يبدو بأن كل اللقاءات والإجتماعات بمبادرات فلسطينية وعربية ودولية من أجل فك عقدة وطلاسم الإنقسام الفلسطيني،لم تحدث أي اختراق جدي،بحيث لم تفلح أي من المبادرات في الوصول الى الجان الذي يحتفظ بمفاتيح وتعاويذ هذا الإنقسام...فبعد كل لقاء او اجتماع نشاهد اسارير مبتهجة ومصافحات وضحكات وتصريحات نارية عن الوحدة الوطنية وأخوة الدم والسلاح والشركاء في المشروع الوطني...وغيره من عبارات الدجل والنفاق.... وما ان ينتهي التصوير واللقاءات المتلفزة واحتفالات المجاملات....يعود مسلسل الردح المتبادل لكي يتصدر المشهد من جديد،وتختفي عبارات ومجاملات اخوة السلاح والنضال والشركاء في القرار والمشروع الوطني ..الخ،لتحل محلها عبارات التخوين والتفريط والتأمر والبيع والتنازلات ..الخ،هذا المسلسل "الهوليودي" لم يعد الجمهور الفلسطيني يطيق سماعه،فهو فقد بريق لمعانه،وبات الجمهور الفلسطيني على قناعة بأن الخلاف والصراع يدور على المصالح والنفوذ والسلطة منزوعة الدسم،وليس من اجل حماية المشروع الوطني وصيانة حقوق الشعب الفلسطيني،فالمصالح والمنافع والفئوية والإمتيازات فوق الوطن....والشعب والجماهير الفلسطينية بعد لقاءات بيروت الموسعة والشاملة والتي شملت الكل الفلسطيني من اصغر تنظيم "ميكروسكوبي" فلسطيني حتى أكبر فصيل للتحضير لعقد جلسة توحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني،وتشكيل حكومة وحدة وطنية،واستتبع ذلك حوارات فلسطينية في موسكو من اجل إنهاء الإنقسام،ولكن العجلة لم تدور تجاه لا عقد الجلسة التوحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني ولا تشكيل حكومة الوحدة الوطنية...بل كان هناك قرار بالهروب للأمام بالإعلان عن موعد جديد للإنتخابات المحلية المؤجلة او الملغاة بموافقة الرئيس 13/5/2017،تلك الإنتخابات التي تأجلت لحجج وذرائع اختلقت في المحاكم،بعدم شمول الإنتخابات للقدس،وكذلك الطعن في شرعية محاكم وقضاء غزة،وبأن اجراء الإنتخابات من شأنه تكريس الإنقسام وشرعية حكومة غزة....على ان يتم اجراءها لاحقاً حيثما تتوفر ظروف انعقادها،ولا اعتقد بان أي من الظروف او الوقائع قد تغيرت،بل طبيعة المرحلة ومدى خطورتها تتطلب القفز عن الخلافات والمناكفات لمصلحة الوطن،فلا الإنتخابات ستشمل القدس،تلك الشماعة الكاذبة التي اتخذت سبباً للتأجيل ولا سلطة حماس زالت عن قطاع غزة،ولا حكومة وحدة وطنية تشكلت،ولذلك المحاولة البائسة لرمي الكرة في ملعب حماس،والقول بانها هي من تعطل اجراء الإنتخابات المحلية في غزة،وهي تخاف وتخشى الديمقراطية،هي كلمة حق يراد بها باطل وهروب للأمام،وبذلك انا هنا أقول بان الأولوية لإنهاء الإنقسام وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية،والإتفاق على برنامج سياسي موحد واستراتيجية موحدة،بعيداً عن رهن قراراتنا ومواقفنا الى الموافقة او عدم الموافقة الأمريكية ودول اوروبا الغربية،وخصوصاً بان ما أقدمت عليه حكومة نتنياهو من مصادقة بالقراءتين الثانية والثالثة على شرعنة سرقة ونهب الأراضي الفلسطينية الخاصة وبضوء اخضر امريكي،يوفر الفرصة لنا كفلسطينيين اذا ما تخلت القيادات عن عقدة "الإرتعاش" السياسي المستديمة في التعامل مع امريكا واسرائيل والغرب الإستعماري ،واذا ما غادرت أيضاً مربع الرهان على المفاوضات العبثية،لكي نوقف وننهي مسلسل الإنقسام المدمر،ونستعيد وحدتنا الوطنية،وفق إرادتنا وبرنامجنا المعبر عن حقوقنا ومصالحنا بعيداً عن معيار القبول وعدم القبول الأمريكي والإسرائيلي.
اسرائيل تعتبر نفسها دولة فوق القانون الدولي،تضرب بعرض الحائط كل القرارات والإتفاقيات والمواثيق الدولية،وتعتبر بأن الفرصة والظروف مؤاتية لها،في ظل تصاعد اليمين عالمياً وسيطرته على الحكم في امريكا وبريطانية وقريباً فرنسا،وانهيار الحالة العربية ودخولها في حروب التدمير الذاتي والمذهبي،وضعف الحالة الفلسطينية غير الموحدة والمنشطرة والمنقسمة على ذاتها.
ولذلك وجدنا حكومة اليمين الصهيوني المتطرف من بعد فوز الرئيس الأمريكي المتطرف "ترامب" في الحكم،رفعت كل القيود عن الإستيطان في القدس والضفة الغربية،ولكي تشرع في بناء واقرار إقامة الآلاف الوحدات الإستيطانية في القدس والضفة الغربية،وكذلك طرح مشاريع ضم مستوطنة معالية ادوميم الى ما يسمى بالقدس الكبرى،كمقدمة لضم مناطق (سي) والتي تشكل (60) % من مساحة الضفة الغربية الى دولة الإحتلال،وبما يلغي أي إمكانية لحل سياسي قائم على حل الدولتين،فنتنياهو وليبرمان ونفتالي بينت،متفقون على عدم إقامة دولة فلسطينية غرب نهر الأردن،وبان الحل يكمن في تأبيد وشرعنة الإستيطان مع منح السكان الفلسطينيين حكم اداري ذاتي وتحسين شروط وظروف حياتهم تحت الإحتلال،وذلك قانون شرعنة نهب وسرقة الأراضي الفلسطينية الخاصة،عبر ما يسمى بقانون " تسوية الأراضي" ياتي كترجمة لمشاريع طرحها ليبرمان ونتنياهو،مشاريع ليبرمان عن العودة الى روابط القرى،وما يسمى بالمؤتمر الأمني الإقليمي،الذي ستحضره اسرائيل والعديد من الدول العربية والأوروبية وامريكا،بحيث يجري تجاوز الفلسطينيين كمنظمة وسلطة عبر فرض حل عليهم.
قانون شرعنة سلب وسرقة الأراضي الفلسطينية الخاصة من أجل اضفاء الصفة القانونية على كل ما هو غير قانوني واخلاقي وانساني،يجب أن لا يحول الأراضي الفلسطينية الى قضية عادية في أروقة محاكم الإحتلال،فقضيتنا ذات بعد استراتيجي وسياسي،قضية شعب واقع تحت الإحتلال،وكذلك يجب علينا عدم الركون وتضخيم ردة فعل المجتمع الدولي،ودعوة محكمة الجنايات الدولية الى اعتبار ما حدث جريمة حرب،ف"ترامب" وتريزا ماي،تم التشاور معهم في قانون ما يسمى ب" التسويات" قبل عرضه على الكنيست،ولم يعارضوا وأقصى ردة فعل لهم،هي بيانات شجب واستنكار كتكرار ممل لحالة دولية وعربية بائسة،فالقرار هم يدركون انه يتعارض مع قرارات مؤتمر باريس ومجلس الأمن رقم 2334،ولكن هم يدركون حقيقة المواقف العربية بانها "جعجعات" و"هوبرات" اعلامية،وكذلك فلسطينياً قنابلهم الصوتية لم تعد مجدية أو ذات أثر يذكر.
ولذلك استمرار "دق الهاون وهو فارغ" و"طحن" الماء والتشبث والتعلق ب"احبال" الهواء لن يجدي نفعاً،ولذلك يجب العمل بأقصى سرعة ممكنة من اجل إنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الوطنية وفق برنامج سياسي قائم على الصمود والمقاومة،ورفع درجة التصدي والتحدي بمراجعة الإتفاقيات الأمنية والإقتصادية مع دولة الإحتلال،وسحب الإعتراف المتبادل ما بين منظمة التحرير واسرائيل،ويكفي تصريحات وتهديدات فارغة وجوفاء،من كل أركان وقيادات السلطة،فالذين تحدثوا عن أن جهنم وابوابها ستفتح على اسرائيل الآن وقت فتحها،فالضفة الغربية يجب ان تشهد اوسع حملة احتجاجات شعبية وكذلك العمل على شن اوسع هجمة دبلوماسية على المستوى الدولي،والتوجه لمجلس الأمن الدولي من أجل استصدار قرار دولي ملزم لدولة الإحتلال بوقف الإستيطان وعدم شرعيته،والعمل على إستعادة البعد القومي العروبي للقضية الفلسطينية.
بقلم/ راسم عبيدات