الهجوم على الملتزمين دينيا، من قبل بعض الناس، يستند إلى تتبع الأخطاء، وتضخيمها وتبهيرها، ونشرها كلما جاء ذكر أحدهم، ولا أريد التذكير بالأمر بالستر وفضله، ولكن أذكر بأن فتنة الناس أمر سيء، فحينما تعمد إلى تشويه صورة إنسان له مكانة واحترام لالتزامه بدينه، فأنت تدعو الناس ضمنا إلى ارتكاب الذنوب، تحت حجة أن الملتزم المتدين المصلي في المسجد، الصائم للنوافل بله رمضان، القارئ /الحافظ للقرآن، يفعل كيت وكيت فما بالنا نحن؟
وتنم الهجمة أحيانا عن جهل بأمر بدهي؛ وهو أن الإنسان معرض للوقوع في الخطأ، وارتكاب الذنوب، والعبرة بالتوبة منها، لأن كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابين، وسيرة الصحابة تدلنا على أن بعضهم أذنب وتاب، وبعضهم كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يحذره ويصحح خطأه، وثلاثة من الصحابة تخلفوا عن غزوة تبوك بلا عذر،فتابوا وجاءهم الفرج بنص قرآني كريم يتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها كي نتعلم من قصتهم كثيرا من طبائع البشر، وندرك سعة رحمة رب البشر، فكيف بنا بعدهم ب14 قرنا؟ولم وجد الاستغفار وشرعت الكفارة ما لم يكن ارتكاب الذنوب واردا بل هو صنو الإنسان؟
ومن خلال ملاحظتي المتواضعة أن ما يلصق بالملتزمين من تهم وما ينشر عنهم من إشاعات يتداولها من هو دونهم في التزامه، تقوم غالبا على الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، دون التحقق والتثبت؛ وهو أمر ضروري، قبل إلقاء التهم ونشر الإشاعات، والطعن في الذمة المالية أو السلوكية أو الأخلاقية أو الاجتماعية لأي إنسان عموما، وللملتزم خصوصا، فأحيانا أنت لا ترى كل الصورة، مثل الذي قال لعمر لا سمعا ولا طاعة، فلما تبين له قال:الآن سمعا وطاعة، ومثل بعض الأنصار ممن لم يرق لهم أن يخص النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- حديثي العهد بالإسلام بالغنائم، فلما تبين لهم ندموا واستغفروا...أما اليوم فإن التثبت أصلا غائب ومفقود، ولو تم دفع تهمة ما، لما صدقوا، وتشعر بأنهم يفرحون بكل مصيبة أو خطأ أو سمعة سيئة تلحق بالملتزم أو أسرته أو محيطه.
فإن كان للملتزم ابن ضال أو فاسق، تشفوا وفرحوا، بدل أن يقفوا معه ويصبروه ويذكروه بسير السابقين المشابهة، وإن خرج الملتزم دينيا عن طوره بلفظ أو فعل تجد وكأنهم كانوا بانتظار ذلك ليسلكوه بألسنة حداد تقطر سمّا وغلاّ.
ولسان حال هؤلاء يوحي ضمنا أنهم لا يريدون ملتزما بينهم يبزّهم أو يمتاز عنهم في عبادة أو خلق أو طاعة أو مظهر خارجي أو موقف ورأي من شأن عام.
في سالف السنين سمعت عن شيخ، والوصف كان لرجل ملتح ملتزم بالصلاة والمسجد ودروس الوعظ، ويمتهن مهنة يدوية، ولا أعرفه وليس من منطقتي، من هاجمه قال بأنه يختلس ويسرق ماء وكهرباء لمنزله، لو كان فيك خير اذهب وحذره على انفراد بدل فضحه، واستمراره بالسرقة-كما تزعم-فلعله يخجل منك ومن نفسه، ومن الله قبل ذلك فيكف عن السرقة، بدل أن تسعى لتشويه سمعته بهذه الطريقة.
نعم الملتزمون ليسوا ملائكة، وهناك من يأخذ الالتزام وسيلة لأغراض خبيثة، بل حتى مخابرات الاحتلال الاسرائيلي جندت جواسيس يحفظون القرآن ويعفون اللحى ويحاججون بكلام علماء وفقهاء كبار ويحفظون من كتب الشريعة كثيرا، ولكن هل معنى ذلك أن نعمم هذا الأنموذج السيء؟وهل يجوز أن نعتبر السيء أساسا في الحكم على الملتزمين؟
ولماذا لا نعمم على فئات أخرى من المجتمع ترتكب الرزايا؟أم أن بعض الناس يجد الملتزمين فئة يسهل الهجوم عليها وتشويهها؟
فلنكف عن ذلك، فلعلنا نحيا ببركة هؤلاء ونحن لا ندري!
بقلم/ سري سمّور