مصيبة كهرباء غزة تتمثل في بعض قادة حركة فتح الذين شاركوا في تأسيس محطة توليد الكهرباء، رغم تحذير الاحتلال الإسرائيلي لهم من عدم قدرة المحطة على سد احتياجات قطاع غزة، فجاء الرد بلغة وطنية زائفة: هذه أرضنا، وهذه سلطتنا، اتركونا وشأننا.
وعاودت إسرائيل وحذرت ثانية، وقالت للقائمين على تأسيس محطة التوليد: سنضطر إلى عدم إدراج قطاع غزة ضمن خطط إسرائيل التطويرية للكهرباء، وكان الرد الفلسطيني القاطع: لا نريد كهرباء إسرائيلية، لنا سيادتنا، وسنطور مصادر طاقتنا، لينجح بعد ذلك أصحاب المصالح في إقناع الأخ أبو عمار بالفكرة، فأيدهم الرجل من منطلق الرغبة بالاستقلال عن إسرائيل.
لقد أسس القادة والمسؤولون الفاسدون محطة توليد الكهرباء قبل 19 عاماً، لأهداف شخصية محضة، يحركهم الجشع، ويستنفر خطواتهم الطمع بجني الأرباح الخيالية، إنهم معروفون بالاسم، وهم الشريك والقاضي والمحامي والشهود والحرامي، الذي وقع على عقد الخيانة لغزة.
كانت إسرائيل تدرك أهداف المسئولين الفلسطينيين الساعين لتأسيس شركة التوليد، لذلك طلبت منهم التوقيع على كتاب رسمي يقول: إسرائيل غير ملزمة بتزويد سكان غزة بحاجتهم من الكهرباء، في حال فشل محطة التوليد عن القيام بواجبها المهني تجاه سكان قطاع غزة.
ووقع المسؤولون الفلسطينيون الوطنيون زيفاً على ذلك الكتاب.
لقد انكشفت اللعبة من السنة الأولى لعمل المحطة، وقبل أن تأتي حركة حماس إلى السلطة بسبع سنين، حيث كان يجب أن تنتج المحطة 140 ميجا سنة 2000، فانتجب 70 ميجا فقط، ولم تتطور هذه الكمية طوال السنوات اللاحقة، التي زاد فيها الطلب على الكهرباء، وزاد في الوقت نفسه العجز، الذي استفز رئيس مجلس إدارة شركة توزيع الكهرباء، المرحوم إسماعيل أبو شمالة، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، وجميع الأعضاء الذين كانوا ممثلين لمؤسساتهم عن حركة فتح، بما فيهم مدير عام شركة التوزيع في ذلك الوقت المهندس المرحوم سليمان أبو سمهدانة، ابن حركة فتح، الذي قال: إذا كانت إسرائيل تقف وراء نكبة 1948، فإن المؤسسين لمحطة التوليد، هم النكبة الثانية التي تحل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
تلك الحقائق يعرفها كل رؤساء بلديات قطاع غزة في ذلك الوقت، وجميعهم من حركة فتح، فلماذا يصمتون اليوم؟ وتلك الحقائق يعرفها أعضاء المجلس التشريعي السابقين عن حركة فتح، فلماذا تصمتون اليوم؟ وتلك الحقائق يعرفها كل من أطل من شباك الواقع على العقد المبرم بين محطة التوليد والسلطة، والذي يقضي بأن تسد محطة التوليد احتياجات قطاع غزة من الكهرباء حتى عام 2020، وذلك بتشغيل أربع مولدات بقدرة انتاجية تصل إلى 560، ميجا، ولكن الشركة لم تنتج حتى سنة 2017 أكثر من 70 ميجا على أحسن تقدير!!
فأين طاقة 500 ميجا يا شركة التوليد؟ ولماذا حرمتم منها سكان قطاع غزة؟ وأين أنتم يا أصحاب القرار في السلطة؟ بل أين التنظيمات التي تجافي الحقيقة، وتحمل كامل مسئولية نقص الكهرباء لسوء إدارة شركة توزيع الكهرباء، وتتغافل عن أصل الجريمة الموثقة في عقود؟
ولمزيد من فضح المستور في عقد الاتفاق المجحف بين شركة توليد الكهرباء وبين السلطة الفلسطينية، سأذكر شرطين موثقين في العقد المبرم بين الشركة والسلطة سنة 1998:
أولاً: يقضي الاتفاق بأن تدفع السلطة الفلسطينية مبلغ خمسين مليون شيكل شهرياً ثمن الوقود المستخدم في تشغيل المحطة.
وهنا نتساءل: ما ذنب سكان قطاع غزة ليدفعوا هذا المبلغ الذي ورطهم فيه فاسد وخبيث؟
ثانياً: تلتزم السلطة الفلسطينية بدفع مبلغ 2.5 مليون دولار شهرياً لشركة توليد الكهرباء، سواء أنتجت شركة التوليد الطاقة المطلوبة، أو توقفت كلياً عن الانتاج، وذلك كرسوم اشتراك ثابتة تدفع للقائمين على الشركة، ولا علاقة لهذا المبلغ بتكلفة الإنتاج.
ونتساءل ثانية: ما ذنب سكان غزة ليدفعوا من فقرهم هذا المبلغ لشركة ورطهم فيها فاسد وخبيث؟
في مدينة مدريد الاسبانية، وفي شهر أكتوبر من سنة 2006، وعلى مائدة عشاء في مطعم بسيط، وبدعوة من سفير فلسطين في اسبانيا السيد كفاح عودة، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، وبحضور نائبه السيد نجيب أبو نعيم، تحدث رئيس سلطة الطاقة الدكتور عمر كتانة، والذي أحيل إلى التقاعد المبكر قبل عدة أيام، وقال لثلاثتنا:
أمام الظلم الفادح، الذي حط على الفلسطينيين جراء التوقيع على العقد الموقع مع محطة توليد الكهرباء ، قرر رئيس الوزراء في ذلك الوقت السيد سلام فياض اللجوء إلى القضاء لإنهاء هذه الاتفاقية الجائرة، ولكننا فوجئنا بشرط في العقد يقول: في حالة النزاع بين السلطة الفلسطينية ومحطة توليد الكهرباء، فإن القضاء البريطاني هو المخول بفض النزاع، لم نيأس، وكلفني رئيس الوزراء بالذهاب إلى القضاء البريطاني، لرفع قضية الفكاك من العقد الجائر، سافرت إلى بريطانيا بهدف الشهادة أمام المحكمة ست مرات، وكان رئيس المحكمة البريطانية الذي سينظر قضيتنا هندي الجنسية، وكان نزيهاً، وتفهم عدالة قضيتنا بشكل جيد، وتأكد لنا أن الحكم سيصدر في الجلسة القادمة، وأننا سنتخلص من العقد الموقع مع محطة التوليد.
وكانت المفاجأة بعد شهر، حين تم إبلاغنا باستبدال القاضي الهندي قبل جلسة النطق بالحكم بقاضٍ آخر، ذلك كان أمر يثير الاستغراب، ويضع علامة استفهام! من الذي غير القاضي؟
ويضيف كتانة: عدنا من جديد إلى تقديم الوثائق، والمرافعة أمام القاضي الجديد، الذي أصدر حكماً بإلزام السلطة الفلسطينية بعدم إلغاء العقد، وبضرورة التقييد بتنفيذ شروطه.
إلى هنا، وأكتفي بشرح أسباب مصيبة الكهرباء التي حلت على سكان قطاع غزة، وأدعو الشعب الفلسطيني إلى ابتداع الحل الثوري المناسب، فأنتم أهل الصمود، وأنتم الأقدر على التخلص نهائياً من محطة توليد الكهرباء، دون إطالة الدعاء على من كان السبب، ودون بكاء.
د. فايز أبو شمالة