عن الفقر ... إلى الفقراء (1/9)

بقلم: عدنان الصباح

عن الفقر إلى الفقراء
(1)
إلى أن يصبح الحبر خبزا والأقلام معاول


والسؤال هو هل يقرأ الفقراء ما اكتبه هنا أو هناك وهل لديهم متسع من الوقت بين غياب الخبز وهروب الخبز على أن يستريحوا من جوع لجوع ليجدوا متسعا من وقت وفكر للقراءة أم أن الهاجس الأكبر هو كيف سيجدون طريقا لرغيف الغد إن وجدوا قوت يومهم, إحصائيات مركز الإحصاء الفلسطيني أشارت إلى أن نسبة العاطلين عن العمل في العام 2014 بلغت 26.2% بواقع 18.2% في الضفة الغربية و40.8% في قطاع غزة وقد بينت هذه الإحصائيات أيضا أن النسبة بين الإناث هي طبعا أكثر بكثير بين الذكور وهذه النسب جميعها بالتأكيد تفاقمت أكثر فأكثر فهي تشير إلى الربع الأول من عام 2014 وقد جاءت الحرب الأخيرة على غزة بعد هذا التاريخ لتزيد الأمور حدة بعد تدميرها لعديد المؤسسات الاقتصادية المشغلة للأيدي العاملة في غزة تحديدا.
مركز الإحصاء الفلسطيني قدر مستوى خط الفقر ب 2293 شيكل لأسرة مكونة من خمسة أفراد وهو العدد المقدر للأسرة الفلسطينية كمتوسط لعدد الأسرة وهو ما اسماها مركز الإحصاء بالأسرة المرجعية وأشارت إحصائيات العام 2011 إلى أن معدل الفقر بين المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بلغ 25.8% وهذا يعني أن ربع الفلسطينيين يعيش دون خط الفقر في حين أن نصف هؤلاء أيضا يعيشون في فقر مدقع وان معدل دخلهم لا يتجاوز الحد الذي قدره المركز كخط للفقر المدقع وهو 1832 شيكل.
لا يمكن إذن لأولئك الذين اكتب إليهم أن يقرءوا ما اكتب ولا أظنهم سيجدون متسع من الوقت للاستماع إلى تفاهات رجل ملأ معدته قبل أن يمسك بقلمه للكتابة إليهم أو قبل أن يجلس إلى حاسوبه خصوصا وان مسالة اقتنائهم للحاسوب في بيوتهم شيء من الترف لا يحتاجون إليه قبل الخبز وهم ليسوا من أصحاب الشعارات الزاهية القائلة بان الحب قبل الخبز لا دائما ولا أحيانا فمن لا يجد الخبز ليأكل لن يجد القدرة على البحث عن معاني الحب ولا عن أوقاته ولا حتى عنه, فهو لن ينشغل بحكاية من يسبق من, لا في موضوع البيضة والدجاجة ولا الوعي والمادة ولا الخبز والحب, فالخبز هو وعيهم ومادتهم الذي يعرفون وحين تؤمن له قوت غده قبل يومه سيكون لديه قدرة على الاستماع إليك وفحص حكاياتك عن أسبقية الحب عن الخبز وقد يوافقك الرأي أيضا في ذلك إن تنازل كليا عن تلك الكماليات التي يراها البعض ممن لم يحترقوا بنار غياب الخبز ضروريات أكثر من خبز الفقراء ما دام البسكويت ممكن أيضا.
الفقر بوابة لمعاندة اللغة قبل غيرها فلا يمكن لجائع أن يغني ولا أن يستمع للغناء لا كلمات ولا لحن فالمثل الشعبي الفلسطيني يقول " عند البطون تغيب الذهون " فماذا يعني إذن كتابتي لهم عن جوعهم الذي يعشون وهل بالإمكان حفز جائع بالقول إلا إذا كان ما قاله أمام الفقراء علي ابن أبي طالب رضي الله عنه " عجبت لرجل لا يجد قوت يومه ثم لا يخرج للناس مقاتلا " كل هذه المقدمة وددت الوصول بها إلى إضراب المعلمين الذين لا تصل رواتبهم إلى ما اعتبره مركز الإحصاء الفلسطيني خط الفقر وبالتالي فكيف يمكننا أن نطالب من يعيش دون مستوى خط الفقر أن يقدم للجيل القادم علما يمكنه من الصمود في وجه الصعاب, وكيف يمكن لهؤلاء أن يزرعوا في الأجيال الانتماء للوطن والأرض والشعب ناهيك عن القضية خصوصا وأنهم يقارنون أحوالهم المعيشية بزملائهم في المحيط وهم كبشر لا تستطيع أن تقول لهم كفوا عن هذا التفكير فنحن أصحاب قضية.
لا يمكنك أن تطالب المذبوح بعدم الصراخ وأنت بعيد عن السكين التي تذبحه فما بالك إذا كنت أنت من تفعل ذلك أو تشارك بفعله عملا أو حتى بالصمت, واخطر ما في الأمر أن العديدين من المسئولين والإعلاميين والحزبيين والأخطر بعض أصحاب الرأي راحوا يصنفون إضراب المعلمين على انه إضراب حزبي وان حماس من تقف خلف هذا الإضراب وكان الجوع وحده لا يكفي ليحرك أصحابه فلو لم يكن هناك قضية حقيقية ومطالب حقيقية للمعلمين من خلال إضرابهم لما تمكن احد من دفعهم للإضراب كائنا من كان, فلا يعقل أن تطالب من يتقاضى راتبا لا يسد رمقه بالصمت وهو يعلم أن هناك من يتقاضى راتبا شهريا يساوي مجموع رواتبه لعشرين عام أو أكثر فأي عدالة هذه وكيف يمكنك أن تصف من يطالب بقوته بأنه ينفذ أجندة سياسية في حين أن الحقيقة خلاف ذلك فإذا كانت حماس مثلا معنية بدفع المعلمين للإضراب فان الذي قدم لها يد المساعدة هو من يكرس هذه الفجوة الهائلة في الرواتب بين البشر والمنطق يقول أن حماس نفسها بحاجة من يحل مشاكل موظفيها قبل غيرهم فكيف ستدفع بالناس للإضراب والخروج للشوارع ولديها في غزة ما يكفي من قضايا الجوع والمعانة لمئات آلاف البشر.
لن يقرا الفقراء ذلك وقد يكون الذين سيقرءون هم من لا يرغبون بردم هذه الفجوة وبالتالي فان أحدا لن يسمع إذا لم يكن لأصحاب الصوت العالي دورا في إيصال الحقيقة ونشرها والدفاع عنها ليصبح الحق هو الحقيقة وأنا هنا اقصد بوضوح كل المثقفين والكتاب والإعلاميين قبل الساسة والأحزاب وما تفرخ من أشكال.

بقلم
عدنان الصباح