تكالب العالم على سوريا، وما وصلت إليه الصراعات الإقليمية هو الصورة الكبرى لخارطة التحالفات الدولية، والإقليمية وكيف تتبدل وتتغير وكيف تتلاقى؟ أسئلة كثيرة، وتساؤلات مختلفة يطرحها هذا التغير بإمكاننا حصرها فيما يلي :
1- إذا بالإمكان أن يكون النصر في حلب صفحة جديدة في تاريخ سوريا وبدء نهاية الحرب باتفاق بين الروس، والأمريكان وأن ما حدث هيأ الأرضية لجلوس الكبار وإنهاء مأساة سوريا؟.
2- هل إيران فازت فعلاً أم أنها استنزفت وتتوق لحل سياسي بعد خمس سنوات من القتال ؟
3- هل دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها السعودية ستشهد تراجعاً عن موقفها من سوريا خاصة وأن حربها في اليمن تبدو أكثر أهمية من سوريا؟
4- أين المعارضة السورية الأساسية، والتي جلست يوماً من الأيام على المقعد السوري في جامعة الدول العربية، والتي كانت تؤهل كحكومة انتقالية للحل في سوريا ؟
5- مع وجود الرسائل الدولية من الغرب وبالأخص أمريكا فيما يخص سوريا ماذا تعني الدعوات الخليجية بترك الملعب للأقوياء، والانكفاء على مشاكلها الخاصة، وخاصة ما يتعلق بالحدود السعودية الشرقية والجنوبية؟ وماذا يعني الانفصال عن المنطقة العربية والعمل ضمن حدود بلاد النفط ؟
6- هل تصالح تركيا مع روسيا بعد أن راهنت عليها السعودية، وتراجع الموقف المصري وتباينه مع السعودي فيما يخص سوريا سيفتح طريقاً جديداً في التفكير الخليجي فيما يخص اهتماماتها في الجغرافيا غير الخليجية؟
7- أين ستذهب السعودية في موقفها من الإخوان المسلمين ذلك الموقف الذي باعد بينها وبين مصر؟ وأين ستقف من تركيا بعد أن راهنت عليها ونسقت مواقفها معها كممثل للمسلمين السنة.
تلك الأسئلة من العديد من التساؤلات التي تحيط بمشكلات المنطقة، وهي وإن تفتح الباب لنقاشات عدة إلا أنها تواجه في نفس الوقت عدة معطيات يجب عدم إهمالها في تحليل الوضع الراهن ومن تلك المعطيات التالي :
1- اختارت الولايات المتحدة الأمريكية منذ البداية تقييد تدخلها في سوريا لأنها لا تريد الغرق في مغامرة عسكرية أخرى في الشرق الأوسط تضطرها لإرسال قوات برية، فالعراق وأفغانستان كانتا درساً للأمريكان لذلك هم يريدون الحفاظ على مصالحهم دون التورط في الحرب.
2- نجاح بوتين حتى الآن لم يكن لقوة روسيا بقدر ما هو مقترن بتجاهل الآخرين له، والسماح له بتحقيق تلك النجاحات، وهذا ما ظهر للجميع فروسيا ليست الاتحاد السوفيتي، وهذه ليست الحرب الباردة، وهدف الروس هو ضمان مصالحهم الحيوية، وعبر عن ذلك بوتين في خطابه المذاع على مستوى البلاد بمناسبة العام الجديد عندما رد على دعوات ترامب بتوسيع ترسانة الأسلحة النووية الأمريكية بقوله :" ‘إن سعي روسيا إلى تحديث ترسانتها النووية يهدف إلى التغلب على أي معتد، وليس الدخول في سباق تسلح لا نستطيع تحمل عبئه ".
3- لا حل عسكري حتى اللحظة في سوريا، وكل ما يحدث من تقدم على جبهة هنا أو هناك ليس سوى تحسين لشروط التفاوض حول مستقبل المشكلة السورية.
4- المجتمع الدولي ترك الشعب السوري، وظهرت هشاشته وضعفه فبعد أكثر من نصف مليون قتيل في سوريا، والكارثة الإنسانية التي دفعت الملايين للجوء لا يزال هذا المجتمع عاجزاً عن أداء دوره الإنساني المنوط به.
5- تركيا لا تستطيع التورط أكثر، وهي تدافع عن مجالها الحيوي جنوب و شرق البلاد، واقتصادها لا يمكنه الصمود أكثر إذا ما تجاوزت الخطوط المرسومة لها، وبذلك تتحرك بدافع مصالحها وضمن حدود فالقوتان الدوليتان روسيا، وأمريكا هما من سيقرر مستقبل المنطقة في حين أن تركيا تقاتل الآن لمنع دولة كردية جنوبها وهذا أكثر ما يخيفها.
6- إيران رغم أنها تبدو ناجحة على الأرض إلا أنها لم تصطدم مع أي جيوش عربية أو إسلامية، فتلك الجيوش تخوض حرباً بالوكالة ضد النظام السوري خصوصاً السعودية وقطر الداعمين الأكبر للقوى المعارضة في سوريا، وعملياً فإيران تستنزف في أكثر من مكان، لذلك تبدو في الفترة الأخيرة أكثر ميلاً لحل سياسي في المنطقة وكذلك فعلت تركيا.
7- إسرائيل تترقب نتائج ما يحدث، وهي في النهاية المستفيد الأكبر من إضعاف الدول المحورية العربية، والفتنة الكبرى التي تعيشها المنطقة العربية، وهو ما يجعلها تحتفظ بالجولان، ولا تقبل دولة معادية على حدودها أياً كانت، وأي حل سيكون لها تأثير به بشكل لا يترتب عليه تهديدات أمنية لدولة إسرائيل.
8- دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية قد تكون مشاركاً بأي حل سياسي وبالأخص السعودية، وهذا قد يناسب السعودية وسط التهديدات التي يشهدها محيطها المباشر، بحيث لن تكون سوريا ضمن أولوياتها في ظل تدخل الدول الكبرى، فلن يفيد السعودية فتح أكثر من جبهة للقتال في ظل عدم وجود معارضة بإمكانها إحداث فرق في الداخل السوري.
9- الإجماع الدولي على بقاء النظام السوري هو تغير حدث في السنة الأخيرة، وهو بدوره يفضي لحل سياسي قد يبقي على النظام مع دمج المعارضة داخله، وهذا الأمر بالذات منوط بالتغير في الموقف الأمريكي من الحل في سوريا، في حين ستظل فكرة بقاء رأس النظام ( بشار الأسد ) من عدمه محل تنازلات في أي حلول قادمة.
جمال ابو لاشين