اجتمعت الفصائل الفلسطينية في موسكو في جلسة حوار وطني جديدة، وخرجت ببيان مقتضب أبرز ما جاء فيه نيّتها التوجه للرئيس عبَاس ودعوته لتشكيل حكومة وحدة وطنية، كالعادة خرج ممثلوا الفصائل القديمة والحديثة، الصغيرة والكبيرة، المقررون وشهّاد الزور، واعلنوا للشعب الفلسطيني أن الفصائل متفقة، الأمر بيد الرئيس عبّاس ليقرر، وكأن المسألة هي مسألة وقت، وأن الفلسطينيين أمام عهد جديد من الوحدة الوطنية ورص الصفوف حتّى لا يدخل الشيطان من بين أقدام المتفقين.
في عالم الإقتصاد، عندما تفلس الشركات أو يتعرض أحد منتجاتها لفضحية ما أو خسارة فادحة لا يمكن تعويضها تلجأ الشركات إلى عدة خيارات، منها الإندماج مع شركات أخرى أو اطلاق تسمية جديدة على المنتج الذي تعرّض للخسارة، وفي بعض الأحيان تغيّر طريقة العرض والألوان وتقوم بحملة دعائية ضخمة للمنتج القديم بعد التعديل وكأنه منتج جديد، لتغيير اتجاهات الناس ونظرتهم لهذا المنتج، حدث كثيراً في سوق المال والأعمال، وفي السياسية ايضاً، فقد قامت أحزاب بتغيير إسمها وقياداتها وحتى أيدلوجياتها لكي تحافظ على استمراريتها، والأمر لحظتها متروك لرأي المستهلك، الجمهور يقرر حسب تجربته ومستوى وعيه.
ما جرى في موسكو يشبه إلى حد كبير ما يحدث في عالم المال والأعمال، الأحزاب الفلسطينية هي الشركات، وبرامجها هي البضاعة، ووسائل الإعلام أحد أدوات دعايتها، والشعب هو المستهلك، والأسماء الجديدة هي غلافها الجديد لبضاعتها الكاسدة، لا تغيير يذكر على الموقف وشكل إدارة الأزمة.
اجتماع موسكو جاء بعد اجتماع ما يسمى ب "اللجنة التحضيرية لإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية" سبقته سلسلة إجتماعات عقدت في عدة عواصم عالمية تحت عنوان " الحوار الوطني والمصالحة" أطلق عليها تندراً اسم" سياحة المصالحة" تم تغيير الأماكن والأزمة والأسماء، ولو دققنا في البيانات الصادرة عن كل هذه الإجتماعات لوجدناها بنفس المضمون، وبعض فقراتها متشابهة إلى حد كبير، عشر سنوات من التكرار والجمود والثبات، والأزمة تتفاقم لدرجة دفعت الجماهير للخروج تحت عناوين مختلفة، في غزة كان العنوان العتمة وأزمة الكهرباء، وفي الضفة تطاير الشرر وقد يتحوّل إلى لهيب.
الفصائل أدركت خطورة حركة الشعب، وتريد كسب المزيد من الوقت لضمان وجودها، لهذا كان اجتماع موسكو، وحلقات جديدة من مسلسل الإجتماعات التي لن تنته، لتغافلها عن جوهر الأزمة الحقيقي وعجزها عن معالجته، فالأمر ليس بيدها، وان شئنا الدقة أكثر، فهي قد تجاوزت مرحلة القدرة على التغيير والتقرير، هاتان المسألتان في أيدي المانحين وإسرائيل، والأحزاب ضعيفة وقياداتها تعاني أزمة المشروعية أمام قواعدها وأنصارها والشعب الفلسطيني.
في كل الإجتماعات التي جرى تنظيمها، لم يبحث أحد في مصير السلطة واتفاق أوسلو، وما تبقى من فكرة حلّ الدولتين، لم يعد أحد يجرؤ على طرح فكرة تسليم مفاتيح السلطة للإحتلال الإسرائيلي أو يأتي على ذكر قرارات المجلس المركزي الفلسطيني في آذار 2015، ومع هذا القفز عن حقيقة الأزمة يتم التغافل في الحديث عن أدوات المواجهة مع إسرائيل، هل هي دبلوماسية كما جرى في الأمم المتحدة، أم أوسع من ذلك لتتعدى فكرة "المقاومة الذكية" و "مقاومة الشورتات"، وهل قيادات الأحزاب السياسية جاهزون لدفع ثمن موقف التخلص من قيود ووظائف اتفاق أوسلو والمواجهة والإستحقاق المترتب على فعل ذلك؟
أجزم بأن جميع الفصائل تعاني نفس الأزمة، من يسارها إلى يمنها، مفاوضيها ومطلقى صواريخها، تجّارها ومناضليها، أزمة عاصفة لن ينفع معها تشكيل حكومة وحدة وطنية ولا غيرها من أسماء، فالجميع يعلم أن المكلّفين بإدارة فرعي السلطة الفلسطينية هما حماس وعبّاس، أي كانت الأسماء التي تطلق على هذه الإدارة وطريقة الإدارة وعلاقتها مع الشعب، التغيير البسيط الذي سيجرى ان حصل، هو إضافة بعض المأزومين وتوسيع الإدارة.
في موسكو لم تتحقق الطفرة المطلوبة، يبدو أنها لن تتحقق في زمن حكم الفصائل التي تواصل الهرب من استحقاقات الحكم ومواجهة الحقيقة، ستزداد حالة فقدان الثقة مع الأحزاب، لدرجة لن يكون فيها عنوان التحرك القادم لجماهير الشعب الفلسطيني هو الكهرباء، مجرم من يستهين بذكاء الشعب، أو يعتقد انه أنهك بفعل الضغوط الاقتصادية والظروف المأساوية التي تمّت صناعتها بوعي وتخطيط، فالثورة تأتي فجأة وبطريقة مختلفة عن ما كنّا نتوقع كما قال "هيرمان جورتر"، وهي صراع حتى الموت بين الماضي والمستقبل كما قال "فيديل كاسترو"، على المتحاورين أن يعلموا أنهم الماضي، وأن المستقبل سيشق الطريق إليه جيل فهم الحقيقة، وأن التغيير مسألة وقت، ظروفه نضجت بشكل يجعله قريب جداً، ولن تجد نفعاً معه كل الأسماء الجديدة للحكومات ولا كل الأضاليل التي تبث بلسان مندوبي الدعاية والإعلانات.
بقلم/ محمد أبو مهادي