هم يتعاملون مع السياسة ويفهمونها على أساس انها جبر وليس حساب،ونحن بالكاد نفهم انها حساب،ولديهم القدرة العالية والخبرة والذكاء والدهاء على تفريغ قضايانا الجوهرية من مضمونها،وعدم تسليط الضوء عليها وتبهيتها الى ادنى مستوى ممكن،ويترافق ذلك مع شن حملة شرسة على القضية التي نرى بأنها جوهرية ،والتي من شأنها تعريض مشروعهم الإستيطاني للخطر،أو فضح وتعرية مخططاتهم واهدافهم في الرفض المطلق لكافة قوانين الشرعية الدولية وما يتصل بها من اتفاقيات وقرارات ذات صلة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ويعملون على تشتيت جهدنا وارباكنا من خلال لعبة متاهات معنا يجيدون لعبها،ونحن نقع في شرانقها ولا نستطيع الخروج،وعندما نتلمس طريقنا للخروج منها يكونون قد استكملوا كل خططهم ومخططاتهم التي من اجلها ادخلونا في هذه الشرنقة،ففي الوقت الذي أصبحت فيه قضية منع الأذان في العديد من المساجد في مدينة القدس،قضيتنا المركزية التي ننشغل فيها فلسطينيين وعرب ومسلمين،كانوا هم يخططون لتهويد الأقصى،وتقسيمه زمانيا عبر فرض ساعة إقتحام صباحية زيادة للمدة الزمنية في الإقتحامات الصباحية،وكذلك تجري عملية ربط لساحة البراق " حائط المبكى" بخط السكة الحديدية القادم من تل ابيب،بحيث يجري حفر انفاق تحت البلدة القديمة او سور القدس بعمق خمسين متراً ولمسافة 2 كم،توصل سكة الحديد لحائط البراق،والآن تناسينا قضية منع رفع الأذان،ونهلث خلف ما يرسمونه ويخططونه لنا،دون ان نحقق أية نجاحات في أي من قضايانا،لكوننا نتعامل بردات فعل وعلى الهمة،دون وحدة سياسية أو استراتيجية وطنية شمولية للمواجهة،وخطط وبرامج جدية وحقيقية.
بعد قرار مجلس الأمن الدولي 2334 بإعتبار الإستيطان غير شرعي ومطالبة المحتل بالتوقف عنه في القدس والضفة الغربية باعتبارها اراضي محتلة وفق القانون والقرارات الدولية ذات الصلة، وحتى لا يجري تسليط الضوء على هذا القرار وجعل الإستيطان قضية مركزية،فإستمراره من شأنه تقويض حل الدولتين بشكل نهائي،كان هناك اتفاق بين الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية على مشاغلة العرب والفلسطينيين في قضية نقل السفارة أو عدم نقلها أو ارجاء نقلها،على ان تطلق يد اسرائيل في "التغول" و"التوحش" الإستيطاني في القدس،ويلتزم نتنياهو تكتيكيا بعدم اثارة قضية نقل السفارة والإلحاح عليها،حتى ان صحيفة "هارتس" الإسرائيلية تحدثت اليوم عن ان اسرائيل غير متعجلة نقل السفارة الأمريكية،حيث أن الإدارة الأمريكية اعطت الضوء الأخضر لنتنياهو للقيام ب" تسونامي" استيطاني في القدس والضفة الغربية،فإقرار بناء الالآف الوحدات الإستيطانية في القدس والضفة الغربية،والحديث عن ضم مستوطنة "معاليه ادوميم" للقدس،والشروع في ضم مناطق (سي) والتي تشكل (60)% من مساحة الضفة الغربية،قابلته الإدارة الأمريكية الجديدة بالصمت دون أي إدانة او استنكار كالإدارات الأمريكية السابقة،وهذا يعني بشكل واضح التقويض العملي والتفريغ للقرار الأممي 2334 من محتواه الخاص بإعتبار الإستيطان غير شرعي في القدس والضفة الغربية،وفي المقابل نحن نلهث خلف القرار الخاص بنقل السفارة الأمريكية من تل ابيب الى القدس،وعندما تعمل الإدارة الأمريكية على إرجاء نقلها أو القيام بعملية نقل متدرج لها،نحن نستمر في الصراخ والعويل والندب والبكاء،والقول بأن ذلك يشكل إنتهاءً للعملية التفاوضية ومراجعة الإتفاقيات مع دولة الإحتلال،بما فيها سحب الإعتراف المتبادل بين المنظمة واسرائيل،وبأن أبواب جهنم سوف تفتح، وبسذاجتنا وعاطفيتنا وقراءتنا للسياسة على أنها حساب وليس جبر،نرى بأن إرجاء نقل أمريكا لسفارتها،هو نصر ما بعده نصر للدبلوماسية الفلسطينية والعربية والإسلامية،ولنكتشف بأن أبواب جهنم تفتح علينا لا على أمريكا ولا على اسرائيل،حيث الرئيس الأمريكي ماض بخطواته واجراءاته بحق العرب والمسلمين،وهم غير المالكين لإرادتهم وقرارهم السياسي، ولا يملكون سوى الندب والبكاء والإستجداء والقول ل "ترامب" نحن تلاميذك المخلصين ارحمنا،نحن لسنا ايران لكي نرد على سياستكم بالمثل فيما يخص مسألة منعك لرعايانا من دخول أمريكا،فإيران قوة فرضت نفسها عالمياً وإقليمياً،وهي قادرة على ان تمتلك قرارها المستقل وبالتالي تمتلك القدرة على الرد،أما نحن دوما كنا تلاميذكم المخلصين،سلمناكم ثرواتنا وأرضنا وقرارنا السياسي،فلماذا تستمرون في معاقبتنا وإذلالنا في قضية منع رعايانا من دخول أراضيكم...؟؟.هل هناك من يخدمكم أكثر منا،الم نمول حروبكم على بلداننا..؟؟ألم يشارك البعض منا في تدمير العديد من بلداننا إستجابة لرغبتكم وقرارتكم..؟؟ ألم نستقدم جيوشكم لكي تحتل أوطاننا..؟؟ ألستم من تنهبون خيراتنا وثرواتنا وتقتلون شعوبنا.ونحن نطبل ونهلل لكم فرحاً وسروراً..؟؟.
عندما تكون الحالة العربية منهارة،والحالة الفلسطينية منقسمة على ذاتها، وعندما تكون حالة العجز" والإستنعاج" سيدة الموقف العربي،وعندما يتم إستدخال الهزائم والتهليل والتطبيل لها على انها إنتصارات كبرى وتاريخية،وعندما نعاني من عقدة "الإرتعاش" السياسي المستديمة في التعامل مع أمريكا والغرب الإستعماري،للحفاظ على عروشنا التي نخشى عليها من شعوبنا،التي نحكمها بالنار والحديد ونفقرها ونكمم أفواه أبنائها ونحرمهم من المشاركة في القرار والسلطة،فنحن لن نستطيع ان نحقق أي انتصار جدي في أي من قضايانا كبيرة او صغيرة، فها هو "ترامب" يتهددنا بأن تكون قواته الموجودة على أرضنا مدفوعة الأجر،لكونها توفر ما يسمى بالحماية للعديد من المشيخات العربية،وهي بالأصل قوات إحتلال،وهو كذلك سيشرع بتطبيق قانون "جاستا" من اجل السيطرة على الأموال والممتلكات السعودية في البنوك والأراضي الأمريكية، وهو يتوعد ما يسمى بالإرهاب الإسلامي بالتصفية عن الوجود،ونحن لن نعرف الحدود والفواصل، ما بين ما يمكن اعتباره إرهاب إسلامي أو ليس إرهاباً،في وسم واضح على أساس عرقي ومذهبي للمسلمين على انهم قتلة وإرهابيين،وهذا لولا مواقف العديد من المشيخات العربية الخليجية التي شكلت حواضن لهذه الجماعات التكفيرية والإرهابية وفكرها الإقصائي التدميري،ومدها بالمال والسلاح والرجال لما تجرأ "ترامب" وغير "ترامب "على حقوقنا وعلى ديننا وعلى أرضنا.
وختاماً أقول في قضية نقل السفارة الأمريكية او عدم نقلها،بأن الخاسر الوحيد من هذه التفاهمات الأمريكية - الإسرائيلية بعدم إثارة نتنياهو للجلبة والغوغاء حول قضية نقل السفارة الأمريكية،مقابل إطلاق يد إسرائيل في "التغول" و"التوحش" الإستيطاني في القدس والضفة الغربية،هم الفلسطينيون على نحو خاص، سواء نقلت السفارة أم لا، ففي كل الظروف ومطلق الأحوال، لا يكف "بلدوزر" الاستيطان عن نهش أرضهم وحقوقهم، وهو بات يعمل اليوم، بكامل طاقته، وعلى مدار الساعة، في ظل موقف عربي منقسم بين مرحب ب"ترامب" ومتخوف منه، لا يجمعه سوى قاسم مشترك واحد: العجز عن مواجهة الأخطار والتهديدات التي تواجه "قضية العرب المركزية الأولى".
بقلم/ راسم عبيدات