"BDS" تحقق الانتصارات رغم التغول الإسرائيلي

بقلم: علي الصالح

في إطار حملة ترهيب منظمة، تصعد إسرائيل الحرب على الحركة الدولية لمقاطعتها وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها، أو ما أصبح يعرف عالميا بمختصر "BDS".
وترمي إسرائيل من هذه الحملة إلى تحقيق غرضين، الأول إلصاق تهمة معاداة السامية بناشطي الحركة. والغرض الثاني إثبات عدم قانونية وشرعية نشاطهم في بلادهم عبر الضغط على حكومات الدول المعنية.
واختارت إسرائيل هذه المرة أن تكون إسبانيا ساحة الوغى مع "BDS" باعتبارها البلد الذي احتضن الحركة اكثر من غيره، ومنه انطلقت إلى سائر انحاء المعمورة.. وها هي إسرائيل واذنابها ووكلاؤها على وشك تحقيق انتصار وإن يكن تكتيكيا على "BDS" في إسبانيا عبر دعاوى قضائية رفعتها أمام محكمة إسبانية، ضد ناشطين بتهمة التحريض على الكراهية ومعاداة السامية،. وإن نجحت هذه الدعاوى فقد تصدر المحكمة أحكاما بالسجن ضد الناشطين.
وجاء في بيان عن مجموعة من الناشطين المناصرين للقضية والحقوق الفلسطينية في اسبانيا، نشرته اللجنة التنسيقية العليا لمواجهة الجدار والاستيطان، وحملة المقاطعة الدولية، أن تسعة ناشطين يواجهون أحكاما بالسجن قد تصل إلى اربع سنوات، إذا لم يكن هناك تحرك قانوني من قبل مؤسسات حقوق الإنسان لنصرتهم ومساندتهم، موضحة أنهم سيواجهون هذه الأحكام في غضون أيام.
والتهمة الموجهة إلى هؤلاء الناشطين أنهم في صيف عام 2015 ضغطوا من أجل سحب الدعوة للمطرب اليهودي الامريكي متيسياهو للمشاركة في مهرجان "روتوتوم صنسبلاش" في بلدة بن قاسم القريبة من مدينة فلنسيا، وبالفعل سحبت إدارة المهرجان الدعوة واشترطت عليه أن يعلن موقفه من الدولة الفلسطينية. واضطر المنظمون إلى التراجع عن قرار سحب الدعوة بعد استنكار الحكومة الاسبانية والمنظمات اليهودية التي أدانت القرار.
وتزامنت الدعوة ضد الناشطين، مع قرار مدع عام خاص بما يسمى جرائم الكراهية، في إسبانيا، بدأ التحقيق في مزاعم أن مجلسا بلديا محليا يتحمل المسؤولية عن التحريض والكراهية جراء مقاطعته المعلنة لاسرائيل. واصدرت المحكمة في الشهر الماضي قرارا يلغي مقاطعة إسرائيل في المجلس البلدي لمدينة خراكو الساحلية الواقعة إلى الجنوب من مدينة فالنسيا. وكان المجلس قد اصدر في ربيع 2016 قرارا يلتزم بموقف "BDS" ويعلن المدينة "مكانا خاليا من العنصرية الاسرائيلية" لينضم إلى50 مجلسا بلديا آخر، تعتبر نفسها خالية من العنصرية الإسرائيلية في جميع أنحاء إسبانيا.
وسبب تركيز إسرائيل ولوبياتها على إسبانيا هو أن من يقف وراء النجاحات الكبيرة لـ"بي دي اس" هو تحالف مجموعات يسارية بقيادة الحزب الصاعد "بوديموس" الذي يسيطر على مجالس بلديات ثلاث مدن رئيسية، وهي اضافة إلى العاصمة مدريد، برشلونة وفلنسيا. وإن حققت إسرائيل انتصارات في بلد مثل إسبانيا، حيث التأييد لفلسطين كبيرا وكذلك لـ"BDS"، فإن ذلك سيجعلها تستأسد. وإذا ما تركت الساحة لها كي تسرح فيها وتمرح فقد تكون لذلك انعكاسات سلبية على ساحات اخرى.. وهذا ليس المراد، وهذا ما يجب أن لا يسمح به. وكي لا تنال إسرائيل واذنابها، مرادها، يتطلب ذلك من جميع ناشطي "BDS" ومؤيديهم وانصارهم، التحرك الفوري وتظافر الجهود وتكثيف العمل والوقوف وقفة رجل واحد، دفاعا عن هؤلاء الناشطين الذين يعملون وفق ما تمليه عليهم ضمائرهم الحية وقناعاتهم الشخصية ولا يتقاضون مقابل نشاطاتهم، وليس في ما يفعلون مردودا ماديا أو فائدة شخصية.
وما يقلق مضاجع إسرائيل ويرعبها هو أن تترعرع "BDS" وتنمو وتكبر بسواعد شبابها ومثابرتهم وصبرهم، وتنجح في تحقيق النتائج التي حققتها حركة مناهضة الابرتهايد (الفصل العنصري) وحكم الاقلية البيضاء في جنوب افريقيا ذات الاغلبية السوداء، التي انتهت بزوال العنصرية وعودة الحق لاصحابه. ولو لم تكن كذلك لما خصصت إسرائيل ملايين الدولارات واستحداث دائرة في وزارة الامن العام والشؤون الاستراتيجية، التي يقودها غلعاد اردان، لملاحقة ومطاردة "BDS" وناشطيها في اماكن تواجدها.
صحيح أن العدو هنا مختلف… وإسرائيل ليست أقلية بيضاء، بل هي قوة استعمارية استيطانية احتلالية، تحظى بتأييد عالمي غربي رسمي ودعم غير مسبوق، خاصة من الولايات المتحدة التي تقف إلى جانبها، تسلحها وتدعمها ظالمة أو مظلومة، وهي بلا شك ظالمة، بفضل النفوذ الصهيوني ورأس المال اليهودي المتنفذ في المؤسسة الحاكمة وفي كل نواحي الحياة هناك، ما يعني أن الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا لا يمكن أن يتخليا عنها بسهولة، على الاقل على المدى المنظور. ولكن لا بد لهذا التأييد أن يتآكل وإن لم يمكن بالسرعة التي نتمناها.
وهذا بالطبع يتطلب عملا مضاعفا على كل الجبهات، فإسرائيل تعد لمعارك على اكثر من جبهة، مستخدمة طبعا السلاح التقليدي والتهمة الجاهزة هي، معاداة السامية التي لم تعد كما ذكرت في مقالات سابقة البعبع الذي ترعب به العالم، كما كان الوضع في السابق، خاصة في اوساط الشباب الذي تحرروا من عقدة النازية. وهنا مربط الفرس إسرائيل متخوفة من هؤلاء الشباب الذين سيشكلون قيادات المستقبل، ومتخوفة من إمكانية فقدان هذه السيطرة إذا ما استمرت نجاحات حركة المقاطعة في اوساط قيادات المستقبل.. لن تتنازل اسرائيل بسهولة عن انجازاتها حتى إن اضطرها الامر للجوء إلى التصفية الجسدية، وهو ما حذر منه ناشطو "BDS" في العالم، وحيثما يوجد لإسرائيل اذرعها ووكلاؤها.
ورغم هذه الهجمة الصهيونية الشرسة، فان "BDS" تواصل نجاحاتها. وكان آخر هذه النجاحات انسحاب العديد من أشهر لاعبي كرة السلة في الولايات المتحدة من زيارة نظمتها وزارة السياحة الإسرائيلية لتحسين صورة اسرائيل. وحسب ما ذكرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، فإن الحكومة الإسرائيلية تلقت ما وصفته بـ"لطمة مخجلة" بعدما تبين أن أقل من نصف أعضاء الوفد (5 من 11) فقط شارك في الرحلة الترويجية. ورفض البقية المشاركة في هذه الرحلة مدفوعة الثمن. وقال مايكل بارنيت احد اللاعبين "عندما أقرر زيارة إسرائيل فإنني سأزور الضفة الغربية وقطاع غزة حتى أرى كيف يعيش هؤلاء الفلسطينيون الذين يعتبرون هذه الارض ارضهم منذ آلاف السنين، حياتهم.
وتحقق "BDS" أيضا مزيدا من التأييد في الولايات المتحدة، خاصة في اوساط الأرثوذكس اليهود الأمريكيين، الذين يدعمون حملة المقاطعة الكاملة لإسرائيل.
وها هو العالم الفيزيائي البريطاني ستيفين هوكينكنغز وهو أشهر الفيزيائيين في العالم، المعروف بمواقفه المناهضة للاحتلال الاسرائيلي، يصطف إلى جانب الفلسطينيين، ويشرف على جمع التبرعات لطلبة الفيزياء الفلسطينيين. وقد دعا اتباعه على فيسبوك (3.8 مليون) لدعم كلية الماجستير في مادة الفيزياء في الضفة الغربية.
وللتذكير فقط.. فقد تأسست "بي دي أس" قبل نحو12 عاما في عام 2005 الذكرى السنوية الاولى لقرار محكمة الجنايت الدولية غير الإلزامي الذي اعتبر جدار الفصل الذي بنته إسرائيل غير قانوني، ويتعارض مع القوانين الدولية. وشارك في التأسيس تحالف ضم نحو 171 منظمة فلسطينية. وسرعان ما تحولت لحركة عالمية بثلاث ركائز هي، المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، والكشف عن ممارسات الاحتلال وفضح عنصريته، ووقف كافة أشكال التطبيع معه، ومقاطعة الشركات الداعمة له. وانتشرت الحركة خلال هذه السنوات القليلة ليمتد نشاطها ونفوذها من كندا والولايات المتحدة إلى الدول الاوروبية في الجامعات والنقابات والاوساط الفنية والاكاديمية والرياضية، لتصبح قوة يعتد بها وترهبها إسرائيل.
واختتم بالقول، لا بد أن تتكاتف حركات المقاطعة وتهب هبة رجل واحد دفاعا عن نفسها، وألا تقف مكتوفة الأيدي، وألا تجعل العدو المشترك يستفرد بها واحدا تلو الآخر، كي لا تضطر إلى القول أكلت يوم أكل الثور الابيض، عندئذ يكون الأوان قد فات ولن ينفع الندم.

علي الصالح
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"