سألني صديقي إن كنت شاهدت مباراة كرة القدم التي جمعت المنتخب المصري بنظيره الكاميروني في نهائي بطولة كأس أمم افريقيا التي استضافتها الجابون، سؤاله اثار دهشتي لما فيه من ايحاء بأنه شاهد هو الاخر تلك المباراة، وهو البعيد عن عالم الرياضة والمشغول بالإصلاح بين الناس ويغرق يومياً وسط كومة من المشاكل تستنزف نهاره والكثير من ليله عملاً بقواعد العادة والعرف، وكي اقطع الشك باليقين سألته إن كان قد شاهد تلك المباراة، ابتسم كأنه يريد أن يجيب بها عن دهشتي قبل أن يسترسل بأنه سأل ابنه الصغير الذي بدأ خطوته الأولى في التعليم الابتدائي عن سر تشجيعه لمنتخب مصر، أجابه الطفل بأن دافع الجيرة يحتم عليه ذلك، اكتفى الوالد بإجابة ابنه الصغير دون أن يضيف له بأن الكثير من الدم المصري يجري في عروقه كون جدة الطفل التي رحلت إلى جوار ربها قبل مولده مصرية الجنسية.
قد تكون المباراة التي جمعت الفريق المصري بنظيره الكاميروني مجرد مباراة كرة قدم لا تعني الكثير، وقد يدعي البعض بأن متابعتها من قبل شعب مكلوم بالاحتلال وممارساته ولا ناقة له فيها ولا جمل نوع من الترف الذي لا يليق بمجتمع يعاني الأمرين، وقد يعرج عليها خطيب في خطبة الجمعة مستهجناً هذا السلوك ويمكن أن يذهب إلى أبعد من ذلك حين يدعي بأن تأخير تحرير القدس جاء بفعل ذلك، دون أن يعرج على الحقيقة بأن الكثير يجد في متابعة مباراة ما ينفس بها عن حالة احتقان تشبعت بهمومه وشجونه.
على أي حال ما يجب أن نتوقف أمامه بالكثير من الروية أن مباراة كرة القدم كشفت عن مدى تعلق الشعب الفلسطيني عامة وسكان قطاع غزة خاصة بمصر، وفيه رسالة واضحة لكل من يحاول أن يشوه عمق العلاقة التي تعدت بكثير عوامل التاريخ والجغرافيا والجيرة والمصاهرة، رسالة إلى القيادات الفلسطينية بأن مصر تبقى مصر ولها ما ليس لغيرها من الحب، ومن غير المقبول الابتعاد عنها وسلوك درب الجفاء معها بدوافع حزبية تارة وحسابات شخصية تارة اخرى.
المؤكد ايضاً أن الجماهير الواسعة التي وقفت خلف منتخب مصر لمؤازرته وتشجيعه بشكل منقطع النظير تعلم جيداً طبيعة ما يعانيه أهلنا في معبر رفح والاجراءات التي تحمل الكثير من الاذلال وامتهان كرامة الانسان، والتي في غالبيتها لا مبرر لها ومن الصعوبة تخفيف وطأتها وانتزاعها من ذاكرة من عاشوا تجربتها، وتعلم أيضاً حجم التحريض الذي تناوله بعض الاعلاميين المصريين بحق الشعب الفلسطيني، وحاولوا جاهدين تعكير العلاقة بين الشعبين وبث ما يمكن من شأنه توتير العلاقة الأخوية، رغم ما في ذلك من مرارة في النفس إلا أن السلوك الفطري للشعب الفلسطيني تجاه مصر يؤكد من جديد بأن العلاقة أصلب من أن يخدشها سلوك سلبي هنا وآخر هناك، وهو ما يجب أن يبنى عليه لمعالجة هذه الأخطاء التي تعكر صفو العلاقة بين الشعبين.
يخطيء من يعتقد أن بإمكان دولة ما أن تأخذ مكانة مصر فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومن الخطيئة أن نحاول أن نبني علاقة مع هذه الدولة أو تلك على حساب علاقتنا بمصر، على مدار السنوات القليلة السابقة نتيجة لتوتر العلاقة بين مصر وحركة حماس عانى سكان قطاع غزة كثيراً، ويلوح في الافق ما يشير إلى أن تحسناً في العلاقة طرأ مؤخراً ونتطلع إلى عدم اضاعة الوقت والاسراع في ترميم العلاقة، وفي الوقت ذاته لا يخفى على أحد بأن العلاقة بين قيادة السلطة الفلسطينية ومصر ليست بأحسن أحوالها، وأنها بحاجة إلى إعادة المياه إلى مجاريها قبل أن تزداد تشعباً وتعقيداً، والمصلحة الوطنية تتطلب منا أن نسارع في تصحيحها سيما وأننا بحاجة لأن تكون مصر اليوم أقرب الينا من أي وقت مضى، خاصة في ظل حكومة اسرائيلية متطرفة وجدت في وصول ترامب إلى البيت الأبيض فرصة لأن تمضي بوتيرة متطرفة ومتسارعة لإجهاض حل الدولتين.
بقلم/ د. أسامه الفرا