من مؤتمر الشباب الذي عقد في مصر برعاية النائب محمد دحلان المفصول من فتح، وانتهاء بمنع دخول جبريل الرجوب امين سر مركزية فتح الى القاهرة وما بينهما من مؤتمري طهران وانقره في شباط الماضي،وما قبلهما من لقاء نتنياهو - ترامب،كلها مؤشرات على ان القضية الفلسطينية قد دخلت مرحلة خطيرة من التجاذبات العربية والإقليمية،وبأن هناك سعي حثيث لشطب القضية الفلسطينية وعدم عودتها لتصدر المشهد الدولي- الإقليمي العربي- الإسلامي،وان لا تبقى الأساس في الصراعات والنزاعات في المنطقة....فلقاء نتنياهو - ترامب قال لا لحل الدولتين،وليجر البحث عن فتح مسار سياسي جديد لحل القضية الفلسطينية،أي تصفيتها،وهذا المسار يفترض تشكيل "ناتو" عربي أمريكي،يتولى الضغط على السلطة الفلسطينية المنهكة والمتهالكة عبر إطار مؤتمر تعاون اقليمي،عنوانه الرئيسي المصالح والهواجس والمخاوف الأمنية،من اجل الموافقة على حل يقوم على أساس الحلول المؤقته،مع وعود لفظية وشكلية بأن لا يجري تجاوز حل الدولتين على المدى البعيد،كما هو حال اوسلو في تاجيل قضايا الحل النهائي القدس،اللاجئين،الحدود والمستوطنات.
الساحة الفلسطينية مبعثرة اوراقها ومنقسمة على ذاتها،وحالة التبعثر والإنقسام هذه،والتفرد والفوقية والإستعلاء في التعامل مع الجماهير،كلها عوامل تجعل من الساحة الفلسطينية،بيئة حاضنة لأية تدخلات وتجاذبات عربية وإقليمية وحتى اسرائيلية امريكية،وخصوصاً ونحن لا نرى ولا نستشعر الخطر الجدي المحدق بقضيتنا ومشروعنا الوطني في ظل المتغيرات والتطورات الحاصلة عالمياً وفي الإقليم والمنطقة.
واضح بأن مؤتمر القاهرة جاء في إطار الرد على محاولات القيادة الفلسطينية،وبالتحديد قيادة فتح بتهميش واقصاء النائب دحلان وانصاره عن فتح والمشهد السياسي،ولكن دحلان وأنصاره لن يغيبوا عن المشهد بقرار،فعدا عن ما يتمتع به دحلان من حضور جماهيري،في أوساط فتح،فهو له شبكة علاقات وحاضنة عربية،تمتد من القاهرة حتى الإمارات العربية ،وهو كما يقول لن يغادر فتح،فهو تربى وترعرع فيها،وهو جزء أصيل من هذه الحركة،وبالتالي هذا يعني بأن حالة الإستقطاب والإستقطاب المضاد،ستستمر بين دحلان وأنصاره من جهة،وبين القيادة الفتحاوية الجديدة من جهة اخرى،وحالة النزف في الجسد الفتحاوي،والفلسطيني ستبقى مستمرة ومتواصلة.
مع مجيء ترامب للحكم في امريكا،كان واضحاً بأن هذا الرئيس اليميني المتطرف،سيأخذ مواقف أكثر تطرفاً تجاه قضية شعبنا وحقوقه المشروعة،لجهة إطلاق يد دولة الإحتلال بشكل سافر في الإستيطان في القدس والضفة الغربية،وكذلك السعي الى قبر ما يسمى بحل الدولتين بشكل نهائي،وهذا ما لمسناه في نتائج لقاء ترامب - نتنياهو في لقائهما في واشنطن في الخامس عشر من شباط الماضي، فنتنياهو قال بشكل واضح بانه لن تقام دولة فلسطينية غربي نهر الأردن،والمتطرف بينت زعيم "البيت اليهودي" قال بأن للفلسطينيين دولتان ،واحدة في قطاع غزة والثانية في الأردن،وليسوا بحاجة لدولة ثالثة في الضفة الغربية.
المشروع الإسرائيلي وفق رؤية النخب السياسية والأمنية الإسرائيلية ومراكز البحث لحل القضية الفلسطينية،أي تصفيتها تقوم على أساس الإنتقال من الضم الزاحف للأرض الفلسطينية الى الضم المقونن والمشرعن،وبما يضمن قبر حل الدولتين،وإقامة فيدرالية فلسطينية – أردنية في إطار تقاسم وظيفي لما يتبق من الأرض الفلسطينية،او إقامة اطار اقتصادي مشترك فلسطيني- إسرائيلي – أردني.
لقاء ترامب – نتنياهو كرس وقتاً كبيراً للحديث عن الملف النووي الإيراني،والتحريض على ايران باعتبارها خطر على امن المنطقة والإقليم،وهي دولة ترعى "الإرهاب" وامتلاكها للسلاح النووي،يجب ان يكون خط احمر،ويجب العمل على تشديد العقوبات عليها،وتفريغ الإتفاق معها حول ملفها النووي من مضمونه مستقبلاً،ولتحجيم ايران ومنع ترسخها وتمدد نفوذها كقوة إقليمية قائدة في المنطقة،تسعى أمريكا وإسرائيل الى تشكيل "ناتو" عربي،او ما يعرف بالمحور السني العربي،للتصدي لإيران ومنع تمدد نفوذها في المنطقة على اعتبار أن هناك مصالح امنية مشتركة،لكل هذه الأطراف،تستدعي نقل علاقات هذا المحور السرية مع إسرائيل الى العلن نحو التنسيق والتعاون أمنياً وعسكرياً وسياسياً. ايران استشعرت هذا الخطر،ورأت بانه من الهام الضروري تعزيز وتقوية وتدعيم ركائز محور المقاومة العربي- الإسلامي في مواجهة المخاطر والتحديات الكبيرة التي يتعرض لها هذا المحور،وفي المقدمة منها المحاولات الجادة والحثيثة لتصفية القضية الفلسطينية،وتفكيك مشروعها الوطني،ولذلك كانت الدعوة لعقد "المؤتمر الدولي السادس لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني" في طهران والذي عقد يومي 21/و22 من الشهر الماضي،هذا المؤتمر الذي حمل شعار أن القضية الفلسطينية هي أولى الأولويات للعالم الإسلامي حتى استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،مشددا البيان على الحيلولة دون طمس القضية الفلسطينية أو تهميشها في خضم الأزمات التي تتعرض لها المنطقة وداعيا للعمل على توحيد الصفوف بهدف مناصرة الشعب الفلسطيني،وفي وقت أدان فيه البيان كل أنواع الدعم الذي قدمته الإدارة الأميركية لإسرائيل بما في ذلك التصريحات اللامسؤولة الأخيرة حول نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، ودعا إلى رفض التطبيع مع إسرائيل مناشداً جميع الدول بقطع علاقاتها معه.وجاء أيضاً في البيان “الدعوة لإقفال السفارات العربية والإسلامية في واشنطن إذا ما تم نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة.
تركيا أيضاً أراد ان تستثمر وتوظف الورقة الفلسطينية لصالحها،من خلال احتضانها للمؤتمر الشعبي لفلسطيني الشتات،الذي عقد في إسطنبول يومي 25 و26 من الشهر الماضي تحت شعار"المشروع الوطني...طريق عودتنا"،وبحضور حوالي (4) الآف شخص فلسطيني من دول الشتات،وخرج بيان ختامي ورد في جوهره،ان انعقاد المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج يُشّكل دعوة خالصة وصرخة عالية الصوت للعودة إلى الأصول والمنطلقات والثوابت والوحدة، واستعادة روح الثورة والتضحية، وتأكيد الوفاء للشهداء، وإعلاء الحق الفلسطيني والعربي والإسلامي في فلسطين كاملة من البحر إلى النهر، بل وحق أحرار العالم بتحريرها من العنصرية الصهيونية التي اقتلعت شعبنا لتُحلّ مكانه كيانًا معاديًا للحرية والعدالة والسلم والإخاء.
وكذلك الإقرار بأن المؤتمر إطار شعبي جامع لتفعيل دور فلسطينيي الخارج في معادلة الصراع العربي الصهيوني، وفق رؤية وإستراتيجية واضحة، ويدعو إلى احترام الإرادة الشعبية، وعدم الانتقاص من دورها في مسار العمل الفلسطيني. كما يشدّد على أنّ أبوابه مفتوحة لأبناء الشعب الفلسطيني ومؤسساتها الإنساني.
ولكن كل ذلك لا يمنعنا من القول بأن هذا المؤتمر يحمل في طياته وأهدافه مخاطر وهواجس وتساؤلات كبيرة وكثيرة منها المساس بالصفة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي أحسن الأحوال اعتبارها "مؤسسة" من مؤسسات العمل الفلسطيني، وذهب البعض إلى نعي وتأبين منظمة التحرير والدعوة إلى دفنها. وخطورة هذا الطرح أنه لا يميز بين قيادة المنظمة أو مواقفها من جهة، وبين المنظمة عينها التي تمثل الكيان الاعتباري للشعب الفلسطيني، ورمز وحدته ووحدة حقوقه الوطنية، ومن دون هذه الصفة سيتحول الشعب الفلسطيني إلى تجمعات سكانية منفصلة، لكل منها همومه المنفردة.
مواصلة توظيف الحالة الفلسطينية الشعبية والكفاحية ضمن حسابات المحاور الإقليمية التي لها مصالحها الخاصة بها، ومما لا شك فيه أن اختيار استانبول مكانا لتنظيم الفعالية، لم يكن مجرد خيار جغرافي أو لوجستي، بل هو اختيار سياسي بامتياز.
ولذلك من المهم قوله في النهاية،انه في ظل المخاطر الكبيرة التي تتعرض لها قضيتنا الفلسطينية وما تواجهه من تحديات وتجاذبات واستقطابات،فإنه يتوجب علينا الحفاظ على وحدة شعبنا وقضيتنا وارضنا وتمثلينا،فالقضية واحدة والشعب واحد والمخاطر والتحديات واحدة،ولتبق المنظمة العنوان والممثل الشرعي الوحيد، وعلينا أن نميز بين قيادة المنظمة أو مواقفها من جهة، وبين المنظمة عينها التي تمثل الكيان الاعتباري للشعب الفلسطيني، ورمز وحدته ووحدة حقوقه الوطنية، ومن دون هذه الصفة سيتحول الشعب الفلسطيني إلى تجمعات سكانية منفصلة، لكل منها همومه المنفردة.
بقلم/ راسم عبيدات