اطلعت على أجزاء من الكتاب قبل سنوات، ولكن القراءة الفعلية الجادة كانت قبل أيام، أو لنقل أسابيع قليلة ضمن مجموعة على "الواتساب" تعنى بقراءة الكتب المتعلقة بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والمسائل الفقهية وغير ذلك. عنوان الكتاب: "مفاتح تدبر القرآن والنجاح في الحياة". (10) مفاتيح لتحقيق التدبر الأمثل. أما المؤلف أو الكاتب فهو د.خالد عبد الكريم اللاحم، أستاذ القرآن وعلومه المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
ومن أوجه الرصانة التي توجب احترام الكتاب والكاتب، أنه لا يعطي ولا يقدم للقارئ عنوانا فاقعا عن تحقيق النجاح في أيام أو شهور، وفي ذات الوقت ترى المحتوى كذلك، لا يقدم وصفة سحرية، بل يقدم لك مفاتح ونصائح، ولا يعلقها بسقف زمني، بل تشعر أن هناك مجاهدة ومكابدة، ويستشهد الكاتب بمقولة ثابت البناني: كابدت القرآن عشرين سنة ثم تمتعت بعه عشرين سنة... نعم فالكتاب يتجنب مسألتين خفت-في البداية- أن يكون الكاتب قد وقع بهما، وإذ به حريص تماما على تجنبهما.
الأولى هي: أن يكون المرقوم استنساخا وتكرارا لكتب تطوير الذات والتنمية البشرية التي تملأ رفوف المطبوعات ومواقع تحميل الكتب الإلكترونية، والتي تبشرك بالغنى والنجاح والتفوق والقوة ويحدد بعضها سقفا زمنيا، وتعطيك أحيانا عناوين بأن أمامك وأمام أهدافك قراءة هذا الكتاب وتنفيذ ما فيها فقط، والثانية أن يكون الكاتب قد انضم إلى غيره من المؤلفين الذين سعوا ويسعون إلى قولبة وتكييف النص الثابت المقدس مع علوم متغيرة، ونظريات ليست ثابتة سواء في مجال العلوم التطبيقية، أو في العلوم الإنسانية والاجتماعية وغيرها من العلوم النظرية.
لكن المؤلف وبحمد الله تعالى تجنب وابتعد عن هذه الشطحات وغيرها؛ ومما زاد من تقديري للكاتب والكتاب وأحببت أن ينتقل إلى غيري هو سبب التأليف؛ حيث يقول المؤلف أن أحدهم سأله: كيف يكون النجاح بالقرآن؟ فقلت له-أي قال المؤلف د. خالد اللاحم- للسائل: "هذا سؤال كبير خاصة في هذه الأيام التي فتن الناس فيها بهذا الفن مستندين في معظم طرحهم على كتب حضارات غير إسلامية، وصار المتسيد للحديث فيه لا يملكه إلا من حصل على شهادات أو دورات هناك، ويضيف المؤلف: هذا سؤال كبير وأخشى إن أجبت عنه إجابة سريعة أن أسيء إلى القرآن فلا بد من البيان الكامل الواضح الذي يربط المفاهيم والمصطلحات."
إن هذا الحرص على القرآن من أن يكون محل إساءة أمر أجله وأقدره في الكاتب، الذي لم يندفع بغضبة عاطفية للإجابة عن السؤال. ويذكر د. خالد اللاحم في الصفحات الأخيرة الخاتمة لكتابه أيضا أنه قد قرأ واطلع وربما استعان في أموره الخاصة بالكتب التي تعنى بالتنمية البشرية، ويذكر مجموعة مما قرأ منها، وهي مجموعة أرى أن حتى المتعلقين حدّ الشغف ربما لم يقرؤوها كلها، ولكن الكاتب اكتشف أن القرآن الكريم هو الحل الأمثل، وهذا لم يأت بسهولة، فالكاتب قد حفظ القرآن الكريم، منذ أن كان في مرحلة الدراسة المتوسطة، كما أن مجاله المهني في تدريس علوم القرآن، ومع ذلك لم يكن قد وصل إلى مرحلة النجاح بالقرآن.
ويقودنا هذا إلى مسألة مهمة وهي أننا نجد كثيرا من حفظة كتاب الله العزيز، ولكن لا نجد بالضرورة عندهم وصولا إلى مرحلة التدبر الأمثل، وأن يكون القرآن هو مرشدهم للنجاح في حياتهم الدنيا، مع أهمية حفظ القرآن والعناية بتلاوته بحثا عن الأجر والثواب. لا أقول بأنني سأتبع ما جاء في الكتاب بحذافيره، ولكن أقول بأنني قد استفدت منه، وهناك نصائح أو مفاتح تغير طبيعة تعاطي المرء مع القرآن نحو الأفضل والأمثل بعون الله وتوفيقه بين دفتي الكتاب، مع أن عدد صفحات الكتاب 120 صفحة فقط إلا أن فيه فوائد كثيرة.
(إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) وغيرها من النصوص القرآنية التي تقطع الشك باليقين بأن هذا القرآن هو طريقنا إلى النجاح في الحياة الدنيا، مثلما هو الموصل إلى النجاة في الآخرة إذا اتبعنا ما فيه. وربما أغلبية ساحقة تؤمن بهذا ولكن الكيفية هي محل التساؤل، والكتاب الذي بين يدينا يضع لنا كيفية معقولة، أرى أن علينا أن نحاول ونكابد، ولا نستعجل النتائج، فالمحاولة الجادة للنجاح بالقرآن، هي بحد ذاتها نجاحا وتفوقا، ربما يوفر علينا عناء الالتحاق بدورات باهظة أو معقولة التكلفة المالية في العلم او المجال الذي صار من أبرز علامات العصر أي علم التنمية البشرية، والذي أرى أنه بالطريقة التي يتم التعاطي معه عربيا قد صار تحت عنوان: (زاد عن حده انقلب ضده) .
ولكن القرآن الكريم شيء مختلف، فكلما زدنا من تعلمه وتدبره وتلاوته، صار بحوزتنا كنوزا ثمينة متتالية، وعلى كل حال لا تحكموا على الكتاب قبل قراءته، فتفضلوا بقراءته والعمل ولو جزئيا بما جاء فيه، وانتظروا النتائج، كما أفعل غير مستعجل لها.
سري سمّور
فلسطين