جدليات الصراع ومعادلة الأرقام الخاطئة

بقلم: فهمي شراب

في جدليات الصراع ومعادلات التحرر قد لا ينطبق تماما مبدأ الاعتماد على مقترب الأرقام والحسابات والمقارنات الدقيقة، أو ربط ذلك بمردودية آنية. فهناك تضحيات معلومة ومهما بلغت، دوما تبذل من طرف الشعب المحتل في سبيل الانعتاق من شرنقة الاحتلال والتحرر التام.

فقد وقعت الحركة الصهيونية في خطأ تاريخي استراتيجي عام 1897، في بازل بسويسرا في مؤتمرهم الأول، يوم وقع اختيارها على فلسطين لتكون وطن قومي ليهود "الديسابورا"، حيث زرعت دولتها في غفلة من المجتمع العربي، الذي لا يزال واقعا بين مطرقة عدم توفر القدرة اللازمة للتغيير الحقيقي لدى شعوبه، وسندان أنظمته التي يحكمها قادة بعقلية متكلسة، مسكونة بزمن الانتكاسات والهزائم والتبعية لإسرائيل والغرب. ويخطئون أولائك الإسرائيليون اليوم بتحديهم المؤسس على منطلقات تتعارض مع حقائق التاريخ ومنطقه السليم، حيث وجه التعارض يكمن في فهم الحياة وهدفها عند طرفي الصراع، يؤمن اليهود بالمذهب الأبيقوري – نسبة للفيلسوف اليوناني أبيقور- حيث خير ما في الحياة، التمتع بالحياة، بينما الفلسطينيون ومن منطلقهم الديني يتشوفون إلى الشهادة تشوف الظمآن للماء الفرات، في سبيل الله والذود عن أهلهم ووطنهم.

وفي عدوانهم  الأخير عام 2014، فان أول دلالة التراجع في إستراتيجيتهم القتالية هو استبدال فكرة " بنك الأهداف" الفاشلة، بعدما تعاملت المقاومة في السابق بحزم ونجاح واقتدار في ملف العملاء، إلى فكرة "خارطة الألم"، لكي يوقعوا أعدادا كبيرة من الشهداء والمصابين معظمهم أطفال ونساء وكبار السن، ويعترف الصحفي الإسرائيلي "جدعون ليفي"، "انه ليس للحرب هدف واضح لإسرائيل سوى قتل العرب"، ويهدفون من وراء ذلك لخلق طبقة في المجتمع الفلسطيني تعارض المقاومة بسبب ما ألم بهم، ولا يعرفون بان (إسرائيل) أمام عقلية وتركيبة نفسية وعقائدية تختلف تماما عن العقلية اليهودية، حيث تبعا لهاته السياسة تتأكد الحقائق التالية:

عوامل داخلية:

1-     تزداد درجة الشعور بالانتقام ورد الفعل لدى الشعب الفلسطيني بجميع مكوناته.

2-     تتضاءل تماما تلك الفئات والأصوات التي كانت تنادي بالحل السلمي والتعايش السلمي مع "إسرائيل".

3-   تزايد نسبة التلاحم المجتمعي والتنسيق المتبادل بين فصائله وذوبان الفوارق الحزبية والفصائلية أمام الهجمات والاعتداءات المستمرة على الشعب الفلسطيني.

4-     الوصول لقناعة تامة بان المقاومة والكفاح المسلح ضمن أي فصيل هما الأداة الوحيدة أمام الشعب الفلسطيني أمام عجز السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية، واكتشاف تآمر البعض منها على مبدأ مقاومة إسرائيل.

5-     تزايد ثقة المقاومة بقدرتها، حيث هناك تقدم ملحوظ ونوعي عبر مراحل الاعتداءات( 2008-2009/ 2012/ 2014) ولن تتوقف هذه المقاومة عن الاستمرار في التقدم.

عوامل خارجية:

1-     تآكل في شرعية ( إسرائيل) دوليا وإقليميا، حيث هذا المؤشر الخطير بذلت (إسرائيل) مئات ملايين الدولارات من اجل التصدي لحملة القاطعة التي بدأت قبل شهور من أوروبا.

2-     وضع الأنظمة العربية أمام مرآة شعوبها التي ما زالت تعتبر القضية الفلسطينية هي قضيتها، فالقضية الفلسطينية "تيرمومتر" يقيس درجة وطنية الأنظمة، وستمتد ظلال و توابع هذه الاعتداءات والظلم الذي وقع على الفلسطينيين على المدى المتوسط خارج حدود فلسطين، وقد تكون شرارة ثورات قادمة على بعض الأنظمة التي رهنت إرادتها ودورها الإقليمي لإسرائيل والدول الغربية.

3-     تزايد اتضاح الصورة لدى الرأي العام الأوروبي والغربي بشكل عام، وظهور أصوات مؤثرة تعمل لصالح القضية الفلسطينية.

وعن جدلية الأرقام والإحصائيات وإشكالية الخسائر:

-         إن الجزائر خسرت  في حربها ضد فرنسا أكثر من 6 مليون شهيد على مدار 132 من الاحتلال الفرنسي، وسقط حوالي  1.5 مليون شهيد في فترة (1954-1962)، مقابل 25 ألف قتيل فرنسي.

-         إن فيتنام خسرت مليون ومائة ألف قتيل، و ثلاثة ملايين جريح، مقابل فقط حوالي 57 ألف قتيل أمريكي.

وفي جميع الحالات فان الجزائر نالت استقلالها، وفيتنام هزمت الولايات المتحدة الأمريكية اكبر قوة دولية. وان مقياس الأرقام هو عملية حسابية صحيحة في معادلة خاطئة. أي مهما بلغت الأرقام في دقتها فإنها خارج سياق الحسبة مع العدو.

وقد فشل العدوان الأخير المسمى إسرائيليا " الجرف الصامد"  عام 2014على أكثر من صعيد:

1-     فشل سلاح الجو الإسرائيلي في معرفة مناطق منصات الصواريخ

2-     فشل القبة الحديدية المكلفة بوقف وصول الصواريخ الفلسطينية إلى العمق الإسرائيلي.

3-     فشل الحملة البرية في تدمير الأنفاق.

4-     انهيار مفاجئ للقطاع السياحي والاقتصادي.

5-     انهيار معادلة التوازن الديموغرافي وبداية الهجرة العكسية.

وأخيرا: إن حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله – والتي مر عليها 11 عاما- كانت معركة كسبها حزب الله بكل المقاييس، ولم يتجرأ الاحتلال الإسرائيلي بعدما خرج مهزوما أن يعيد الكرة مرة أخرى، سيكون حال غزة كما حال النموذج اللبناني، بعد هذه المعركة سوف يكون لسان حال الحكومة الإسرائيلية وقادة العسكر ما قاله الخليفة المنصور: " الحمد لله الذي جعل بيننا وبين هذا الشيطان بحرا" ويقصد بالشيطان عبد الرحمن الداخل "صقر قريش" مؤسس الدولة الاندلسية من بني أمية، عندما أفشل عبد الرحمن جميع محاولات الدولة العباسية للسيطرة على دولة الأندلس، ولم يحاول العباسيون بعدها إثارة بني أمية في الأندلس.

ولكن هناك شروط لاستمرار البناء للاستعداد للمواجهة الاسرائيلية، يجب التاكيد من وجودها، وهي ان يكون هناك تفاهم كبير بين افراد المجتمع لمواجهة أي خطر قادم، وان تكون هناك حاضنة مجتمعية تضمن الصمود. لان بغير الحاضنة المجتمعية الشعبية لا يكون للمقاومة سند او ظهير، وهذه نقطة خطيرة يجب على المقاومة الانتباه لها وكسب الراي العام الشعبي والعمل على تحسين مستويات المعيشة في غزة.

بقلم/ د. فهمي شراب