إلى أن يصبح الحبر خبزا والأقلام معاول
ليست تنفع التحيات في رسائلنا فكل ما يقلقني هو كيف يمكنني الوصول إليكم ومن أي الجهات أتوقع ردا ولستم تقرؤون ما اكتب فلا الصحف تصل إليكم فثمن الصحيفة يسرق ثمن الخبز الذي لا تجدونه أصلا والحروف حتى تقرؤونها كانت بحاجة منكم لإضاعة سنوات وسنوات على مقاعد الدراسة والخبز كان ولا زال غائب فأي العقول كانت ستقرأ والجوع ينهش الأمعاء
أين إذن يمكنني أن انشر رسائلي لعلكم تقرؤونها وبيوتكم إن وجدت فهي بلا حيطان أو أن حيطانها لا تحتمل الحروف وأدرك أن الحواسيب لا تعرفونها فهي خارج احتمالاتكم وأي كلام دون الوصول إليكم لا قيمة له فمن سيقرئني يعرفون ما أقول ويغلقون آذانهم, وفقط مثلي يملكون أفواها قادرة على الكلام المنمق ويكبلون أياديهم بافتعال العجز وتضخيم الكارثة ونفخ قوة الأعداء, وكل ذلك حتى لا يجدون أنفسهم مجبرين على الإجابة عمليا على المعلن من قولهم, مجبرين يوما على التحرك نحو الفعل لوقف الجرائم المرتكبة بحقكم, مجبرون يوما على أن يجدوا أنفسهم ينضمون إليكم في طوابير الكفاح لطرد الجوع من عالمنا, وحينها أي حين يجد المثقف نفسه خارج الحرف وداخل الفعل سيفقد دفء البيت ودفء الخبز ودفء الأمان مثلكم, وهم دعاة الثقافة اجبن من أن يفعلوا ذلك.
جبناء نحن ممتهني حذلقة الحروف, وإلا ما نفع القصائد إن لم تغنى في سهراتكم العارية, ما نفع الشعارات إن لم تتحول إلى قماش يقيكم البرد, ما قيمة الأقلام إن لم تصبح حرابا تفضح تحت الشمس جرائم سارقيكم أو أعمدة لبيوت تقيكم المطر وحر الشمس, في حين نتغنى نحن برومانسية المطر وتلعنون انتم ساعتها فأي تفاهة هي قصائد المطر التي نغنيها
ليست تجدي الكتابة في غرف دافئة وعلى سطح أملس دافئ وعلى وقع تصاعد دخان سيجارة أمريكية فاخرة وبن أمريكي وحاسوب أمريكي, ليست تجدي الكتابة وصباح الغد الآتي سنذهب مرة أخرى لندور في دواليب سارقي قوتكم وقاتليكم, كل ما تريدونه اليوم منا ليس حذلقة في اللغة ولا استنهاض طاقات الكلام فلن تقرؤوه, وما نفعله نحن بكل صراحة ليس فعل الكتابة الكفاح لكم عنكم, بل فعل استغلال جوعكم لننتفخ بالحروف ونستغل عريكم لنكتسي بمدائح التفوق في رسم صوركم العارية وفضح عوراتكم لا عورات سارقيكم
ما تحتاجونه منا أن نكسر الأقلام فالمنفوخين بالتخمة لا يقرؤون إلا أسعار العملات وحركات الأسهم وحسابات البنوك, ومن مثلنا يستعرض العضلات على بعضنا ونغفو خائفين من أن نستيقظ في صباح اليوم التالي وقد أصبحنا منكم وحالمين بان نصبح من سارقي قوتكم حتى لو متم انتم
ما تحتاجونه أن نغلق دفاترنا الورقية ونحمل أقلامنا على أكتافنا ونتبعكم, نرسم الخبز الغائب على كروشهم والبيوت التي لا تعرفونها على حيطان قصورهم ونبصق قبلكم على هاماتهم لعل بصاق الجوع يدفنهم وتأكلون خبزا حين يغيبون تحت البصاق.
بقلم
عدنان الصباح