في وجه مقامرات تعرفت على القيادى يحيى السنوار ( ابو ابراهيم ) في نوفمبر 1990 ، بأقسى عزل عرفته الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة ، والمتواجد بسجن الرملة قسم نيتسان تحت الأرض ، ومكثنا سويا عامين متواصلين بظروف قاسية جدا بصحبة العشرات من قيادات حركة حماس منهم الشهيد الشيخ صلاح شحادة والشهيد الشيخ اسماعيل ابو شنب ، ومجموعة من المناضلين الذين قاموا بعمليات نوعية خلفت قتلى جرحى من الاسرائيليين في انتفاضة عام 1987م .
كنت دائم الاحتكاك بالقيادى السنوار في تلك الظروف الصعبة داخل القسم وساعات الفورة ، وإلى ما بعد عامى العزل في نيسان بسجون متفرقة حتى حريتى في العام 2005 ، فوجدته يؤمن بالواجب والتسلح بالارادة على الامكان ، وكان شعاره دوماً آية قرآنية لطالما رددها وحفظتها من على لسانه ( ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون ) ، فهو لا يعرف للخوف أو الجبن طريق ، كنا نواجه جنود وسجانين مدججين بالهروات والسلاح بالقليل من الأدوات التى نمتلكها ، فمرات هاجمونا بالهروات وأخرجونا فرادى واعتدوا علينا بوحشية حتى كسروا عظامنا ، وأخرى لقناهم درساً وصلت لتشفير السجانين والرد على اعتداءاتهم علينا بوسائل عنيفة أخرى .
فالقيادى السنوار وفق تجربتى محسوب على التيار الصقرى لحركة حماس ، ودائم الاعداد والاستعداد ، ولا يخشى مواجهة المحتل داخل المعتقلات وخارجها ، كونه يؤمن بحتمية الصراع واقعياً وتاريخياً ودينياً حتى النهاية .
وخلال الاعتقال كان يتمتع القيادى السنوار بعلاقات قوية مع القوى الوطنية والاسلامية في داخل السجون ، ولم يقلل من قيمة أى فصيل فلسطينى مهما كان حجمه ، ولم نشهد عليه في اطار الحركة الأسيرة وحتى بعد التحرر أى تشنجات أو توترات عصبية وحزبية مع الآخرين ، لذا أعتقد أنهم سيكون أكثر ميلا للوحدة الوطنية والمصالحة الفلسطينية وتفهم الآخرين .
كما أنه قارىء وكاتب ممتاز ، ويميل خلال دراسته في الجامعة المفتوحة في اسرائيل باللغة العبرية خلال الاعتقال للقضايا السياسية والأمنية ، والتعرف على تجارب حركات التحرر العالمية ودراسة التاريخ ، ورغم أنه قليل الظهور بعد التحرر ، فهذا لا يعنى التعمق بالعمل السرى والأمنى ، فهو يمتلك أفق وتنبؤ سياسى واسع ، ولا يختزل القضية الفلسطينية بالجانب الوطنى ، بل يؤمن بالعمق العربى والاسلامى في قضية التحرير والصراع مع اسرائيل ، وسيدفع الحركة لتعزيز تحالفات قديمة ، وفتح علاقات جديدة على أساس الاسلام وفلسطين .
أعتقد أن ترأس القيادى السنوار لحركة حماس في قطاع غزة يخدم الواقع الفلسطينى ، لان اهتمام دولة الاحتلال بهذا الحجم بانتخابه يشكل حالة ردع حقيقية ، التى لطالما عودتنا عليها بانتخاب شخصيات عرفت بصقوريتها ومواقفها داخل الأحزاب الاسرائيلية ، وبلورة ائتلافات حكومية أبرزت شخصيات بهدف الردع أمثال شارون قديماً ، وليبرمان وزير الحرب ، وبينيت وزير التربية والتعليم في الائتلاف الحالى .
وأعتقد أن التخوف من شن حرب مستقبلية أو أى حالة تصعيد على قطاع غزة من جانب دولة الاحتلال لن يكون مبرره زعامة القيادى السنوار لحركة حماس لساحة غزة ، لأن الاحتلال لا يحتاج لمبرر لشن حرب ، ويدرك أن حركة حماس هى حركة مؤسسات وقرارها جماعى ، وأن انتخاب السنوار بوجود قيادات تاريخية برفقته لن يشكل طفرة ستغير مسار الحركة رأساً على عقب ، كما أنه شارك على مدار خمس سنوات في أهم القرارات للحركة بعد تحرره كعضو مكتب سياسى ويترأس ملفات مهمة وحساسة خلال انخراطه في العمل الحركى ، ولذلك ستحافظ حركة حماس على سياستها مع فارق التطور الطبيعى تدريجياً بوجود شخصيات جديدة ضمن ظروف ومستجدات سياسية اقليمية ودولية ، من الطبيعى ستحتاج فيها لمواقف تتوائم مع المستجدات فى ظل تلك المتغيرات .
هنالك شىء مهم لصالح حركة حماس خلافاً للحركات الأخرى أنها ضخت دماء جديدة تملك مستوى تعليمى عالى ، وتاريخ ناصع ، وتجربة تاريخية واعتقالية في عصب الحركة إلى جانب القيادات التاريخية ، التى لم تستبعدها ، وبهذا الحضور شكلت حالة ردعية للاحتلال بمراهنات مستقبلية على الحرب ، التى لن تكون نزهة بوجود تلك الشخصيات وما تملك من رؤية وارادة .
بقلم/ د. رأفت حمدونة