في قلب كل عربي جروح غائرة من جرائم ما يُسمى جيش الدفاع الإسرائيلي، ضد الأطفال والعجائز على وجه الخصوص. جيش الدفاع الإسرائيلي والموساد هما ذراعا القتل والاغتيال والاغتصاب لكيان عنصري يُسمِّي نفسه إسرائيل. هذا الكيان يسمح لجنوده بالتحرُّش بالفتيات الفلسطينيات بطريق المدرسة ومن تقاوم باليد أو اللسان يطلق عليها الرصاص بتهمة الإرهاب، ويقود أطفالاً دون العاشرة إلى الاحتجاز بسبب التقاط أحدهم حصى في كفه الصغير، ثم يرسل الجرافات لهدم بيت أهله ورميهم في الشارع لأنهم يربون إرهابياً. هذا الكيان قصف أطفالاً يستحمون ويلعبون على شاطئ البحر وقصف تلاميذ المدارس وقت ذروة الانصراف في غزة وداس على السكان في جنين بالدبابات في بيوتهم وأحرق أطفالاً رضعاً مع أمهاتهم بعد أن أغلق عليهم الأبواب.
هذه مجرد حقائق تتكرر يومياً منذ عام 1948م، ومن ينساها خائن لدينه ووطنه وقومه. طبَّعت بضع أنظمة عربية مع هذا الكيان منذ زمن ولكن شعوبها لم تشارك ومن غير المحتمل أن تشارك في التطبيع مهما طال الزمن وتتابعت الأجيال.
هل يستطيع عاقل أن يفكر بالتطبيع مع الحكومة العنصرية الأخرى في المنطقة، الحكومة الإيرانية؟.. الإجابة هي الرفض ونفس المنطق ينطبق على العنصرية الصهيونية. بسبب القلاقل التي أحدثتها التدخلات الأجنبية وما تلاها من زوابع الثورات والإرهاب المذهبي من كل نوع وجدت الحكومات العربية نفسها في موقف المدرك لضرورة التصالح مع أديان وعقائد ومذاهب الآخرين، طالما أنهم لا يحتلون أرضاً عربيةً ولا يهاجمون العرب في ديارهم وأوطانهم. هذا الوضع يعني التصالح مع الدول ذات الأديان والعقائد والمذاهب المغايرة لقناعاتنا الدينية والعقدية، تلك التي أدخلنا معها التطبيق العاطفي والجاهل لفقه الولاء والبراء في عداوات لا مبرر لها، ويعني أيضاً التحالف مع أكبر عدد ممكن من الدول التي تعرض علينا الصداقة والتعاون لصناعة المستقبل. واقع الحال هو أن الجزء الأساسي والأهم من هذه الدول يضغط على العرب منذ عام 1948م للتصالح ليس مع اليهودية كديانة وإنما مع الصهيونية السياسية الأكثر عنصرية على وجه الأرض على الإطلاق. الصهيونية ليست ديناً بل إيديولوجيا سياسية وهي الأشد احتقاراً وتنكيلاً واغتصاباً للحقوق الدينية والجغرافية العربية وهي الأخبث في استثمار العنصرية الدينية للتوسع والاحتلال.
المقارنة بين شرين، الإيراني والصهيوني واجبة. الحكومة العنصرية المذهبية في إيران زائلة بأسرع مما نتصور بفعل الرفض الداخلي لها وبمقاومة شعوب الجوار من خارجها. لكن الجوار معها كجغرافيا أزلي وضارب في أعماق التاريخ. إيران كجارة جغرافية حقيقة باقية في الزمان والمكان. أما الشر الصهيوني فمشروع احتلال طارئ على الجغرافيا والتاريخ مزروع من الخارج، توسعي بدون حدود معروفة حتى الآن وأشد خبثاً وأقوى إمكانيات من المشروع الإيراني الزائل. منذ زيارة الرئيس السادات لإسرائيل ومزامير التطويع تعزف في البلدان العربية والمجسات الدبلوماسية تسبر وتنقب في كل مكان، ولكن التصالح مع الأديان والمذاهب والعقائد بما فيها الديانة اليهودية يختلف جذرياً عن التطبيع مع العنصرية الصهيونية.
هذا ما تعيه الشعوب الإسلامية (القدس والمسجد الأقصى) والعربية (فلسطين عمر بن الخطاب) وهذا ما يجعل تطبيع الشعوب مستحيلاً باعتباره نهاية مفجعة للثوابت الدينية والوطنية الحقيقية.
بقلم/ د. جاسر الحربش