الإنتخابات المحلية , وفوضى الأولويات الوطنية !

بقلم: جبريل عودة

قرار جديد من حكومة رامي الحمد الله , يقضي بإجراء الإنتخابات في 13 من أيار2017 ميلادية ,بشكل مفاجئ وبدون تنسيق مع الفصائل الفلسطينية , وبالأخص حركة حماس الطرف الرئيسي في تركيبة النظام السياسي الفلسطيني , وصاحبة الكلمة الأولى في قطاع غزة , وهذا الإجراء الأحادي الذي لم يستند إلى توافق وطني , ينظر إليه بريبة وتوجس من أطراف عديدة على الساحة الفلسطينية , فماذا إستجد حتى تقرر حكومة الحمد الله إجراء الإنتخابات المحلية , بالرغم أن أسباب فشل إتمام الإنتخابات في أكتوبر 2016 ميلادية لازالت قائمة لم تعالج , فهل جاء هذا القرار في سياق التجاذبات الحزبية ؟ أو إستمراراً لمعركة الإنقسام الإعلامية , من أجل إشغال الرأي العام الفلسطيني عن قضايا أكبر وأعمق, أم أنه تعبير عن فشل مسار المصالحة الوطنية بتنوع محطاته وأماكن إلتقاء الأطراف الفلسطينية, التي كان أخرها في العاصمة الروسية , حيث قضت برودة الأجواء القطبية في موسكو , على أي محاولة لإعادة الدفء في العلاقات الوطنية الفلسطينية , وعادت الوفود بلا نتيجة مرضية أو توافق على الحد الأدنى وطنياً , وكأن الفيتو على المصالحة الفلسطينية لازال شاهراً سيفه , حتى أصبح الإنقسام قدراً على الشعب الفلسطيني وما ينتجه من أثار سلبية على قضيته الوطنية .

ماذا تغيير في حالة الرفض لإجراء الإنتخابات ؟ ,على صعيد قيادات وازنة ومؤثرة في حركة فتح, كانت تعتبر إجراء الإنتخابات تصب في مصلحة حركة حماس فقط , وأن الأخيرة إنتهازية بمشاركتها في الإنتخابات المحلية , لأن قرار إجرائها كان نتيجة ضغط كبير مورس على قيادة السلطة الفلسطينية أوربياً وأمريكيا وإقليمياً وصهيونياً , وتعالت الأصوات القائلة بأن السير في إتمام الإنتخابات المحلية بمثابة تعزيز للإنقسام , وكذلك تم توجيه بعض المحاميين بإيعاز فتحاوي للطعن بقانونية إجراء الإنتخابات المحلية في قطاع غزة , على إعتبار أنه خارج عن سيطرة السلطة الفلسطينية , فهل أصبح قرار الإنتخابات المحلية في هذه الظروف الصعبة وطنياً ويخدم المصلحة العليا الفلسطينية ؟ ! , قرار إجراء الإنتخابات المحلية في شهر أيار القادم , بمثابة قفزة في الهواء وزيادة في الإحتقان الداخلي , وجرعة جديدة لتنشيط الإنقسام وتفعيل أثاره السيئة , فلا يمكن اتخاذ مثل هذا القرار بدون توافق وتنسيق , يفضي إلى حالة من الإجماع الوطني والذي يعتبر بمثابة الحامي للعملية الإنتخابية .

حماس كانت مستعدة للإنتخابات المحلية , والتي تقرر إجرائها في الثامن من أكتوبر 2016ميلادية , ووصل الأمر بحركة حماس إلى إعلان القوائم الإنتخابية , وأبدت جهوزيتها الكبيرة لإنطلاقة الدعاية الإنتخابية في موعدها القانوني , كما أنها إستخدمت كل أدوات المعركة الإنتخابية القانونية , وخاصة تقديمها الطعون في بعض القوائم التي لم تستوفي الشروط اللازمة , وتمكنت من إسقاط بعضها من خلال المحاكم المختصة بنص القانون, فماذا تغيير لذا حركة حماس حتى تعلن رفضها لقرار حكومة الحمد الله الجديد بخصوص الإنتخابات المحلية , ولماذا لم توافق حماس كما فعلت العام الماضي ؟, وهل تراهن حماس على مستجدات حديثة , كالتقارب المصري والإنفتاح الإقتصادي المرتقب مع قطاع غزة , أو صفقة سياسية شاملة تشمل هدنة مع الإحتلال وتبادل الأسرى وكسر الحصار, بما يضمن تحسن الأوضاع الإقتصادية الصعبة وإيجاد حلول للأزمات الحياتية التي يعيشها سكان قطاع غزة .

المعلن من قبل حركة حماس , يُرجع رفضها للقرار بأن التجربة تؤكد على عدم صوابية إجراء إنتخابات في ظل الإنقسام , حيث جاء في موقف حماس الرسمي , بأن هذا القرار يأتي على أنقاض عملية بإنتخابية ساهمت حركة فتح بتدميرها وإفشالها , وأن البيئة الملائمة للإنتخابات تكون بعد إنهاء الإنقسام وتوحيد المؤسسات الفلسطينية وتعزيز الوحدة الفلسطينية .

في اعتقادي أن إعلان حماس مشاركتها في الإنتخابات المحلية القادمة , سيفضي في نهاية المطاف إلى إلغاء الإنتخابات على أقل تقدير في قطاع غزة , خشية من تجديد شرعية الحركة الإنتخابية , و من المؤكد أن إعلان حماس عدم المشاركة لن يؤثر على إجراء الإنتخابات في مدن الضفة المحتلة ولو بصورتها الرمزية بعيداً عن المشاركة الشعبية الحاشدة , وفي هذا المشهد تظهر جلية أهداف الإنتخابات المحلية التي تأتي كإشتراطات خارجية من قبل الدول والمؤسسات المانحة للسلطات المحلية في الضفة المحتلة فقط لا غير, ولعل هذا يفسر صدور قرار إجراء الإنتخابات المحلية دون تنسيق ومشاورات وطنية .

والسؤال الذي يتبادر على أذهان الفلسطينيين , هل نحن (شعب وقضية) نحتاج إلى إنتخابات محلية ؟ ,في ظل تعنت وعربدة حكومة الإحتلال وبطشها اليومي بشعبنا في الضفة, وتطرف الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب , ومعاداتها للقضايا العربية والإسلامية ,وخاصة قضية فلسطين , وما قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة , إلا شكل من أشكال الإنحياز التام للإحتلال , ومساندته في عدوانه ضد الشعب والأرض والمقدسات في فلسطين .

ما نحتاجه فلسطينياً هو التوقف عن العبث بالأولويات الوطنية , والعمل على إنهاء الإنقسام السياسي , والقضاء على أثاره و تعزيز الوحدة القائمة المبنية على قاعدة الشراكة الوطنية دون إقصاء , وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الجامع , ممثلاً بمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها , وصياغة برنامج وطني فلسطيني يجمع في طياته القواسم المشتركة للمجموع الفلسطيني , سعياً لإسترداد الوطن وإنجاز الإستقلال وإنهاء الإحتلال .

بقلم/ جبريل عوده