فلسفة المواجهة في السجون

بقلم: رأفت حمدونة

كما أن للأخلاقيات والجوانب الاجتماعية والثقافية والجمالية والأديان والسياسة والعقل واللغة والطبيعة ونظريات المعرفة فلسفات ، فهنالك فلسفة للحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة في السجون الاسرائيلية تسمى " فلسفة المواجهة " ، فالفلسفة " هي المعرفة والبحث والإكتشاف والتفكير ، وهى نابعة من الإستغراب وحب المعرفة والاستطلاع والاكتشاف ، والفلسفة تهتم بتحديد طريقة الحياة وفق ظرفها وطبيعة الامكان .

وهنالك فلسفة نظرية بما ينبغى أن يعلم الانسان والمجتمع من معارف ، وفلسفة عملية تشمل ما ينبغى أن يُعمل ، والتدابير على مستوى الحياة ، وأعتقد أن الأسرى الفلسطينيين تسلحوا بالمعارف ، ودراسة حل المشكلات لتحديد نظرية المواجهة كفلسفة خاصة سواء كانت نظرية أوعملية ، لمواجهة منظومة إدارة مصلحة السجون الاسرائيلية التى تسعى لتفريغهم من محتواهم الثقافى والوطنى ، وأرسوا دعائم ولوائع ومؤسسات اعتقالية وطرق وأساليب نضالية للدفاع عن ذواتهم وواقعهم وأبناء الحركة الأسيرة .

واستطاعت الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة في السجون الاسرائيلية ، رغم قلة إمكانياتها المادية وعبر نضالاتها المستمرة التى توجت بعدد كبير من الشهداء وعبر خطوات نضالية حكيمة ومنسجمة مع الواقع والمتطلبات " تارة بالخطوات التكتيكية وأخرى بالاستراتيجية، وبالوسائل السلمية والحرب النفسية والعنيفة، وبالحوارات والإضرابات والمواجهة وترجيع الوجبات، والحرب النفسية، والتواصل بين القلاع الأخرى للسجون والمعتقلات، ومع المؤسسات الفلسطينية والعربية والدولية في الخارج ومع الجماهير" أن تحقق إنجازات كبيرة.

وبالكثير من التضحيات انتقلت الحركة الأسيرة من ضعف التجربة إلى الخبرة والقيادة، ومن العجز إلى الإعداد والريادة، ومن الاستهداف إلى الحماية والأمن، ومن غياب الكادر إلى إعداد القادة، وتم الانتقال من مرحلة إلى أفضل، من العفوية وفقدان الاتزان، إلى مرحلة بناء الذات والتجربة والخطأ، إلى مرحلة التكوين التنظيمي ومأسسة البنى التنظيمية، إلى مرحلة البناء وسيادة السلطة التنظيمية، إلى مرحلة النضال الشامل والنضج والمخاض والانتصار والعزة والكرامة وتحقيق معادلة الرعب مع طواقم إدارة مصلحة السجون، ومن ثم الوصول إلى حالة حقيقية من الإبداع على كل المستويات التنظيمية والإدارية والثقافية والمالية والأمنية والخارجية، والعلاقات الفصائلية والتأثير الإيجابي خارج السجون.

وفيما يتعلق بفلسفة المواجهة قسم الأسرى خطواتهم النضالية إلى سلمية وعنيفة ، سلمية تكتيكية كالمراسلات والحوارات عبر اللجنة الوطنية العامة ولجنة الحوار التي تجتمع بإدارة السجن لمناقشة مطالب الأسرى والأوضاع بشكل عام، ومع كبار رجالات إدارة مصلحة السجون التي تأتي من خارج السجن، وإرجاع الوجبات في حال تجاهل مطالب الأسرى في أي قضية ملحة، أو التسويف والمماطلة في الردود عليها، ومقاطعة رجالات الإدارة ، وغالباً ما كان هذا الأسلوب مجدياً وفاعلاً يؤدي إلى تأديب أولئك السجانين الذين كانوا يتعرضون لضغوط نفسية شديدة أثناء فترة مقاطعتهم، ومقاطعة العيادة في حال الاستهتار الطبى ، وهنالك خطوات سلمية استراتيجية رداً على انتهاكات إدارة مصلحة السجون، وعلى رأسها الاضرابات المفتوحة عن الطعام وتلجأ إليه الحركة الأسيرة، بعد استنفاذ كافة الخطوات النضالية التكتيكية " كالإضرابات الاحتجاجية، والتضامنية، والمطلبية، والسياسية، الجماعية والفردية " كسلاح استراتيجي فتاك، وقد أثبت هذا السلاح فاعليته خلال المسيرة الاعتقالية ، منذ سنواتها الاولى وحتى يومنا هذا ، ومنها الإضراب عن الزيارات ، والإضراب عن الحلاقة ، الإضراب عن النزهة ، وعن العمل ، ومن الوسائل السلمية الاستراتيجية السلمية تجنيد السجانين ، والحرب النفسية، والتهديد بحل التنظيم ، وحل التنظيم يعني نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة، إنهاء لمرحلة الحوار والانضباط والاستقرار من قبل الأسرى ضمن معادلة تم الاتفاق عليها ضمناَ بين الأسرى وإدارة السجون، للدخول في مرحلة اللاحوار والتحول لفلسفة العنف التكتيكى ومن ثم الاستراتيجى .

ووفق تجربتى الشخصية أن فلسفة المواجهة العنيفة تنقسم إلى قسمين " عنيفة تكتيكية وعنيفة استراتيجية " ، والعنيفة التكتيكية تكون كالتكبير والطرق على الأبواب ، والقضاء على مظاهر الاستفزاز من خلال بعض الرموز كوضع صور لقادة دولة الاحتلال، أو وضع العلم الإسرائيلي في الأقسام التى مزقها الاسرى ، ورفض الوقوف على العدد ، ورفض العودة للغرف ، ورفض التفتيشات العارية والاقتحامات الليلية ، والاحتكاكات والمشادات اللفظية وغيرها .

أما المواجهة العنيفة الاستراتيجية فتكون لحظة محاولات إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية لممارسة الاذلال والإهانة بحق الأسرى ، فيقوم الأسرى بعمليات الطعن للسجانين وللأدارة ، وحرق الغرف وقلب الطاولة رأساً على عقب رداً عليها .

أعتقد أن الحركة الفلسطينية الأسيرة مبدعة بمستوى تفكيرها ، واتخاذ القرار داخل مؤسساتها ، وملائمة الوسيلة والحالة النضالية بطبيعة الظرف وحجمه وحاله ومستواه ، وأرى أننا بأمس الحاجة للتعلم من هذه التجربة العريقة التى تسلحت بالوعى والتفكير والتخطيط والتضحية والنجاحات والانتصارات .

بقلم/ د. رأفت حمدونة