضية الفلسطينية وحرروا أنفسهم من لاءات الخرطوم الثلاث لا صلح ... لا اعتراف ... لا مفاضات, لتصبح هذه اللاءات نفسها مكررة بطريقة أردناها للتحرير فجاءت لتمرير كل مؤامرة بعد أن صارت شعارات العرب , لسنا من يتدخل بالشأن الفلسطيني ولسنا من يفاوض عن الفلسطينيين ولسنا من يعترف بإسرائيل, بينما أطلقوا لأنفسهم العنان في ذلك فيما يخص بلدانهم وبدل أن تكون قضية فلسطين قضية كل العرب صار لكل عربي قضيته ولم يعد لفلسطين احد وتدريجيا بدا الدور العربي يتغير كليا وصار العرب وسطاء بين الفلسطينيين والإسرائيليين ثم بين الفلسطينيين أنفسهم إلى أن جاء ما سمي بالربيع العربي ليلغي كل دور عربي على الإطلاق فيما يخص فلسطين اللهم إلا دور الصامت المتفرج إن لم يكن الشامت في بعض الأحيان.
كان اسم فلسطين والفلسطينيين ألفاظا عربية مقدسة لا يجوز المساس بها وكل من يقترب منهما كان يفقد حضوره أن لم يفقد حياته إلى أن جاءت أوسلو ليصبح العرب وعلى أيدينا في حل من أي التزام قطعوه على أنفسهم عبر عقود من تاريخ القضية الفلسطينية وصار بإمكان مذيع هنا أو هناك أن يدعو حتى لقتل الفلسطينيين علنا ويدافع عن إسرائيل حتى وصل الأمر بالكاتب الكويتي عبدالله الهدلق للدفاع عن ما اسماه حق إسرائيل ب " الدفاع عن النفس وقتل الإرهابيين الفلسطينيين مهما كانت أعمارهم، أطفالا وشبابا ذكورا وإناث " وقد كان ما هو اقل من هذا الكلام بكثير إن طال فلسطين وشعبها يعتبر كفرا إلا أن الموقف من حرب الخليج وأوسلو والانقسام الفلسطيني الفلسطيني ومن ثم حركات ربيع العرب الساخن كلها جعلت الأمر وأكثر منه ممكنا حتى على محطات التلفزيون وعلينا أن نتذكر أن أيدينا من اوكت وأفواهنا نفخت بهذه النار القذرة.
نحن من قلنا للعرب ارفعوا أيديكم عنا وعن قضيتنا ودعونا نواجه الأعداء وحدنا ثم أصبحنا نصرخ بأعلى الصوت منادين لنجدتنا فلا نجد من مجيب, كان العرب يقاتلون في سبيل فلسطين ثم صاروا يفاوضون في سبيل بلادهم ويتوسطون بيننا وبين الإسرائيليين إلينا ثم أوجدنا لهم عملا جديدا وهو التوسط فيما بيننا لإنهاء انقساماتنا وصراعاتنا ثم صمت كل شيء إلى أن صاروا بحال أسوأ يقتتلون في بلادهم ولا يلتفتون فلم يعد للعرب من دور على الإطلاق سوى دور الصمت عن إسرائيل من جهة وتدمير البيت العربي برمته من جهة أخرى وصارت حتى حكاية انقسامنا حكاية دولية بيد تركيا وسويسرا وروسيا وأمريكا قبل وبعد الجميع ولم تعد حكاية فلسطين هي الحكاية التي ترويها الأمهات العربيات لأطفالهن قبل النوم ولم تعد أناشيد الصباح في مدارس العرب تصدح باسم فلسطين لتطال كل قلب عربي بعد أن غابت حتى عن أفواههم وبناء على طلبنا فلماذا نجد بيننا من يحتج على تغييب العرب لأنفسهم بعد أن غيبناهم برغبتنا وطلبنا فهنيئا لنا وحدنا ولم يعد يحق لنا أن ننادي ففيروز قالت على ما يبدوا لنا " لا تندهي ما في حدا " والحقيقة أن علينا أن نكف عن النداء لأننا لم نبق من حولنا احد.


بقلم
عدنان الصباح