أردوغان الذي دخل الى العالمين العربي والإسلامي من بوابة "صفر" مشاكل مع الجيران،كأمتداد اسلامي تركي للعالم الإسلامي على حساب علاقات تركيا مع الدول الأوروبية التي رفضت وترفض دخول تركيا الى الإتحاد الأوروبي،إستطاعت ان تكسب ثقة واحترام العالمين العربي والإسلامي،واصبح النموذج التركي في الحكم،مثار انبهار الدول والشعوب العربية والإسلامية،وأصبحت تركيا الوجهة والقبلة لحركة الإخوان المسلمون،والمركز الأساسي لهم،وخصوصاً بعد سقوط الإخوان في معقلهم الأساسي في مصر،ولعل مشاركة تركيا في اعداد اسطول الحرية لرفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة،والهجوم الإسرائيلي على سفينة "مرمرة" التركية وقتل وجرح العديد من المواطنين الأتراك المشاركين في الحملة على متن تلك السفينة،وتوتر العلاقات التركية- الإسرائيلية على خلفيتها،وبما شمل سحب السفراء،زاد ورفع من شعبية النظام التركي لدى الشعب الفلسطيني،ولكن حقيقة المواقف التركية بدأت تتضح بشكل جلي وواضح،وتبرز الأطماع التركية في الجغرافيا والثروات العربية،بعد الأزمة السورية،لتنتقل تركيا في علاقاتها ومواقفها مع الجيران عرب ومسلمين من "صفر" مشاكل الى "صفر" أصدقاء،ولنجد ان أردوغان ينتقل في علاقاته ومواقفه وسياساته من النقيض الى النقيض خدمة لمصالحه الشخصية ومصالح بلاده دون أدنى حرج،ولا غرابة في ذلك،فهو يسير على هدي ومنهج حركة الإخوان المسلمين. ولكي لا نبقى في العام،فلا بد من طرح الحقائق والدلائل عبر الكثير من الوقائع والأدلة،فالجميع يدرك بأن الزعيم التركي السابق عبدالله غولن الموجود حالياً في أمريكا ،والمتهم بقيادة وتدبير الإنقلاب الأخير على أردوغان، كان المعلم والأب الروحي لأردوغان واقرب المقربين منه،ولكنه تآمر عليه وتخلى عنه وكذلك فعل مع وزير خارجيته السابق داود اغلو،صاحب نظرية"صفر" مشاكل مع الجيران،ولذلك ليس بالغريب ان يتخلى عن حلفائه عرب واقليميين ودوليين،ولعل الجميع يذكر قبل الأزمة السورية،أي قبل ست سنوات، كيف كانت علاقته بالرئيس السوري بشار الاسد،كما يقول المأثور الشعبي "حوض وروض"،ويلتقيه مرة او مرتين في الشهر،ولتأتي الأزمة السورية والعدوان الكوني على سوريا،وليكون اول المنقلبين على الرئيس الأسد والطامعين في الجغرافيا والثروات السورية،وكان وما زال احد الداعمين الرئيسيين للجماعات الإرهابية في سوريا وبالذات "داعش" و"جبهة النصرة" من خلال فتح الحدود أمامها لتهريب السلاح والإحتياط البشري الإرهابي واحتضان قيادتهم وفتح قواعد تدريب لهم بالإضافة الى قاعدة للتجسس والدعم اللوجستي،وليس هذا فحسب بل تشارك معهم في سرقة النفط السوري والعراقي،وسرقة مصانع حلب،واستخدامهم لتنفيذ اجنداته ومصالحه،والبعض كان يراهن على حدوث إستدارات في الموقف التركي من سوريا،وخصوصا بعد إسقاطه لطائرة السوخوي الروسية في كانون ثاني 2015،حيث فرضت روسيا عقوبات اقتصادية وتجارية وسياحية قاسية على تركيا،حينها أردوغان قصد ود طهران،لكي يخفف من وطأة العقوبات الروسية وينقذ اقتصاد بلاده،ووقفت طهران الى جانبه وزاد وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 10 مليارات دولار سنوياً الى ثلاثين مليار دولار،ولكن حبل الود بين الطرفين لم يعمر طويلاً،أقل من سنه،بعد صعود ترامب اليميني المتطرف للحكم في أمريكا ومكالمته مع أردوغان والحديث عن ان ايران تشكل تهديداً لأمن واستقرار المنطقة،وضرورة منع ايران من امتلاك الأسلحة النووية،حدث إنقلاب أردوغان على ايران وقال بأنها دولة تنطلق من منطلقات مذهبية وفارسية وقومية في علاقاتها مع الجيران،وهي تشكل عامل عدم إستقرار في المنطقة،لينتهي عام العسل التركي- الإيراني،وليخرج وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف في تصريح لصحيفة "ايران اليوم" الأحد الماضي،قال فيه بأن أردوغان ناكر للجميل،وأردوغان هذا لم يتنكر لجميل ايران وروسيا وسوريا وغيرها،فهو بعد استعادة النظام السوري لحلب،وجدنا أردوغان يخاطب حلفائه من الجماعات الإرهابية "داعش" و"جبهة النصرة" والجماعة المستولدة من رحمها الإرهابي " احرار الشام" بأنه لا حل في سوريا إلا مع بقاء الأسد،وردد ذلك رئس وزرائه،ولكن من بعد مكالمة ترامب والحديث عن المناطق الآمنه في سوريا،عاد الى إسطوانته امشروخة،بأنه لا حل سياسي في سوريا بدون رحيل الأسد،وانه مع إقامة مناطق أمنه في سوريا،عاد لأطماعه في الجغرافيا السورية.
أردوغان هذا صورته حماس وحركة الإخوان بانه الحليف والمنقذ للشعب الفلسطيني،وخاصة بعد المشاركة في أسطول الحرية لرفع الحصار عن قطاع غزة،وحديثه الدائم بأنه لن يطبع علاقاته مع اسرائيل دون رفع الحصار عن قطاع غزة،والسماح بإقامة ميناء بحري في القطاع،ولكن أتت التطورات اللاحقة لكي تثبت زيف وكذب أردوغان،حيث طبع علاقاته مع اسرائيل واعاد العلاقات الدبلوماسية معها،دون أي رفع للحصار عن قطاع غزة،واستمر كأحد المستثمرين الإقليميين في القضية والمشروع الوطني الفلسطيني،لجهة تعميق الشرذمة والإنقسام في الساحة الفلسطينية،ولعل المؤتمر الشعبي الفلسطيني الذي عقد في أنقرة 25 و26 شباط الحالي،هو جزء من التوظيف السياسي التركي للورقة الفلسطينية لخدمة مصالحها واجنداتها،ولا أعتقد أنه بعد كل ما قام ويقوم به النظام التركي من أفعال وممارسات ومواقف،سيحفظ الود والجميل لأحد،ولذلك على كل من سوريا وايران وروسيا وعلينا نحن الفلسطينيون أن نعي وندرك جيداً،بأن الأردوغان المصاب بجنون العظمة مستعد في سبيل مصالحه واهدافه ان يبيع ويتخلى عن أقرب المقربين اليه،فايران وروسيا وقفتا الى جانبه عشية الإنقلاب الفاشل عليه،فهل حفظ هذا الود لهما ..؟؟.
وفي الوقت الذي تصبح فيه الورقة الفلسطينية خارج سيطرته او عدم قدرته على الإستثمار فيها،فهو مستعد للتخلي عنها بشكل نهائي.
هذه الخليفة السلجوقي انكشفت كل اوراقه ولذلك لا يجب الوثوق به فمن أجل مصالحه واهدافه مستعد لعمل أي شيء،فبعد الإنقلاب الفاشل عليه،مارس اعتى اشكال القمع والدموية بحق الجيش والمؤسسات التعليمية والقضاة الأتراك،الذين يختلفون معه في الرأي والموقف من قتل وطرد من الوظائف والسجن وغيرها.
بقلم/ راسم عبيدات