السياسة الأمريكية ...بين المغادر ..والقادم !

بقلم: وفيق زنداح

ساعات قليلة يودع فيها الرئيس الامريكي باراك أوباما مقعد الرئاسة الامريكية بعد فترتين رئاسيتين ليجلس بدلا منه الرئيس الجمهوري ترامب ...وما بين الديمقراطي المغادر ...والجمهوري القادم ....تقف السياسة الامريكية على ذات الأرجل ....وتنطلق بذات التوجهات والمصالح واليات صناعة القرار .
القادم للبيت الأبيض ترامب بإدارته الجديدة والتي تم تشكيلها وفق أجندته الانتخابية والحزبية وبما يحقق له برنامجه الانتخابي وما وعد به الشعب الأمريكي وما خرج على لسانه من وعود وشعارات تحتاج الي بعض من تم ترشيحهم لإدارته .
ما يحكم توجهات ادارة الرئيس القادم ترامب على صعيد العلاقات الدولية وبؤر الصراع والنزاع ....وما يجري على صعيد المشهد الدولي من منافسة حادة بميزان التجارة العالمي.... وما يجري من تسابق في امتلاك الأسلحة النووية كما العديد من بؤر التوتر والصراع والتي تحتاج الي ادارة أمريكية تكون فيها عامل تهدئة وحل ....وليس عامل ادارة للصراع كما حال القضية المركزية للشرق الأوسط قضية فلسطين.
الرئيس القادم ترامب وفي تصريحات اعلامية يعتبر غزو العراق من أسوأ القرارات ...كما ويعتبر من وجه نظره أهمية التخلص من الاسلحة النووية وعدم الدخول في سباق امتلاك مثل هذه الأسلحة ...كما مطالباته من روسيا والصين بالتهدئة والتعاون بما يعزز السلم العالمي ويحدث عدلا بسوق التجارة الدولية ...كما تحفظاته العديدة والتي أبدي فيها معارضته وتحفظاته على الاتفاقية الموقعة مع ايران .
الرئيس القادم ترامب سيتحرك بمفهوم ومنظور اقتصادي رأسمالي يحدد توجهاته بحسابات المال والعائد ....وامكانيات الاستثمار المجزي ذات المعدل الاعلي خدمة للقطاعات الاقتصادية ....التي يشكلها الاقتصاد الامريكي لأنه وفق حساباته الاقتصادية .... وانخفاض النفقات العسكرية سيجد ترامب من برنامجه على الصعيد الداخلي امكانية واقعية لتحسين أحوال الامريكيين .
الرئيس المغادر أوباما وقد قضي فترتين رئاسيتين بدأها بمخاطبة العرب والمسلمين بجامعة القاهرة في محاولة منه لاقناعهم أنه من جذور واصول قريبة منا ...وأنه بإمكانه أن يشكل جسرا لنا للوصول الي ما نريد ...خدعة أمريكية من طراز جديد وبمفردات..... حاول من خلالها استعطاف العرب والمسلمين واخراج أفضل ما لديهم من حب لأمريكا التي لم تتأخر كثيرا عن مواصلة سياستها المنحازة والمناهضة لحقوق العرب .
الرئيس أوباما والذي سيغادر البيت الأبيض لم يحقق فيها ما تم تخطيطه من تقسيم الشرق الأوسط ...واثارة الفزع والخوف بداخله والقضاء على مفهوم الدولة وانهاء الجيوش ....رغم أنه لا زال هناك من النزاعات والصراعات الا أنها قد جاءت بأقل مما تم تخطيطه ورسمه من سيناريوهات ....رغم ما تم من نجاحات بصناعة جماعات تكفيرية ارهابية لا زالت تتطل برأسها وترتكب من المجازر ما يجعل منها جماعة من القتلة المأجورين ...والمصنعين من قبل دوائر الاستخبارات الامريكية .
كافة الملفات الدولية والشرق أوسطية لم تجد طريقها الي الحل والتهدئة ....وكل ما استطاع أوباما ان يفعله وبمساعده أوروبية أن يحدث اتفاقية مع ايران في ظل توتر الاوضاع في سوريا والعراق واليمن وليبيا .
الرئيس القادم ترامب وقد أبدي موقفه المؤيد لبريطانيا بقرارها الخروج من الاتحاد الأوروبي ....كما تصريحاته التي انتقد بها المستشارة الالمانية ..كما انتقاده لحلف الاطلسي وكلها تشير الي أن الرئيس القادم للبيت الابيض لا يريد كتلة اقتصادية سياسية أوروبية ....بل يريد دولا متفرقة يتعامل معها كل على حدا .
حتي أن مؤتمر باريس للسلام وبيانه وان كان على استحياء في بنوده السياسية ومعالجاته الا أنه بصورة مباشرة وبغير مباشرة قد شكل مانعا سياسيا لتوجهات ترامب الداعية بخصوص القدس وقضية نقل السفارة الامريكية ...وفي ذات الوقت اشعار الرئيس الامريكي الجديد أن المجتمع الدولي يقف على ارضية السلام القائم على حل الدولتين المستند الي قرارات الشرعية الدولية .
ملفات الشرق الاوسط فيها الكثير مما يقلق الولايات المتحدة ومصالحها داخل المنطقة وعلى رأسها النزاع العربي الاسرائيلي وفي مقدمته القضية الفلسطينية التي لا زالت أحد أسباب تدهور الأوضاع وعدم استقرارها ..نتيجة التعنت الاسرائيلي وعدم انصياعه بتنفيذ القرارات الدولية ومطالبات المجتمع الدولي .
الرئيس الامريكي القادم لا يحمل بجعبته الكثير من اوراق القوة التي يمكن أن تفرض سياسة دولية على أوروبا وروسيا والصين.... ولا حتي على ايران.... وهذا ما يجعل من ضعف بداية ادارته ضعفا اضافيا في ظل حكومة اسرائيلية متطرفة وعنصرية لا زالت على سياستها وعنجهيتها وغطرستها ....مما يضع الادارة الامريكية الجديدة بموقف صعب وحرج بمثل هذه التصرفات والمواقف .....مما يجعل من أولويات الرئيس القادم ترامب أولويات متضاربة في ظل احتياجات داخلية أمريكية ....وأزمات دولية... لا تقل بأهميتها وخطورتها عن العلاقة الاستراتيجية بين أمريكا ودولة الكيان .
عنصرية حكومة نتنياهو بعدم قدرتها على اتخاذ خطوات شجاعة في ظل تركيبتها اليمينية المتطرفة سينعكس بالسلب على قدرة الادارة الامريكية الجديدة ...كما انعكس على ادارة أوباما والتي ستنتهي بعد ساعات من كتابة هذا المقال .
الملفات جميعها وقد أخذت شوطا طويلا من التوغلات الامريكية التي لم تحسن صنعا ...ولم تستطع ايجاد حلولا لهذه الملفات .
آيا كانت الادارة الامريكية الجديدة فإنها ستكون أمام ذات المواقف المتخذة من قبل ادارة أوباما ....ولن يستطيع ترامب بما يمتلك من وعود وتعهدات انتخابية من أن يتخذ خطوة واحدة على طريق الغاء الاتفاق مع ايران.... أو حتي على طريق نقل السفارة الامريكية للقدس ...ولا حتي محاولة تغيير معادلة الصراع ومفهوم التسوية والأساس التي تستند اليه والقائم على الشرعية الدولية والاتفاقيات الموقعة .
كما لن يستطيع ترامب أن يغير من معادلة العلاقات مع العالم الاسلامي والعربي ...ولا حتي مع المسلمين داخل الولايات المتحدة.
ما هو ثابت في معادلة السياسة الامريكية ....كما هو ثابت بكافة التفاهمات والاتفاقيات والذي يشكل أمرا واقعا وقائما ولم تستطيع ادارة ترامب أن تحدث التغيير.... الا بما يخص بعض قضايا المجتمع الامريكي الداخلية وفق ما تسمح به المؤسسات الامريكية من تعديلات وقرارات .
السياسة الامريكية وقد خبرناها منذ عقود طويلة والتي لا زالت تقوم على الانحياز والعداء وتقديم مصالحها بما يوفر لها تحقيق أولوياتها الاقتصادية والامنية ....لذا لا نتوقع الكثير من التغيرات بالمواقف الامريكية في ظل حسابات قديمة وحديثة للحزب الجمهوري والديمقراطي .
لأن مثل هذه الدولة لا يقوم رئيس ادارتها بصناعة سياستها وتحديد استراتيجياتها.... بل يكون من يترأس ادارتها أحد المنفذين لما يتم صناعته في أروقة صناعة السياسة الأمريكية .
الكاتب : وفيق زنداح