قراءة في تقرير معهد الأمن القومي الإسرائيلي

بقلم: غازي السعدي

في قراءة للتقرير السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي لعام 2016، هذا المعهد الذي يترأسه الجنرال احتياط "عاموس يدلين"، رئيس شعبة الاستخبارات السابق في الجيش الإسرائيلي، ويشارك في أبحاث المعهد خبراء وباحثون عسكريون وسياسيون، تأخذ الحكومات الإسرائيلية بتوصيات أبحاثهم، ولهذا من المفيد، بل من الضروري، متابعة المهتمين والمسؤولين وأصحاب القرار في عالمنا العربي، لتصريحات ومواقف المسؤولين الإسرائيليين، مخططاتهم ودراساتهم الآنية والبعيدة، في أوقات السلم وأوقات الحرب، إذا كان الصراع العربي-الإسرائيلي ما زال يعنينا وعلى جدول أعمالنا، لمعرفة أهداف ووجهات نظر العدو الإسرائيلي، غير أننا وجدنا تباينا بين تقرير المعهد المذكور، وبين التقرير السنوي للجيش الإسرائيلي حسب "الإذاعة العبرية 19-1-2017"، حول التحديات التي تنتظر إسرائيل خلال الأشهر أو السنوات القادمة، ومن أبرز هذه التحديات حسب تقرير الجيش هي:

1. التحدي الأول يقع على الحدود الشمالية مع سوريا حيث تتواجد كل من إيران وداعش وحزب الله.

2. جبهة قطاع غزة حيث أن حركة حماس تعزز قدراتها وترسانتها العسكرية وبناء الأنفاق.

3. الضفة الغربية تعتبر التحدي الخطير والذي لا أحد يستطيع التنبؤ بموعد انفجاره.

لكن تقرير الجيش لم يتطرق إلى النووي الإيراني، وقدرات إيران العسكرية والصاروخية.

أما تقديرات معهد الأبحاث الذي يرأسه "عاموس يدلين"، فقد شمل ثلاثة تحديات كبيرة هي:

1. مقدرة نووية بأيدي دول كإيران تدعو لتدمير إسرائيل.

2. ولادة واقع دولة واحدة لشعبين.

3. تراجع في مكانة إسرائيل السياسية والدولية.

فهذه التقديرات، تعتبر أن التهديد العسكري التقليدي المباشر على إسرائيل، لا زال متدنياً، بيد أن المليشيات العسكرية، التي تمولها إيران خطيرة، وفي حالة تعاظم.

إن أكثر ما يشير إليه التقرير من تهديدات ويركز عليه، تعزز كبير في قوة حزب الله اللبناني، الذي يتجاوز مرتين التهديد الإيراني حسب التقرير، فقد كانت إيران تشكل في الماضي المرتبة الأولى التي تهدد إسرائيل، وحسب التقرير، فإن حزب الله يشكل المرتبة الأولى حيث يمتلك اليوم سلاحاً دقيقاً يمكنه ضرب كل نقطة في إسرائيل، ولديه قدرات ردع تردع سلاح الجو الإسرائيلي، وتردع سلاح بحريتها، من سفن تحمل صواريخ، وتردع الذراع البري، وحسب تقديرات معهد الأبحاث القومي في تقريره السنوي، فأن حزب الله لا زال يشكل أصعب التهديدات على إسرائيل، ولديه صواريخ لجميع المجالات، وطائرات دون طيار هجومية وانتحارية، ودفاع جوي من أفضل الصناعات الروسية، ووحدات برية مدربة على احتلال قرى ومناطق داخل إسرائيل، وأن مستودعات الأسلحة التابعة لحزب الله في لبنان، امتلأت بالأسلحة الإيرانية، وقد أصبح لحزب الله جيش حقيقي يمتلك مجموعة متنوعة من القدرات القتالية حسب التقرير.

لقد جاء في التقرير، أنه رغم الاتفاقية النووية الإيرانية مع الدول الغربية، التي تمنح إسرائيل هامشاً زمنياً أمنياً قصيراً، إلا أن إيران تعزز مقدرتها العسكرية على المدى المتوسط والبعيد، وإن برنامجها النووي واسع وغير محدود، ومع ذلك، فإن أكثر ما تخشاه إسرائيل تعزيز التواجد العسكري الإيراني، بالقرب من الحدود الإسرائيلية في هضبة الجولان.

أما بالنسبة لحماس، فيقول التقرير أن الطرفين- أي حماس وإسرائيل- غير معنيين بنشوب حرب بينهما على المدى المنظور، إلا أن إسرائيل تأخذ بالحسبان نشوب معارك بين الجانبين، معارك جانبية تتحول إلى حرب شاملة، فقد أوصى التقرير بتحسين المقدرة الاستخبارية الإسرائيلية في قطاع غزة، ومواصلة العمل على تقليص عمليات تهريب الأسلحة لحماس، مع تخفيف حدة التصعيد معها، التي تواصل بناء قدراتها العسكرية، وتواصل بناء الأنفاق.

لم ينس تقرير الأمن القومي الإسرائيلي التطرق إلى الوضع الراهن في مصر، والعلاقات بينها وبين إسرائيل، الآخذة بالتحسن، لكن التقرير يقلل من الخطر الذي يشكله الإخوان المسلمون على نظام الحكم، وأن احتمال عودتهم إلى الحكم ضعيفة جداً، نظراً للخطوات التي اتخذها النظام، أدى إلى إضعافهم بشكل ملحوظ، ويضيف التقرير أن من الصعب تقدير مدى تورط الإخوان المسلمين بالأعمال الإرهابية، مع أنه من الممكن انضمام اعضاء أو أفراد من الإخوان إلى تنظيمات إرهابية في شمال سيناء، وفي مناطق مدنية داخلية، فهناك عدة عوامل تعمل لصالح الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، الذي وصل إلى الحكم بفضل الدعم العام للشعب المصري، وحتى إذا تلاشى هذا الدعم جزئياً، فإنه بمقدور السيسي التغلب على المعارضين لحكمه، وأنه سيكون قادراً على تحسين الأوضاع المعيشية في مصر، يضاف إلى ذلك أن الجيش المصري هو الجهة السياسية القادرة والقوية في الدولة الداعم لـ "السيسي"، ويعترف التقرير بأن معظم الجمهور المصري لا يرغب بعودة حكم الإخوان، باستثناء قلة ترغب في عودة النظام الإخواني إلى الحكم.

يعترف التقرير بأن مواصلة تمسك الحكومة الإسرائيلية بسياستها السلبية، والإبقاء على الوضع الراهن، سيؤدي إلى تدهور مكانتها الدولية، على خلفية الجمود في المفاوضات مع الفلسطينيين، فالجمود السياسي والأزمة الاقتصادية، يقلص هامش الخيارات أمام إسرائيل، ويعرضها للخطر، يضاف إلى ذلك الهجمات من أطراف إسرائيلية، على شرعية قادة الجيش وقيمه، والمواجهات السياسية التي تجر الجيش لتجاوز الحدود السلبية، وأن أكثر ما يحذر منه التقرير أن تقود سياسة الحكومة إلى دولة واحدة ثنائية القومية.

رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" في خطابه أمام المشاركين والخريجين في كلية الأمن الوطني، وبدلا من التقدم في برنامج سياسي، لإعطاء الأمل للإسرائيليين بالاستقرار، ونهاية التوتر والحروب، فإنه ركز على القوة، وأن لا حياة للضعيف، وعلى إسرائيل الاستمرار بتعزيز قوتها العسكرية، وقد يكون هذا منطقي لمن ليس له خيار آخر، لكن لإسرائيل لإنقاذها من نفسها، لديها خيار آخر وهو خيار السلام، ويزعم أن إسرائيل أصبحت دولة عظمى، باستطاعتها التغلب على جميع الدول العربية مجتمعة، لكنه يتجاهل أنها لا زالت تعتمد على الولايات المتحدة للمحافظة على أمنها، وأن الموازنة العسكرية لإسرائيل لعام 2017، بلغت (117) مليار دولار، منها نحو (24) مليار دولار للجيش، إضافة إلى مساعدات مالية أميركية غير معلنة، فقد كان من الأفضل لها استغلال هذه الموازنات لصالح شعبها، وليس للحروب والعدوان والدمار.

انتهى...

بقلم/ غازي السعدي