الأسرى الفلسطينيون وعبقرية استثمار العمر في السجون

بقلم: مصطفى أبو السعود

أن يعيش الإنسان في عزلٍ مطلقٍ عن كل الحياة في غرفة، وأن يبقى 24 ساعة وحيداً، ممنوعاً عليه الاختلاط بأحد ، فهنا الامتحان، كيف ينتصر الأسير على مصيدة العزل؟ ، وهذا مهم جداً، والله لا أبالغ، كنتُ أشعر أن وقتي قصير فكان اليوم يمر بسرعة، لكن بحمد الله كان لي برنامجي، فقرأت في زنزانتي الانفرادية في سجون الاحتلال لمدة تسعة أشهر 80 كتاباً، وألّفت أربعة أخرى، ونظمت 23 قصيدة.

هذه ليست كلمات لرجل مرفه في الحياة ، بل هي كلمات قالها الشيخ رائد صلاح، وما ادراك ما رائد صلاح سليمان ابو شقرة محاجنة، والحقيقة ان ما فعله رائد صلاح ليس جديدا على الانسان الفلسطيني الذي يقضى سنوات طويلة في سجون الاحتلال، فلو تأملنا في حال الحركة الاسيرة لوجدناها زاخرة بالابداعات الفكرية والثقافية التي نتجت عن عبقرية استمار الوقت، فالاسير المحرر الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني الدكتور فايز ابو شمالة الذي امضى في سجون الاحتلال الصهيوني10 سنوات قال لي : لم أفوت دقيقة واحدة خلف الأسوار دون استفادة ، فإما أدير جلسة ثقافية للشباب ، وإما أكتب موضوعاً، أو أقرأ كتاباً، لا وقت للتسلية واللعب والحديث الفارغ أو الإنشغال غير المبرر بأي عمل يقتل الوقت، حتى لعب الشطرنج خلف الأسوار، فكان لفترة محدودة وفي وقت الفسحة في باحة السجن، مع الأسير هشام عبد الرازق، وقلما لعبت الشطرنج في الغرفة كي لا يضيع وقتي بها لانها تأكل الوقت لساعات، كنت أستثمر الوقت ليلا على ضوء الممر،تلك فترة الهدوء الصامت ، حين ينام الأسرى وتهدأ الغرفة، كان الوقت ممتعاً حتى الفجر، وقد فزت وانا في السجن بأربعة ألاف دولار سنة 92عن دراسة أدبية ضمن مسابقة أدبية أعلن عنها مركز إحياء التراث في الطيبة.

النماذج الابداعية كثيرة فالأسير القائد مروان البرغوثى حصل على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية عام 2010 ، من معهد البحوث والدراسات العربية التابع للجامعة العربية في القاهرة ،كما حصل كلاً من الأسيرين إياد أبو خيزران و قاسم عواد على شهادة البكالوريوس من جامعة العالم الأمريكية عام 2010 ، وحصل الأسير عبد الحافظ سعدى غيظان على شهادة الدكتوراة في الإدارة العامة من جامعة العالم بالتنسيق مع جامعة بئر زيت بشهر فى أيلول لعام 2010, وحصل الأسير حاتم قفيشة على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة العالم الأميركية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف على رسالته التى كانت بعنوان " تآكل قوة الردع الإسرائيلية "، وقد أتم إعدادها داخل معتقل النقب الصحراوي، كما حفظ الكثير من الاسرى القران الكريم وكتب الاحاديث وحصلوا على السند .

الحقيقة أن السجن رغم الصورة القاتمة عنه، الا ان الانسان يمكنه تحويله لمصنع انتاج الرجال والافكار، ولمن يدرك فقه " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ " فهو فرصة اكثر من رائعة لانجاز امور لم يكن بامكانه انجازها لو كان خارج حدود السجن، حيث تنعدم الملهيات والمغريات فلا حدائق ولا متنزهات ولا زيارات اجتماعية للعائلة والاصدقاء، فكل سلوكيات المسجون مرتبطة بعقيدة السجان، فالطعام يكون بإذن والنوم بإذن والراحة بإذن.

ولم يقتصر ابداع المعتقلين على الانتاج الادبي والعلمي فقط ، بل ان الكثير من المعتقلين اسثتمروا عمرهم في السجن يتعلمون اللغة العبرية والانجليزية ، كما تعلموا فنون الزخرفة وصناعة المجسمات، وكثير من الامور النافعة.

ان اصرار الاسرى الفلسطينيون على اسثتمار عمرهم في السجون هو دليل اضافي على تحديهم للسجان الذي يريد لهم ان تضيع اعمارهم دون انجاز، ولسان حالهم يقول كما قال الإمام ابن تيمية حين قال : ماذا يفعل بي أعدائي، إن سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة، فهم مسجونون ومقومات الخلوة بالكتب والمعرفة متوفرة فيجب اسثتمار العمر الى حين وقت التحرير.

بقلم/ مصطفى أبو السعود