وننتظر نفيا مؤنسا!

بقلم: سري سمور

هذا المقال سيكون الأخير في هذه السلسلة التي بدأتها في أيلول/سبتمبر من العام الماضي 2016 ولقد كنت أريد التوسع أكثر وخططت أن تكون السلسلة نحو 25 مقالة على الأقل، ولكن جريان الأحداث، يجبر المرء على أن ينقطع عن السرد والتعليق عما وحول ما كان سابقا، ولأن أشياء جرت مؤخرا ربما هي أكبر البراهين وأقوى الأدلة على الفكرة العامة، ولأننا كما يبدو نتجه إلى أمور تحتاج تعقيبا آنيا سريعا، فقررت أن تكون السطور التالية نهاية أو قطعا للسلسلة نظريا، مع أنها ليست منبتة عما قبلها وعما بعدها في ما يخص فلسطين عموما، وأرى أن الكتابة عن أحداث آنية قادمة تحتاج إنهاء هذه السلسة الآن.
 

(19)  مزاعم لا ينفيها أهل الشأن!  

 

في الأيام والأسابيع الماضية، كثرت التصريحات الإسرائيلية عن وجود تحالف بين إسرائيل والدول العربية، ونتنياهو كرر هذا الكلام في أكثر من مناسبة، كما تردد في أوساط سياسية وأمنية وإعلامية مختلفة في الكيان العبري...الغريب أن نفيا أو تكذيبا لم يصدر البتة من أصحاب الشأن أي العرب، سواء من المستوى السياسي أو حتى الإعلامي المقرب من دوائر صنع القرار العربية، ومع أن النفي وحده لا يعني أن نتنياهو يؤلف ويختلق، حتى و الكذب أبرز صفاته بالتأكيد، ولكن بالنفي (قد) تأنس النفوس وتطمئن ولو قليلا، ولكن عدم النفي يرينا عمق الدرك الذي وصل إليه الوضع العربي.

فإذا كنت في المقالات السابقة قد أشرت إلى تقاعس أو تخاذل أو رغبة في الاحتواء في التعامل مع القضية الفلسطينية من قبل النظام العربي الرسمي عموما، فإن الحال قد وصل إلى ما يشبه التحالف الفعلي أو الضمني، وهذه لعمري طامة كبرى...وسأقتبس شيئا من كتاب (إعادة رسم الخرائط) للروائي الراحل د.عبد الرحمن منيف حيث يقول في ص182 :-

((إن القضية الفلسطينية بمقدار ما يمكن أن تكون رافعة للوضع العربي بمجموعه، في حال وضع استراتيجية صحيحة بشأنها، فإنها يمكن أن تغرق المنطقة العربية بأسرها في حال اتخاذ مواقف خاطئة أو انتهازية كما يمكن للطرف أو الأطراف الأخرى المعنية بهذه القضية، إذا تمتعت بقدر من الذكاء والقدرة والتأثير، أن تستثمر لحسابها الأخطاء التي تقع والنواقص التي تشوب المواقف العربية خاصة وقد ظهرت في السنوات الأخيرة فجوات لدى عدد غير قليل من المثقفين الذين دعوا إلى القبول بإسرائيل وضرورة التعايش معها ضمن موازين القوى الراهنة))

حديث منيف السابق كان في سنة 2003 ولا أدري ما كان سيكون تعقيب منيف على ما وصل إليه الحال بعد 14 سنة، وأريد فقط أن أعقب على موضوع المثقفين في كلامه؛ فإذا كان الساسة يلتمس لهم العذر في موقف، أو أننا سلمنا أن الخوار حالهم، والوهن أدق أوصافهم، فإن المثقفين كانوا دوما الحصن الأخير للأمة الذي تأوي إليه، وتأخذ منه عزيمة وطاقة كي تسترد حصونها وقلاعها المنتهكة، لا أقول هذا الكلام من باب ترديد شعارات عاطفية، بل هكذا كان الحال فعلا في تاريخ الغزوات والنكبات التي تعرضت لها الأمة، والمثقف سواء أكان عالم دين، أو كاتبا أو فنانا أو غير ذلك هو-كما يجب ويفترض- ضمير الأمة الحي، الذي يعبر عن تطلعاتها وآمالها، ويشحذ فيها الهمم، فكيف إذا صار المثقف داعيا إلى قبول أن فلسطين صارت (إسرائيل) وليس هذا فحسب بل على الأمة أن تتعايش مع هذا الواقع وتتكيف معه؟ فعلا يحق لبنيامين نتنياهو أن يفاخر ويعلن ويصرح بما يقوله عن حلفه مع العرب، لأول مرة منذ تأسيس كيانه، فإذا كان المثقفون العرب قد خلعوا عراهم الوثـقى، فأي لوم على الساسة الذين عبر الزمن كان همهم الحفاظ على كينونـتهم بقليل أو كثير من الخسائر؟

ولهذا تطول حالة الصدمة التي تقربنا من البلاهة، ونحن نرى صمتا مريـبا من الساسة، وكأنه إقرار وتأكيد لتصريحات نتنياهو وغيره(السكوت علامة الرضا)، يوازيه بل يتواءم معه صمت من المثقفين في حواضر العرب، ليس صمتا بل سباقا مع الساسة، ومهاجمة الضحية والتماس الأعذار للجلاد، من بعض الإعلاميين العرب...اللهم إليك نشكو هذا الداء والبلاء!

 

(20)  نحتاج إلى...!

 

اطلعت على دراسة أعدها د.عدنان مسلّم، وهو محاضر في جامعة بيت لحم، عن موقف مصر من القضية الفلسطينية، يشير فيها إلى حملة إعلامية في مثل هذا الشهر شباط/فبراير سنة 1990م أي قبل 27 سنة، استهدفت الحملة قيادة م.ت.ف خاصة أبو عمار وأبو إياد، والحملة الجائرة كانت في الصحف الكبيرة، لا الصغيرة الهامشية أي أن الحملة كانت في كبرى الصحف المصرية كالأهرام والأخبار، طبعا هذا لا يعني نسيان حقيقة وجود صحف وصحافيون مصريون   مشهود لهم بمواقف مشرفة تجاه فلسطين وشعبها؛ ولكن نحن نتحدث عن الصحف الكبرى ورؤساء تحريرها، والتي تعبر ضمنا عن أفكار صناع القرار...هذه الهجمة كانت إبان انتفاضة الحجارة التي وحدت إلى حد كبير صفوف الشعب الفلسطيني، أي قبل الانقسام الفلسطيني بسنين طويلة طبعا، وقبل الجدل حول علاقة حركة فلسطينية بأخرى مصرية، وقبل الأنفاق واقتحام السجون وأحداث سيناء ووو...كل ما حدث، أو يقال بأنه حدث في السنوات الأخيرة، واتخذه إعلاميون مصريون ذخيرة كي يهاجموا طرفا فلسطينيا مختلفا هذه المرة، أي أن الهجمة الإعلامية عبر أكثر من عقدين، طالت كل الطيف السياسي الفلسطيني...ومن الغريب أن هذه المسألة لم تلفت نظر بعض الإعلاميين والمواقع الإعلامية الفلسطينية، التي بدا وكأنها تبرر أو تسوّغ الردح الذي تصدّر له بعض الإعلاميين في مصر في بضع سنين خلت، ودون أن يكون لدينا حساسية مرهفة بأن القادة والشهداء وحدة واحدة(عرفات والياسين والشقاقي وسعدات وغيرهم)، حتى ولو اختلفوا مع بعضهم أو اختلف عناصرهم أو تخاصموا مع بعضهم؛ وأنه لا مسوّغ ولا مبرر لأي إعلامي مزعوم أن يتطاول، وألا ننخدع بأن الهجمة هي ضد طرف فلسطيني بعينه، قد ارتكب ما يجعلها مبررة، لأن الدليل الذي ذكرته واضح أمامنا؛ فكل فترة زمنية توجه القذائف الإعلامية نحو اتجاه أو قائد أو حركة أو حالة كفاحية(أنيس منصور هاجم انتفاضة الحجارة، وإعلاميون آخرون لاحقا وحاليا يهاجمون المقاومة المسلحة!!).

خطر لي وأنا أستعرض حالنا، حالة الإصلاحيين والمحافظين في إيران، وكيف أنهم في خدمة الأمن القومي لبلادهم، وكيف أن قضية اسم الخليج(يسمونه الفارسي) عندهم جميعا مقدسة، بل إن من يعملون في البرنامج النووي لا يهيمون عشقا في الولي الفقيه؛ ولكنهم ينظرون إلى (إيران نووية) بإصلاحييها ومحافظيها، لمن تلتزم بالتشادور، ولمن تتحين الفرص كي تظهر ما يمكن من جسدها، لمن يحمل الغلّ للولي الفقيه، ولمن هو متيّم به...بل أقول: لو  أن (مريم رجوي) المطلوب رأسها ورأس من معها وصلت إلى الحكم في طهران؛ فإنها لن تقبل بأن يكون اسم الخليج إلا (الفارسي) ولن تعيد الجزر إلى الإمارات ولن تكون رحيمة مع العرب الأحوازيين؛ هذا مع أنها قد تأمر بأن يشنق كل معمم بعمامته، ولكنها في القضايا القومية الرئيسة ستكون متشددة أكثر من الخميني نفسه...تماما مثلما رأينا خاتمي الإصلاحي ونجاد المحافظ يحملان نفس الفكر في قضايا بلدهم المركزية...مهلا مهلا، لست في معرض التسويق للقوم، ولست راضيا عن سياساتهم عموما، ولكن أيضا وبصراحة أنا لا أنكر أنني أحلم بأن يكون لدينا ذات المشاعر في سلوكنا السياسي والإعلامي، فيما يخص قضايانا الوطنية الكبرى.

فينتفض الفتحاوي مدافعا عن الحمساوي إذا تعرض له إعلامي يزعم أنه عربي وهو من دعاة التطبيع، والعكس كذلك، وإن كانا لبعضهما مبغضين، وينافح اليساري عن الإسلامي، ولا يتشفى به إذا نهشته بعض الألسنة البذيئة في فضائية عربية أو غربية ما...أنا أحلم؟ربما ولكنه حلم جميل، وفي ذات الوقت إذا لم نحاول تحقيق هذا الحلم، فإن علينا انتظار ربما قوة عربية-إسرائيلية علنية مشتركة، وجرأة على طرح حلول ومبادرات هي محرمات في نظرنا...إذا كان نزار قباني قبل حوالي عقدين خاطب قادة العرب (أحبوا بعضكم قبل أن تنقرضوا) فإن النداء يجب أن يكون منا وفينا وإلينا معشر الفلسطينيين(احموا بعضكم قبل أن تفيقوا على نكبة جديدة!).

،،،،،،،،،،

الخميس 26 جمادى الأولى  1438هـ ، 23/2/2017م

من قلم:سري عبد الفتاح سمّور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين