يا شقيري عنا سلاح

بقلم: عدنان الصباح

الذين ينتظرون ماء غيرهم يموتون من العطش

رحم الله احمد الشقيري الرئيس المؤسس لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي أشعل اكفنا وحناجرنا بالهتاف الشهير يا شقيري بدنا سلاح في زمن لم يكن بإمكان احمد الشقيري أن يحضر سكينا للقتال وقد ظل الشعار بلا معنى وبعيدا عن التحقيق قبل ان تتمكن الثورة الفلسطينية من النهوض بقضيتنا على اثر حرب عام 1967م وجلب السلاح من كل مصدر وهي أي الثورة جعلت الشعب بدل نداء يا شقيري بدنا سلاح يغني للفدائي الذي سيحرر البلاد ويطرد المحتلين وبدل نداء يا شقيري صار عنا نداء يا فدائي الذي صار مطالبا بان يجمع شمل الحبايب ويخلي رصاصه صايب وحين قرر الفدائي أن يتوقف توقفت كل الأسلحة المجلوبة إليه وسكت صوت الرصاص وعادت القضية الى بداية المشوار الطويل بعد أن تاهت الأرض ومن عليها بين حكايات المفاوضات والاتفاقيات والوساطات.

الشعب الذي يطالب الآخرين بأخذ دوره او الحلول مكانه في قضيته لن يصل الى هدفه أيا كانوا حاملين رايته حتى لو كانوا فئة منه ومن أبنائه فالقضايا الوطنية يحملها الشعب برمته ويكافح في سبيلها كل الشعب لا جزءا منه ولا فئة تأخذ لقب البطولة وتملك القوة بما يجعلها قادرة على كتابة النصر او الانجازات كما ترغب والحقيقة يكتبها الأقوياء عادة وحين يسلم شعب ما زمام أمره لفئة منه بالمطلق عليه أن يقبل منها ما تريد وما تقرر وما تراه صحيحا لأنها تصبح وبتفويض منه صاحبة القدرة على جعل رأيها هو الحقيقة المطلقة وهو ما جعل من أوسلو ولا زال نموذجا لانجاز وطني وجعل من التفاوض وسيلة وحيدة للسعي للتخلص من الاحتلال.

عادة ما تملك الشعوب القدرة على زج أعدائها في الزاوية إن هي قررت أن تصحوا بكامل طاقتها فالشعب في جنوب أفريقيا تمكن بوحدته وصموده وعصيانه المدني ومقاطعة الحكومة العنصرية وعزلها من ارضاخها لإرادته وها هي جنوب إفريقيا حرة ديمقراطية مزدهرة وقد فعلت الهند ذلك أيضا وهي اليوم نموذجا حيا للدول الديمقراطية في العالم وللتعدد والتعايش والنمو رغم إمكانياتها البسيطة والمتواضعة, في عام 1923 تمكن عمال المناجم والسكك الحديدية الألمان من إجبار الجنود البلجيكيين والفرنسيين على التراجع أمام صمودهم الجماعي ورفضهم لتنفيذ أوامر جنود الاحتلال وذلك عبر أسلوب العصيان الكامل فقط – لا زلنا نعمل في بناء المستوطنات وحتى الجدار وغيره من أنشطة مؤسسات الاحتلال على أرضنا - , وفي عام 1944 نجح مواطني الدانمارك من فرض الشلل التام للحياة في بلادهم حتى اجبروا الاحتلال الألماني على إنهاء حالة الحظر والحصار المفروضة على بلادهم – لازال الحصار على بلادنا وشعبنا مفروضا منذ قرن من الزمان - ولا زلنا نحاول بكل السبل البحث عن وسائل لإقناع المواطنين تحت الاحتلال من مقاطعة منتجات عدوهم ولم يصل الوضع بعد بثقافتنا الى تحريم استهلاك منتجات عدونا او التخاطب بلغته فيما بيننا – لا تعلمها – او مقاطعة دوائره ومؤسساته وقراراته بل إننا نتوجه علنا لمحاكمه ونتقاضى أمامها ونقبل بقراراتها بما يجعلها تبدو وكأنها نظاما ديمقراطيا حقيقيا والأنكى من ذلك أننا نشارك في انتخاباته ومجلسه النيابي ونعتبر أنفسنا جزء منه ولا زالت الخلافات تعصف بنا لدرجة أننا نقضي جل وقتنا واهتمامنا بل واهتمام ووقت حلفاءنا وأصدقاءنا بالبحث عن حلول لخلافاتنا الداخلية تاركين للاحتلال كل الوقت لنهب أرضنا منتظرين – الترياق من العراق – والعراق هنا تارة أمريكا وتارة روسيا وتارة الاتحاد الأوروبي وتارة المجموعة العربية او مجموعة الأربعة او الثمانية الكبار إلا جهة واحدة لم نفكر قط بما يمكنها فعله للتخلص من الاحتلال وهي ( نحن ) بالمعنى الشمولي المطلق لكل الشعب بكل طاقاته الكامنة والمغيبة لصالح فئة لا صفة لها سوى أنها قررت أن تحل مكان الشعب بلعبة التحرير الغائبة عن الفعل الحاضرة بكل قوة الكلمات بلا أي مضمون.

الشعب الذي ينتظر السلاح الذي تصنعه أمريكا وكل الامبرياليين والرأسماليين وأصحاب المصالح ليحرر به فلسطين هو بالضبط كم ينتظر ماء الغرباء ليرتوي من العطش فسيبقى رهنا لرغبات الغرباء او سيموت من العطش في حين أن بإمكانه أن يحفر الأرض تحت قدميه ليخرج منها الماء ويشرب دون إرادة الغرباء وماءهم فبإمكان شعبنا بكل قواه وفئاته أجناسا وأعمارا واديانا وطوائف أن يضع للاحتلال حدا ويلغيه إن هو قرر فقط أن يفعل ذلك ويخطوا خطوة واحدة موحدة الى الأمام أيا كان شكلها إن هي فقط امتلكت صفة المقاومة ورفض المحتل ومنع تسهيل مهمته بمواصلة احتلاله للأرض وفرض سلطته وإرادته على الشعب فالذين يكتفون بالعيش لمجرد العيش سيكون من السهل عليهم أن يجدوا الخبز والماء لدى أي سيد على الأرض أيا كان ما دام خلاصهم يكمن في عيشهم لا في حريتهم فالشعب بإرادته فقط يملك مخزونا هائلا من الأسلحة لا يمكن لها أن تنضب ولا يمكن للأعداء أن ينتجوا مثيلا لها فهي أسلحة إنتاجها محتكر لصالح مصانع إرادة الشعوب الحرة من أمثال الوحدة والتماسك والجوع والصبر وعدم الخنوع ورفض إرادة الأعداء ووجودهم.

الأسلحة التي ذكرتها عديدة الفاعلية فلو تمكن مليون فلسطيني من بين العشرة ملايين أن يفترشوا الأرض جوعا لن تجدي معهم كل دبابات العالم لكسر إرادتهم ولو قرر المليون اجتياح بوابات القدس بصدور عارية فهم قطعا سيصلون إن آجلا أم عاجلا وإبداعات كفاح الشعوب لا حدود لها إلا عنان السماء ولقد كان الأجدى بنا أن نهتف للشقيري بان لدينا من السلاح ما يكفي فكل ما نحتاجه فقط هو إرادة تقرر إخراج سيوف إرادتنا من أغمدتها وإشهارها جوعا, صبرا, مشيا, وحدة وتماسك, في وجه أعداءنا وحينها لن يكون لنا إلا النصر أو النصر.

بقلم/ عدنان الصباح