نميمة البلد: الفساد وجدارة المصداقية ... ومفتي غزة

بقلم: جهاد حرب

(1)   تحقيقات الفساد ... وجدارة المصداقية

علت، في الآونة الأخيرة، اخبار اجراء تحقيقات ابتدائية في قضايا فساد تجريها السلطات المختصة مع بعض السياسيين، طبعا ليست في بلادي، ففي إسرائيل تجري الشرطة تحقيقات مع رئيس الحكومة الاسرائيلية بسبب هدايا تلقها من رجل أعمال، واتصالاته مع صاحب جريدة يديعوت أحرنوت وغيرها. وفي فرنسا مع مرشح اليمين فرانسوا فيون لرئاسة الجمهورية حول حصول زوجته اثناء عضويته مجلس الشيوخ وابنائه في عضويته في مجلس النواب على رواتب دون اثبات عملهم كمستشارين "بشكل وهمي"، وكذلك تعيين مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان حارسها الشخصي وسكرتيرتها "بشكل وهمي" كمساعدين لها على حساب الاتحاد الاوروبي. فيما استقال مستشار الامن القومي مايكل فلين للرئيس دونالد ترامب قبل استلامه مهام منصبه لأنه قدم معلومات مجزأة لنائب الرئيس السابق عن اتصالاته مع مسؤولين روس.

في جميع الحالات المذكورة آنفا تم الإعلان عن التحقيقات التي تجريها الشرطة أو الأجهزة المختصة قبل ان يُقدم أيا منهم للمحاكمة، ومعظمها جرت بناء على تقارير إعلامية وتحقيقات استقصائية. هذا الامر لم يقلل من مكانتهم ولم يثنيهم عن استكمال عملهم أو حملتهم الانتخابية باستثناء الأخير "مايكل فلين". كما أنهم لم يحتجوا بسمعتهم أو جرح كبريائهم بل استمر ت الجهات المختصة في تحقيقاتها، وفي الوقت نفسه استمرت وسائل الاعلام المختلفة في تحقيقاتها وتوجيه انتقاداتها. وسواء أحالت هذه الأجهزة للمحاكمة أو أعلنت عن عدم كفاية الأدلة سيثق الجمهور بقرارها.

وهي بذلك تمثل بعمق المساءلة الاجتماعية التي تقوم بها وسائل الاعلام من خلال الصحافة الاستقصائية للمساهمة في مكافحة الفساد. كما أن الاعلان عن نية التحقيق مع أحد المسؤولين السياسيين في قضايا محددة تمثل ليس فقط مكاشفة مع الجمهور بل الثقة بالنفس لأجهزة التحقيق الكامنة في مصداقية المؤسسة لدى المواطنين. فكسب ثقة الجمهور والحصول على جدارة المصداقية هو الاستحقاق الأمثل أو غاية المؤسسة والنظام السياسي. وهذه دعوة للإفصاح عند البدء في التحقيقات مع الشخصيات السياسية لكسب الثقة لدى الجمهور والمصداقية في الأداء.

 

(2)   مفتي غزة ... وسوء النوايا

حملت فتوى "مفتي غزة" قسمين أحدهما يتفق مع المنطق وهو المتعلق بمعاملة الطفل اللقيط معاملة الطفل اليتم، ونفق أيضا على أن والديه مجرمان بسبب القاء هذا الطفل على قارعة الطريق وحرمانه حياة طبيعية.

 لكن القسم الثاني حمل أمرين يشيران الى تعصب وتطرف وغياب النوايا الحسنة في تفكير المفتي أو بالأحرى طغيان السواد واستباق السيء بدلا من التريث وتقديم النوايا الحسنة وهو ما يتعلق باستباق أية تحقيقات رسمية واعتبار أن هذا الطفل قد جاء بسبب علاقة "محرمة" ولم يفكر للحظة أن ما قدم عليه الفاعل أو الفاعلة بالتخلي عن ابنهما جاء نتيجة العوز والضيق أو خلافات عائلية أو لأي سبب آخر؛ وهي جميعها بكل تأكيد لا تدعو الى القيام بهذه الفعلة.

الامر الاخر يتعلق بالعقوبة التي أصدرها المفتي القاضية بالرجم في الحياة حتى الموت وهي تمثل دعوة للقتل من ناحية وتجاوز للقانون الفلسطيني الذي يحدد عقوبة هذا الجرم "العلاقة المحرمة" ان ثبتت من ناحية أخرى. الا ان الامر الاخطر انه لم يتوقف أيا من المسؤولين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة على حد هذه الفتوى.   

جهاد حرب