إن أي جريمة يبلغ عنها، لا بد من التحقق من كافة الأدلة والشواهد التي تدل على وقوعها، قبل الحكم على طبيعتها والحكم الصادر بحق من ارتكبها، فالمتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، فهذه قاعدة دستورية بحق كل شخص، كما أن كل جريمة لها أركان يجب أن يتحقق تواجدها في كل جريمة، فهناك الركن الشرعي وهو أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، والركن المادي بحدوث الفعل والسبب والنتيجة، والركن المعنوي بتحقق القصد الجنائي من الفاعل .
فالركن المعنوي قائم على تحقق القصد الجرمي أو عدم تحققه فيرتبط بشكل كبير في الجريمة وعقوبتها التي يتوجب الحكم بها على المجرم، فإن كان قاصدا ومترصدا فهناك حكم مشدد وكذلك القصد العمد، أما إن كان عن غير قصد فتكون العقوبة بدون شك أخف مما سبق، ولكن لا يعني أن ذلك ممكن أ يؤدي لإعذار الجاني عن فعلته .
فأهم أنواع الجرائم الواقعة على الأفراد جريمة القتل، فإما تقع بقصد وترصد أو بقصد متعمد أو بغير قصد، وهنا سنتاول ما ورد في القانون عن جريمة القتل بغير قصد بما وصفها وعرفها، والعقوبة التي حققها .
فقد بين قانون العقوبات البريطاني لعام 36 المعمول به في قطاع غزة ، في المادة 212
تعريف القتل من غير قصد أنه كل من تسبب في موت شخص آخر، بفعل أو ترك غير مشروع يعتبر أنه ارتكب جناية وتعرف هذه الجناية بالقتل عن غير قصد.
ملاحظ أن نص المادة بين أن التسبب بموت شخص أخر ولم يقل قتل، وذلك لارتباطها بعدم القصدية في الفعل هنا، ولكن وقوع السبب الذي أدى للموت وهو من أهم ما يقوم عليه تحقق الركن المادي للجريمة، حيث يكون هذا السبب إما بتعمد الإتيان بفعل أو ترك للفعل الواجب أن يقام به الشخص الذي أوقع سبب الموت، وقد عرفت المادة 217 الترك غير المشروع أنه الترك الذي يبلغ درجة الإهمال الجرمي في القيام بواجب سواء أكان ذلك الترك مقروناً بنية إيقاع الموت أو الضرر الجسماني أم لم يكن" نلاحظ أن الترك غير مشروع هو المتعلق بالإهمال بالقيام بواجب الذي أدى لإيقاع الموت او الضرر الجسماني، حيث كان من المتوجب على الشخص إما أن يقوم بالفعل حتى يمنع الإهمال وحدوث الضرر للشخص، أو الإمتناع عن الفعل الذي في امتناعه عنه حماية لحياة الشخص، أو عدم تعرضه للضرر الجسماني، كما أن هذا الإهمال نسب للشخص الواجب عليه الفعل بالترك أو العمل، أي سواء تعمد إيقاع النتيجة أم لم يتعمد، فهو في النهاية قد أخل بواجبه الذي كان من المفورض أن يمنع الضرر عن الشخص بأنواعه .
أما بالنسبة للعقوبة التي تقررت لمن أدين بتهمة جناية القتل بغير قصد، فقد بينتها نص المادة المادة 213 بأن كل من أدين بارتكاب جناية القتل عن غير قصد، يعاقب بالحبس المؤبد "
من الملاحظ أن كون التسبب بالموت أو الضرر الجسماني للشخص في حالة القتل غير قصد، رغم أنه لم يكون نية حقيقية بتعمد وقوع النتيجة، إلا أن القانون وضع عقوبة مشددة نوعاً ما على القتل بغير قصد، وذلك لتعلقها بالإخلال بالواجب المفروض العمل عليه لعدم وقوع هذه النتيجة فأدت إلى الموت أو الضرر، وفي هذه الحالة وقع الإهمال الذي يوجب عقوبة المؤبد، والتي في الغالب لا تقل عن ( 20 ) عاماً، كما يتبعها بالمسئولية المدنية التي توجب من تسبب بالضرر أن يقوم بالتعويض عن الضرر .
أما بالنسبة لمن تسبب بموت شخص بغير قصد، ولم يصل حد الإهمال الجرمي، فقد بين القانون أنه لا يصل لحد الجناية التي توجب العقوبة المشددة بالمؤبد، بل اعتبرها جنحة يعاقب عليها القانون بالحبس سنتين أو غرامه قدرها مائة جنيه، وهذا ما جاء في نص المادة 218 أن كل من تسبب في موت شخص آخر بغير قصد من جراء عمله بعدم احتراز أو حيطة أو اكتراث عملاً لا يبلغ درجة الإهمال الجرمي، يعتبر أنه ارتكب جنحة ويعاقب بالحبس مدة سنتين أو بغرامة قدرها مائة جنيه"
أما قانون العقوبات الأردني لسنة 60 المعمول به في الضفة الغربية فقد وضح أن من تسبب في موت شخص نتيجة الإهمال وقلة الإحتراز وعدم مراعاة للقوانين والأنظمة فإن عقوبته تكون بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وذلك ما نصت عليه المادة 343 أن من سبب موت أحد عن إهمال أو قلة إحتراز أو عن عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات "
يلاحظ أن القانون الأردني إعتبرها من الجنح وليس الجنايات التي توقع عقوبة أعلى من ذلك في حال لو تقررت جناية، كما أن هناك تفاوت بين القانون المطبق في قطاع غزة والقانون المطبق في الضفة لنفس الجريمة، حيث اعتبرت في القانون المطبق في قطاع غزة جناية توجب عقوبة المؤبد بسبب الإهمال الجرمي بعدم القيام بالواجب، أما في الضفة الغربية إعتبرت جنحة تحدث نتيجة إهمال وقلة إحتراز وعدم مراعاة القوانين والأنظمة التي توقع عقوبة من ستة أشهر لثلاث سنوات .
أما بالنسببة لوقوع الضرر من الإيذاء عن غير قصد فإن المادة ( 344 ) بينت أنه إذا لم ينجم عن خطأ المشتكي عليه إلا إيذاء حسب مادة (333 ) عوقب بالحبس من شهر لسنة أو الغرامة من ثلاثين دينار لمائة دينار، أما إذا نجم عن خطأ المشتكي عليه إلا إيذاء كما نصت عليه المادة ( 335 ) عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر لسنتين أو غرامة من خمسين ديناراً لمائتي دينار، أما كل إيذاء أخر عن غير قصد يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو غرامة لا تتجاوز خمسين دينار ، وتعلق الملاحقة لشكوى المجني عليه إذا لم ينجم عن الإيذاء مرض أو تعطل عن العمل لمدة تتجاوز عشرة أيام، وتسقط دعوى الحق العام والعقوبات المحكوم بها في جنح الإيذاء غير مقصور بتنازل الشاكي عن شكواه حتى لو اكتسب الحكم الدرجة القطعية
يلاحظ أن الإيذاء غير مقصود في القانون الأردني المطبق في الضفة الغربية، ربط العقوبات بتحقق حدوث المرض أو التعطل عن العمل حتى تتحقق العقوبة اللازم وذلك حسب درجة المرض أو عدد الأيام التي تعطل المجني عليه عن عمله، وقد وضعت العقوبات فيها بين الحبس أو الغرامة، حيث أقل فترة حبس في الإيذاء غير مقصود شهر، و أقل الغرامة ثلاثين دينار، أما أي ايذاء عن غير قصد أخر لم يحدد في القانون درجته فإنه يعاقب عليها بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو غرامة لا تتجاوز حمسين دينار، كما أن إذا الإيذاء لم يلحق المرض والتعطل عن العمل لمدة عشرة أيام تعلق دعوى المشتكي، كما أن دعوى الحق العام تسقط إذا تنازل الشاكي عن شكواه حتى لو صدر الحكم القطعي في القضية .
يلاحظ إن الضرر هنا الواجب للتعويض لم يوضع له عقوبة مشددة كما في قانون العقوبات البريطاني المطبق بقطاع غزة، حيث يصل لحد المؤبد إذا وقع ضرر جسماني بالإهمال الجرمي، أما هنا فإن العقوبة عن الضرر لا تتجاوز في أكثرها الحبس ستة شهور رغم وقوع ضرر مرض أو تعطل عن العمل، أو غرامة قد تصل في أكثرها مائتي دينار، وذلك إذا ارتبطت بوقوع الضرر على المشتكي كما ذكر بالمرض أو التعطل، كما أن الحق العام يسقط في هذاه القضايا في حال تنازل المشتكي رغم صدور الحكم القطعي بها، وهذا لا يكون في الجنايات، أو يحق التعليق للدعوى إذا لم يقع ضرر بمرض أو تعطل .
إن نصوص قانون العقوبات الأردني تساهل في الفعل الجرمي غير مقصود، والذي من المتوقع أن يصل لحد التسبب بموت شخص، ولم يضع عقوبات تناسب خسارة الشخص والضرر الذي وقع عليه، كما في قانون البريطاني الذي تشدد في العقوبات سواء بوقوع الموت أو الضرر الجسماني، وهذا يعتبر من الفجوات القانونية المعمول بها في فلسطين، والإزدواج القانوني، حيث من الواجب العمل على تحديد الجرائم والعقوبات بصورة موحدة للعمل بها في المحاكم، حتى لا تصدر في قطاع غزة بأحكام عالية، وفي الضفة الغربية بأحكام مخففه رغم وقوع نفس الجريمة وأسبابها .
لذا من الواجب المسارعة في إقرار قانون عقوبات فلسطيني يتناسب مع طبيعة المجتمع الفلسطيني، والجرائم المستحدثة أيضأ، وأن يكون تحديد للعقوبات بما يحقق العدالة و ينصف أصحاب الحقوق دون إجحاف في الحكم، أو الإستهانة بالعقوبة مما لا يردع الجاني .
بقلم/ آمال أبو خديجة