مائة عام من عمر المدينة

بقلم: أسامه الفرا

بين قرار المجلس البلدي المتعلق بصرف قرشين لا أكثر لموظف البلدية بدل "علف" لدابته، التي يستخدمها في تنقله على قناديل الزيت لإنارة شارع المدينة بمحاذاة قلعتها، وبين رسالة بعث بها رئيس بلديتها قبل النكبة إلى رئيس البلديات الفلسطينية يطلب فيها أن يدرج بنداً على جدول أعمال اجتماع رؤساء البلديات يتضمن فرض ضريبة على المواطنين تخصص لصالح شراء سلاح للدفاع عن فلسطين، بينهما صفحة من تاريخ مدينة خان يونس القديم، ليس من ذلك التاريخ القديم الذي يشير إلى أن المدينة القائمة حالياً اقيمت على أنقاض مدينة تغوص في القدم كانت تسمى "جينيسس"، وليس من تاريخ البدايات الذي جاء مرافقاً لقرار السلطان المملوكي "برقوق" للأمير "يونس الداويدار" بالشروع في تشييد قلعة تكون نزلاً للتجار في رحلتهم التجارية بين مصر والشام.

لم يكن يعلم الأمير يونس أنه يؤسس بالقلعة مدينة ستحمل أسمه بجانب وظيفتها، فيما ستحمل القلعة فقط اسم السلطان "قلعة برقوق"، لم يبق من القلعة سوى السور الأمامي لها شاهداً على تلك الحقبة، لا نعرف على وجه التحديد لماذا اختار الأمير يونس تلك البقعة لينفذ عليها قرار السلطان سيما وأنها منخفضة عن المناطق المحيطة بها في الوقت الذي عادة ما تشيد القلاع على القمم المرتفعة، ولا نعرف الكثير عن القلعة التي هدمت غالبية معالمها باستثناء الوصف التجريدي لها من قبل بعض المؤرخين والمستشرقين الذين حلوا ضيوفاً فيها.

تستعد بلدية خان يونس للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيسها، وإن كان أرشيف البلدية يحتفظ بشئ من تاريخ المدينة ويحمل الكثير من صور الماضي عبر قرارات المجالس البلدية المتعاقبة، إلا أن المساحة الأكبر من تاريخ المدينة ما زالت الأقلام لم تصل اليه، وقليلة هي الكتب التي تتناول البعض منه على عجالة دون الغوص في تفاصيله، لعل ما كتبه الرحالة الذي مروا بالمدينة في سفرهم وترحالهم رغم قلته هو أكثر مما نقله من عاش فيها وترعرع في ازقتها وشوارعها، نعتب دوماً على عدم الاهتمام من قبل وسائل الاعلام بالأحداث التاريخية التي مرت بالمدينة، ونشعر بمرارة تسكن حلوقنا ونحن نمر مرور الكرام على أحداث جسام كانت المدينة عنواناً لها، فما زالت مجزرة عام 1956 لا تحظى بالاهتمام المطلوب ونحن نؤرخ المأساة الفلسطينية ومن قبلها مجزرة مركز الشرطة، ولا نملك الكثير من المعلومات التي تتناول المحطات التي مرت بها المدينة منذ نشأتها عام 1387م وكيف تطورت الحياة المجتمعية فيها، لا يوجد لدينا رصد دقيق حول التطور التعليمي والصحي بالمدينة، ولا تصور واضح حول النمو العمراني والسكاني فيها باستثناء بعض المعلومات الصماء التي تفتقر للتعمق في دلالاتها، لا نعلم الكثير عن صمودها ابان حرب حزيران 1967 ولا العمل الفدائي التي كانت مركزا له.

هذا الشح في المعلومات المتعلقة بتاريخنا يجب أن يدفعنا لمعالجته بعمل جماعي تشارك فيها مؤسساتنا المختلفة تلعب الجامعات دوراً محورياً فيه، سيما وأن الألاف من العناوين المتعلقة به تصلح أن تكون مجالاً للمبحث العلمي ولرسائل الدراسات العليا، يأتي ذلك بجانب الاهتمام الذي يجب أن توليه وزارة الثقافة في تأريخ فلسطين من خلال تبني طباعة الكتب والدراسات التي تتناول شيئاً من تاريخنا المنسي، الدول والمجتمعات الحديثة النشأة تسعى جاهدة لصناعة تاريخ لها فيما تاريخنا نحن نتركه ضحية للنسيان، الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس بلدية خان يونس يمكن له أن يكون باباً لعملية تأريخ للمدينة والتي هي جزء من تاريخ الوطن.

بقلم/ د. أسامه الفرا