من الواضح بأن الحرب التي يشنها وزير التربية والتعليم الإسرائيلي المتطرف "نفتالي بينت" ومعه كل جوقة حكومته على التعليم الفلسطيني في القدس،تسير وفق خطة ممنهجة،هدفها النهائي شطب المنهاج الفلسطيني في مدينة القدس،من اجل خلق جيل فلسطيني جديد من الطلاب "يتأسرل" وعيه،وتشوه هويته وثقافته وانتماؤه،وتهتز قناعاته بمشروعية نضاله ومشروعه الوطني،إنها حرب على الوجود والهوية والثقافة والكينونة والوعي والذاكرة، تستخدم فيها كل وسائل الترهيب والضغط،بما فيها تهديد المعلمين والمدراء في لقمة عيشهم،من يطبق المنهاج الإسرائيلي ويلغي المنهاج الفلسطيني حسب خطة "بينت" يثاب ومن لا يستجيب يعاقب.
المتطرف " بينت" وفق خطته فإن جعل مدينة القدس عاصمة ل"إسرائيل" يتطلب التهويد من خلال إغراقها ب" تسونامي" إستيطاني يحول السكان العرب فيها الى جزر متناثرة في محيط إسرائيلي واسع،وهذا الجانب يجري تنفيذه من خلال إقامة عشرات الآلاف الوحدات الإستيطانية في مدينة القدس وبالذات الشطر الشرقي منها،والشق الثاني من المعادلة ،جعل من يتبقى من السكان العرب فيها،يعيشون أنماطهم الحياتية وثقافتهم وتعليمهم وفق الرؤيا والمنظور الإسرائيلي،وهذا يتطلب السيطرة الكاملة على العملية التعليمية في مدينة القدس،بحيث لا تشمل المدارس الحكومية والمدارس شبهه الرسمية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة،من حيث الإدارة والإشراف والتمويل والأبنية،بل تمتد لتطال المدارس الأهلية والخاصة،في حين يجب العمل على إغلاق المدارس التابعة للأوقاف الإسلامية المعروفة بمدارس المرحوم حسني الأشهب التي تتبع وزارة التربية والتعليم الفلسطينية.
خطة المتطرف "بينت" للسيطرة على العملية التعليمية في مدينة بشكل كلي وشمولي في مدينة القدس،قامت على أساس متدرج ومتصاعد،حيث بدأها في بداية عام 2016 بربط التمويل للمدارس بالمنهاج،المدارس التي تطبق المنهاج الإسرائيلي أو تتوسع في تطبيقه،تغدق عليها الميزانيات،ويوضع لها اطار تربوي خاص بما في ذلك أيام تعليمية مطولة،تسهم في تطوير وتحسين جودة التعليم،والمدارس التي لا تطبق المنهاج الإسرائيلي أو ترفض التطبيق تحرم من الميزانيات،واستتبع ذلك لاحقاً مع وزير ما يسمى بشؤون القدس المتطرف "زئيف اليكن" بقرار أخر يربط تطبيق المنهاج الإسرائيلي بالترميم للمدارس وتحسين البنية التحتية،والهدف واضح هنا مقايضة المنهاج الفلسطيني وتدريسه بالتمويل والترميم،وضمن هذه الخطة ل"بينت" قال انه في الذكرى الخمسين لضم القدس وإحتلالها وما يسميه "بينت" بتوحيد القدس،يجب أن يكون شعار العملية التعليمية في مدينة القدس هو "توحيد" المدينة" عبر خطة تعليمية متكاملة تشمل كل المراحل التعليمية،تعمق من ارتباط اليهود بالقدس وما يسمى بالهيكل، في ظل الحرب التي يشنها الفلسطينيين على اليهود على حد زعمه لإبعادهم عنها،وتشمل الخطة زيارات وجولات للطلبة اليهود للمدينة المقدسة وأسوارها،وتقديم الشروحات التلمودية والتوراتية للطلبة حول أهمية المدينة لليهود وعلاقتهم التاريخية فيها.
في الشهر الماضي خطا خطوة أخرى "بينت" على صعيد المحاولة للسيطرة على العملية التعليمية في المدينة بشكل كامل،ولم تعد المسألة تطبيق منهاج فلسطيني مشوه او محرف،وشطب كلمة وعبارة او فقرة هنا وهناك من الكتب التعليمية الفلسطينية التي تؤكد على الهوية الوطنية والكينونة الفلسطينية...أو المتعلقة بالشهداء والأسرى وحق العودة وعروبة وفلسطينية القدس،أو إستبدال امتحان الثانوية العامة الفلسطيني ب"البجروت" الإسرائيلي،بل واضح ان العملية كانت مقدمة لإلغاء المنهاج الفلسطيني في القدس بشكل كامل،وعلى نحو اكثر خطورة من ما جرى بعد الاحتلال الإسرائيلي بعد عام 1967،حيث سيطر الاحتلال على المدارس الحكومية فقط وطبق المنهاج الإسرائيلي عليها،واضطر تحت صمود وتوحد الحالة المقدسية بكل مكوناتها للتراجع عن ذلك.
الخطوة جاءت بإلزام المدارس الثانوية في مدينة القدس بالعطل والإجازات التي تقرها وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية،وبالذات الحديث يدور عن عطلة الربيع،فإلتزام المدارس بهذه العطلة،يعني صعوبات في تطبيق وعقد إمتحان الثانوية العامة وفق المنهاج الفلسطيني،فهذه المدارس تستخدم كقاعات للإمتحانات،حيث يكون طلبة المراحل الأخرى قد أنهو عامهم الدراسي،وبالتالي تتوفر الأجواء المناسبة لعقد هذا الإمتحان،ويتوفر العدد الكافي من المدرسين للإشراف على عقده،ناهيك عن عدم وجود الضجيج والضوضاء الناتجة عن استمرار التعليم للمراحل التعليمية الأخرى في نفس المدرسة،مما يجعل الطلبة يؤدون امتحاناتهم في أجواء ونفسية مريحة،واشراف ومتابعة جيدة من قبل المشرفين على الإمتحانات،وضمان سير الإمتحانات بشكل سلس وميسر،ومع تطبيق الإجازات والعطل وفق برنامج وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية،تنتفي كل هذه الظروف والأجواء، وما يستتبع ذلك من ضغوطات وقلق وتوتر.
الخطوة الأكثر خطورة على صعيد شطب وإلغاء التعليم الفلسطيني في مدينة القدس،هو ما جرى من اجتماع في الكنيست الإسرائيلي قبل أسبوع،حيث عقدت جلسة حول المنهاج الفلسطيني في مدينة القدس حضرها ممثلين عن بلدية "القدس" ودائرة معارفها والشرطة والشاباك، وهذا يدلل على ان هناك خطوات تصعيدية سيقوم بها المتطرف "بينت" وزير التعليم الإسرائيلي بحق المنهاج الفلسطيني المدرس في مدينة القدس،والخطر هنا لا نتحدث عن شطب او حذف كلمة او عبارة أو فقرة هنا وهناك لها علاقة بالشهداء والأسرى والهوية والقومية وحق العودة والتاريخ والجغرافيا،بل الحديث هنا يدور عن الغاء كامل للمنهاج الفلسطيني في المدينة ومنع ادخال الكتب الفلسطينية ومطاردة السيارات التي تنقل الكتب او المطابع التي تقوم بطباعتها....والتوجه نحو اغلاق المدارس التي تتبع وزارة الاوقاف الإسلامية أو ما اصطلح علي تسميته بمدارس المرحوم حسني الأشهب...
بينت وحكومة الإحتلال لديهم مخططات كاملة للأسرلة والتهويد في المدينة يعملون على تطبيقها على الأرض بالإستيطان المتغول والمتوحش في كل زقة وشارع وحي وبلدة مقدسية وبالتوازي اسرلة الوعي المقدسي عبر اعادة تطبيق المنهاج الإسرائيلي على المدارس المقدسية،هذا ناقوس خطر حقيقي ...فلتصحو كل الجهات التي لها علاقة بالتعليم في مدينة القدس ،فهذه حرب شاملة على العملية التعليمية في مدينة القدس وبحاجة الى مواجهة شاملة تحشد كل الطاقات والإمكانيات والموارد المالية لحماية العملية التعليمية في مدينة القدس،ولتتشكل خلية طوارئ رسمية وشعبية لهذا الغرض،بعيداً عن ضيق الأفق وعن الموالاة والمعارضة،فالهجمة أكبر من الجميع وبحاجة لجهد وطاقات الجميع.
بقلم/ راسم عبيدات