اليوم عندما نكتب عن قامات قومية فلسطينية عربية أتأمل تلك الايام التي مضت ، وعندما كنا نقف امام موقف او خطاب للثائر والقائد الفلسطيني القومي الكبير حكيم الثورة " جورج حبش " كانت الجماهير تنتصر لهذا الموقف .
وفي هذه الظروف التي تأتي مع الذكرى السنوية التاسعة لغياب الحكيم ، نقف امام تجربة مميزة ، فجورج حبش كان يدرك بوعيه وانتمائه وصدقه معنى أن يكون قائدا فلسطينيا عروبيا، كما كان يدرك أن من يتقدم ليرفع راية فلسطين وشعبها عليه أن يعرف مسبقا أنه مطالب بأن يتجاوز العادي تماما، عليه أن يصعد المنحدرات الصعبة، وأن يواجه التحديات القاسية التي تطرحها القضية الفلسطينية، عليه أن يملك الوعي والإرادة والعناد لكي يتجاوز المصائد والالتباسات والإغراءات، فهو كان يدرك ويعي جيدا خياره بأن يكون ثائرا فلسطينيا عربيا وأمميا، كما كان يعلم أنه يقف أمام حقل شاسع من الألم والدماء والقهر والتضحيات والطموحات والأهداف النبيلة.
فالحكيم بحضوره وتاريخه وتجربته ووعيه وسماته و اهتمامه بالتفاصيل كما اهتمامه بالقضايا الكبرى، وكان يعي استعداده الدائم للعطاء والعمل بلا حدود، فالنضال بالنسبة له ليس نزهة أو امتيازات أو مظاهر، بل إنه كان يكره وبطبعه المظاهر،وكان يستفزه جدا أن يهتف الناس والرفاق باسمه وليس باسم فلسطين، فيغضب ويرفض.
من هنا نقول ان جورج حبش ورفاقه القادة العظام الرئيس ياسر عرفات وابو العباس وابو علي مصطفى وطلعت يعقوب وعمر القاسم وسمير غوشة وسليمان النجاب وعبد الرحيم احمد وابو احمد حلب وابو ماهر اليماني وغسان كنفاني وسعيد اليوسف والشيخ احمد ياسين وفتحي الشقاقي كانوا من القادة النادرين حيث نذروا حياتهم لقضية كبرى هي قضية شعب وأمة بكاملها.
ولهذا اتذكر ما قاله الحكيم في رسالة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عقب انتصار تموز ، حيث قال لقد أعطى صمود حزب الله والشعب اللبناني، دعماً قوياً ونهضة ثورية جديدة للأمة العربية بأسرها.. مُظهراً الحقيقة العارية لجيش الاحتلال الصهيوني، ذلك الجيش المعتدي المهزوم من داخله يحاول أن يبحث عن إنجاز وهمي ولو بحدود صغيرة. فيفشل أمام صمود المقاومة التي حققت نصراً استراتيجياً من واجب اللبنانيين والأمة العربية التمسك به والحفاظ عليه، وقد فتح حزب الله بانتصاره نافذة أمل ونور في لحظة ليل حالك، فأعاد ضخّ الدماء إلى العروق، كما رفع رأس الأمة العربية والإسلامية عالياً. وستبقى هذه التجربة القاسية والمؤلمة التي خاضها حزب الله مصدر فخر واعتزاز لنا وللأجيال من بعدنا، بعد ان سجلت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية صفحات من المجد، والتضحيات، وابقت قضية فلسطين القضية المركزية للأمة العربية وهي تتطلع لنضال جميع الشعوب المضطهدة والمظلومة في العالم في مقاومة قوى الشر والطغيان في العالم، وعلى رأسها الإمبريالية العالمية وفي مقدمتها الإمبريالية الأمريكية.
بهذا المعنى كانت الأخلاق والصدق عند الحكيم يعادلان الثورة، والأخلاق وهنا تتجاوز المعنى الضيق لتصبح مبدءا سياسيا وسلوكيا، فالحكيم بقدر ما يرى الواقع ويتابع التناقضات الداخلية، كان يقرأ مفهوم الناس والخيارات من جانب سياسي وأخلاقي ونضالي، ولعل هذه السمات قد امتدت لتترك آثارها على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، التي أخذت في سلوكها بعضا من سمات الحكيم الشخصية.
امام كل ذلك نقول اليوم ان الشعب الفلسطيني ما زال في حالة صراع مفتوح، ونضال مستمر، وصيرورة تاريخية في مواجهة المعتدي وكل المؤتمرات واللاءات والوثائق التي تنتقص من الحق الفلسطيني لن يكتب لها النجاح بفعل تمسك الشعب الفلسطيني بكافة حقوقه وثوابته.
ويجب أن يدرك الجميع أن القضية الفلسطينية لا تنحصر في عناوين في إدارة الصراع ، لهذا يجب ان يتشابك النضال الوطني القومي مع النضال الاجتماعي الديمقراطي، وهذا يعني وعي الديمقراطية كأداة للنهوض وقيم للسلوك والفكر والممارسة لتحرير المجتمع،وحريته القادرة على تحديد الأهداف والطموحات والنضال من أجل تحقيقها.
وفي ظل هذه الظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية نعود لنؤكد على اهمية اخذ التجارب الثورية لحركات التحرر ،لأن هذه التجارب هي أكثر فائدة وجدوى للنضال الوطني الفلسطيني ، حيث تتقاطع من حيث الواقع والأهداف مع واقع حال الشعب الفلسطيني والتحديات التي تواجهه.
وامام الاوضاع الخطيرة التي يمر بها الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال ، نرى انه اصبح من الضرورة العمل على تصعيد الانتفاضة والمقاومة بكافة اشكالها في مواجهة المشروع الصهيوني الاقتلاعي والتدميري .
لهذا نقول كان جورج حبش محل إجماع كل الفلسطينيين بلا استثناء والمدافع العنيد عن الثوابت الفلسطينية وصمام الأمان للوحدة الوطنية لقد كانت رسالته ان اختلفوا وتباينوا في المواقف والآراء ولكن لاتنقسموا.. متمسكا بالقرار الوطني وبمنظمة التحريرالفلسطينية قائدا وممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني.
من موقعنا نرى اهمية العمل وفاء للحكيم ولكل الشهداء ان نرفع الصوت عاليا لانهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية باعتبارها السد المنيع في وجه المشاريع الامبريالية الهادفة الى تصفية القضية الفلسطينية.
ختاما : نؤكد في ذكرى الحكيم جورج حبش على ضرورة حماية المشروع الوطني الفلسطيني ، فالشعب الفلسطيني هو صاحب الرهان ووقود الثورة وهو قوة الانتصار الحاسم من اجل تحرير الارض والانسان .
بقلم/ عباس الجمعة