الاحتلال يهجر المقدسيين بسوء الخدمات

بقلم: حنا عيسى

 يعاني قطاع الخدمات كغيره من القطاعات في القدس المحتلة من سياسة الاهمال والتدمير، ومنذ احتلال اسرائيل القدس الشرقية عام ١٩٦٧ وحتى اليوم، فان بلدية الاحتلال بالقدس كانت ولا زالت مسؤولة عن رعاية مصالح المقدسيين، وتقديم الخدمات لهم، الا ان الاحتلال الاسرائيلي وكعادته يسعى الى تدمير كل ما هو عربي في المدينة المقدسة، وطمس المعالم العربية، لا العمل على تطريرها وتقديم الخدمات للاحياء العربية وسكانها، وبالتالي هجرة العرب المقدسيين وترك القدس المحتلة.

ويعيش معظم سكان القدس، الذين يشكّلون حوالي سدس سكان الضفة الغربية، في ظروفٍ استثنائية صعبة نتيجة السياسات والقوانين "الإسرائيلية" التي تُعرقِل مختلف جوانب حياتهم. إذ يضطر المقدسي أنْ يكافح للحصول على كلّ حقٍ من حقوق المواطنة التي يمنحها القانون أصلاً، فقد اضطر حوالي ثلث سكان القدس إلى تغيير مكان إقامتهم نتيجة بناء جدار الضم والتوسع وتبعاته، كما تعرّضت حوالي خمس الأسر المقدسية إلى مصادرة الأراضي.

والمتتبع لشطري القدس الشرقي والغربي، يلاحظ الهوة الواسعة بين ما تقدمه البلدية من خدمات للسكان اليهود في القدس الغربية، وما تدعي تقديمه للمقدسيين في شرقي المدينة، فالشوارع في القدس الغربية معبدة ونظيفة والخدمات العامة منتظمة، يقابلها اهمال للشوارع ومياه الصرف الصحي وخدمات الماء والكهرباء، ليشعر المتجول في القدس بتباين كبير وفرق شاسع.

وعلى مدار السنوات، عملت الحكومة الإسرائيلية والبلدية القليل جدا لتقليل الفجوة في مستوى الخدمات بين القدس الشرقية والغربية على الرغم ما ينص عليه القانون الإسرائيلي والسياسات الحكومية. فالخدمات التي توفرها البلدية في القدس الشرقية متدنية جدا مقارنة مع القدس الغربية خاصة تلك المتعلقة بإزالة القمامة من الشوارع والطرق والأرصفة وإنارة الشوارع ومياه المجاري وغيرها. 743 مقيم لكل كيلو متر من أنابيب المجاري في القدس الغربية مقابل 2,809 في القدس

والمثير للسخط ان القانون الاسرائيلي تم تطبيقه على القدس الشرقية وعلى مواطنيها رغم أُنوفهم، وتقوم البلدية بموجب هذا القانون بجمع ضريبة المسقفات – الأرنونا – التي من المفترض ان تعود الى المواطنين على شكل خدمات تقدمها البلدية، ومن يتخلف عن دفع هذه الضريبة، فإن البلدية تقوم باضافة فوائد ربوية عليه الى ان يتراكم المبلغ، لتأخذ بعد ذلك قرارات في المحاكم لإلزامه بالدفع، أو بمصادرة الأجهزة الكهربائية من بيته أو بسجنه، فالبلدية تجمع من المقدسيين الفلسطينيين 35% من مجمل الضرائب، لكنها تصرف على القدس الشرقية 7% فقط، فحدود القدس الشرقية نستطيع تمييزها عن حدود القدس الغربية من خلال الأبنية والشوارع والحدائق وغيرها التي تتوفر في القدس الغربية ولا تتوفر في القدس الشرقية، ومع ان المدارس الرسمية التي تشرف عليها البلدية والمعارف الاسرائيلية في القدس الشرقية لا تستوعب اكثر من نصف طلبة المرحلة الالزامية، الا ان هذه المدارس تعاني من نقص شديد في الغرف الدراسية يزيد عن الف وثمانمائة صف دراسي.

ان التباين في مؤشّرات الرفاه الاجتماعي والاقتصادي بين الوسط الفلسطيني والوسط اليهودي في القدس المحتلة كبير جداً، ويطال كافة جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، حيث يفتقر الفلسطينيون نهائياً للمرافق الرياضية، بينما يتوفر لـ"الإسرائيليين" العديد من المراكز والنوادي، أمّا بخصوص المباني غير المرتبطة بشبكة مجار للفلسطينيين، ويتّضح من واقع بعض المؤشّرات الاجتماعية والاقتصادية والصحية حجم التحديات التي يتعرّض لها الفلسطينيون في القدس، حيث تمنع السلطة الفلسطينية من تقديم الخدمات لهم من جهة، بينما لا  تقدم لهم الخدمات بالتساوي والعدالة من الجانب "الإسرائيلي" وذلك بهدف الضغط المتواصل عليهم لإجبارهم على مغادرة المدينة للهروب من التمييز والاضطهاد والمنع من البناء أو  التكاليف العالية للحصول على تراخيص البناء. وورد في دراسة خاصة أعدها مئير مارغليت عضو (بلدية القدس) السابق أنّ تكاليف رخصة البناء لشقة من 200م2 492.109 شيكل. وهذا المبلغ لا يشمل رسوم خدمات الربط بشبكة الصرف الصحي ورسوم المحاماة، وكلاهما ضروريّتان لاستصدار الرخصة والمتابعة من أجل الحصول عليها. وهذا الواقع يعني في كثير من الأحيان أن تكاليف الرخصة تفوق تكلفة البناء ذاته.

جبل المكبر مثالاً:

والسواحرة الغربية "جبل المكبر" نموذج للإهمال البلدي في تقديم الخدمات، حيث تمر مجاري القدس القديمة وبعض الأحياء المحيطة فيها كوادي الجوز، وسلوان والثوري، وراس العامود والشياح، والصوانة، وبعض احياء القدس الغربية، وبعض المستوطنات مثل "أرمون هانتسيف" من السواحرة الغربية، بينما أحياء واسعة من هذه البلدة بدون مجاري مثل حيّ الشقيرات، وحيّ مسجد الزاوية، في حين أن الأحياء القريبة من سيل المجاري، قام مواطنوها بتمديد المجاري على حسابهم الخاص، بينما اقتصر دور البلدية على اضافة رسوم مجاري في فواتير المياه التي تصلهم، ناهيك عن ان شوارع جبل المكبر ملأى بالحفر، وبحاجة الى أرصفة، وضيقة جدا، في حين أن شوارع مستوطنة– قصر المندوب – أرمون هانتيسف المقامة على الأراضي المصادرة على قمة جبل المكبر عريضة، تصلح لمرور سيارتين في كل اتجاه، ولها أرصفة، ومزروع على أرصفتها وجزرها ورود وأشجار. ولا يوجد في جبل المكبر أيّ حديقة عامة، أو أيّ مكان للتنزه أو ملاعب للأطفال، في حين يوجد في المستوطنة أكثر من حديقة عامة. وبينما يجوب عمال النظافة التابعون للبلدية المستوطنة لجمع أيّ ورقة أو عقب سيجارة في المستوطنة، وتقوم سيارات البلدية بغسل الشوارع فيها، فإن جمع القمامة بالسيارات يتم في جبل المكبر مرة كل يومين، ولا يوجد أيّ نظافة في الشوارع، وحتى الشارع الموصل للمدارس، توجد فيه عند ملتقى الشارع الموصل الى حيّ مسجد الزاوية منخفض تتجمع مياه الأمطار فيه، بحيث لا يمكن المرور فيه للمشاة أو للسيارات المنخفضة.

ولا بد من التنويه في هذا الصدد بأن ما تجنيه إسرائيل من أبناء القدس العرب من ضرائب مختلفة وغرامات يفوق كثيرا ً جدا ً ما تقدمه لهم، وبالتالي فلا أساس للادعاء بأنها تقدم لهم التأمين الصحي أو إعانات التأمين الوطني مجانا ً فهذا هو جزء يسيرٌ جدا ً مما تقوم بتحصيله منهم.

بقلم/ حنا عيسى