بدأت جامعة بيرزيت الواقعة على بعد عشرة كيلومترات شمال مدينة رام الله في وسط الضفّة الغربيّة، بتدريس مساق اللغة الصينيّة مع بداية الفصل الدراسيّ الثاني من العام الأكاديميّ 2016/2017 الذي بدأ في 11 شباط/فبراير، لتكون بذلك الجامعة الفلسطينيّة الأولى التي تدرّس هذه اللغة.
التحق 30 طالباً بمساق اللغة الصينيّة، الذي خصّصت له الجامعة شعبة دراسيّة واحدة، من أجل قياس مدى إقبال الطلبة عليه، بهدف تطوير الخدمات التعليميّة المقدّمة من الجامعة إلى طلبتها، كما قال رئيس دائرة اللغات والترجمة في الجامعة الدكتور مجدي أبو زهرة لموقع"المونيتور".
ويأتي طرح الجامعة مساق اللغة الصينيّة، ترجمة لتعاون بين الجامعة والسفارة الصينيّة في فلسطين في مطلع العام الجاري، والتي جاءت ترجمة لعدة لقاءات مشتركة مع السفير الصيني في فلسطين تشين زينزهونج في مقر جامعة بيرزيت والتي بدأت في 2 آب/اغسطس 2016، والتي اسهمت السفارة للتعاون بدورها مع معهد كونفوشيوس ستاتس هيركود من اجل والاتفاق معه على ايفاد مدرس في 6 تشرين اول/اكتوبر 2016 ، ليشكّل هذا المساق إضافة نوعيّة إلى الجامعة ودائرة اللغات والترجمة فيها، بما يخدم مشروعها الهادف إلى تدريس عشرات اللغات الأجنبيّة في الجامعة، والتي بلغت حتّى الآن 8 لغات (الألمانيّة، الإيطاليّة، الإسبانيّة، الإنجليزيّة، العبريّة، الصينيّة، التركيّة والفرنسيّة)، ممّا يحقّق لها تميّزاً عن بقيّة جامعات فلسطين، وفق أبو زهرة.
واضاف ابو زهرة ان التعاون بين جامعة بيرزيت والسفارة الصينية ومعهد كونفوشيوس ينص على ان يتم طرح مساق لتعليم اللغة الصينيّة، كمساق اختياريّ للطلبة وليس إجباريّاً، على أن توفّر السفارة مدرّساً من قبلها لتدريس المساق، تساهم الجامعة بدفع 140 دولاراً من راتبه، وتأمين سكن للاستاذ بايجار قيمته 600 دولار، بينما تتكفّل السفارة ببقيّة التكاليف اي تذاكر السفر ونحو الف دولار.
وأضاف أبو زهرة: "طرح مساق اللغة الصينيّة للتسجيل خطوة فاجأت الطلبة، لأنّ اللغة الصينيّة من أصعب لغات العالم، وتختلف عن اللغات الأجنبيّة الغربيّة (الأوروبيّة) التي تدرّس في الجامعة، ومع ذلك فقد كان هناك إقبال غير متوقّع على التسجيل بها، إذ امتلأت شعبة المساق بالعدد المطلوب الذي حدّدناه وهو 25 طالباً خلال أيّام، ونتيجة لكثرة الطلبات وإلحاح الطلبة، تمّت زيادة العدد إلى 30 طالباً"، مشيراً إلى وجود عشرات طلبات التسجيل التي لم يتمّ البتّ بها.
ولفت أبو زهرة، إلى أنّ الجامعة تلقّت طلبات من مواطنين (غير طلّاب) معظمهم من التجّار ورجال الأعمال، الذين أبدوا رغبتهم بتعلّم اللغة الصينيّة لمجرد علمهم بطرح الجامعة لهذا المساق رغم انه يقتصر على طلبة الجامعة وليس مفتوحا للجميع، لأنّ ذلك سيساعدهم في أعمالهم، في ظلّ ارتباطهم بعلاقات اقتصاديّة وتجاريّة مع الصين،
وتسعى إدارة الجامعة إلى إنجاح تجربة تدريس اللغة الصينيّة، وتفادي فشلها، حسب ما أوضح أبو زهرة، من خلال توفير الإمكانات المطلوبة للمدرّس الصينيّ، وحثّ المدرس الصيني على تدريس الطلبة بأسلوب بسيط، وان يراعي الطلبة بعلامات المساق، اي مساعدة الطلبة للنجاح في المساق كونه اختياريا وليس اجباريا ، واستخدام المدرس الصيني للغة الإنجليزيّة، كلغة مشتركة مع الطلبة عند الضرورة، اثناء التدريس.
وحول الأسباب التي شجّعت الجامعة على طرح هذا المساق، قال أبو زهرة: "الصين دولة عظمى سياسيّاً واقتصاديّاً، ولديها سيطرة متنامية على أسواق العالم الاقتصاديّة، وفي ظلّ تنامي العلاقات التجاريّة الفلسطينيّة-الصينيّة، نسعى إلى فتح المجال أمام الطلبة لتعلّم اللغة الصينيّة، التي ستخلق أمامهم آفاق عمل كبيرة مستقبلاً".
وترتبط فلسطين بعلاقات سياسية واقتصادية مميزة مع الصين في كل المجالات على صعيد مؤسسات الدولة ومنظمة التحرير، بموجب اتفاقيات تعاون مشتركة مع الصين كان اخرها في 31 اذار/مارس 2016، بينما يبلغ حجم التبادل التجاري العام بين فلسطين والصين ملايين الدولارات، اذ ان اكثر من 70% من نسبة البضائع المعروضة في السوق الفلسطينية هي منتجات صينية، ما يعكس حجم الاستيراد الكبير من التجار ورجال الاعمال الفلسطينيين للبضائع من الصين.
وعلى الرغم من أنّ تجربة تدريس اللغة الصينيّة لا تزال في بدايتها، إلّا أنّ أبو زهرة لا يستبعد أن تتّجه الجامعة إلى تطوير المساق في المستقبل لكي يصبح برنامج بكالوريس، بشرط ان تتقدم السفارة الصينيّة بطلب ذلك من الجامعة وتوفير الدعم الذي يحتاجه برنامج البكالوريس، سواء بتوفير الكتب المخصّصة للتدريس في البرنامج، بكافة المساقات، أم المدرّسين القادرين على تدريس متطلّباته الدراسية، مضيفاً: "الآن، لدينا مساق لغة صينيّة 1، في الفصل الدراسيّ المقبل إذا كان هناك إقبال من الطلّاب، قد نفكّر بافتتاح مساق لغة صينيّة 2".
وأضاف أبو زهرة: "لا نمانع تطوير مساق اللغة الصينيّة، إلى برنامج بكالوريوس لمدّة 4 سنوات، إذا توافرت جهّة داعمة له قادرة على تأمين الدعم الماليّ واللوجستيّ من مدرّسين وكتب"، وهذا يتم بالاتفاق بين الجهة المانحة وجامعة بيرزيت ضمن علاقة ثنائية بينهما فقط.
وتبدي دائرة اللغات والترجمة في جامعة بيرزيت انفتاحاً على تدريس أيّ لغة أجنبيّة مهما كانت، إذ قال أبو زهرة: "أيّ دولة ترغب في تدريس لغتها في الجامعة، تستطيع عقد اتّفاقيّة مع الجامعة بذلك، شرط أن تقوم بتمويله، سواء بتأمين الكتب أم المدرّسين، في ظلّ عدم قدرة الجامعة على ذلك، لما تعانيه من أزمة ماليّة. نحن منفتحون على تدريس كلّ لغات العالم".
من جانبه، قال عميد كليّة الآداب في جامعة بيرزيت التي تتبع إليها دائرة اللغات والترجمة مجدي المالكي لـ"المونيتور"، إنّ "تعليم اللغة الصينيّة في الجامعة، سيكسر الحواجز لدى الطلبة، تجاه الثقافة الصينيّة التي تعدّ غريبة عليهم، خصوصاً أنّ الصين باتت من أقوى الدول صناعيّاً واقتصاديّاً، ولها مصالح في المنطقة العربيّة، قد تفتح فرص عمل لهؤلاء الطلّاب مستقبلاً".
وأضاف المالكي: "قد نذهب مستقبلاً إلى طرح مساقات متطوّرة في اللغة الصينيّة، إلى أن نصل إلى إيجاد برنامج بكالوريوس، على غرار التجربة الناجحة في اللغة الألمانيّة".
من جانبه قال الطالب محمد الخطيب، المتخصص في علم الاجتماع، والملتحق في مساق اللغة الصينية لـ"المونيتور"، إن ما دفعه للالتحاق بالمساق هو هوايته ورغبته في اكتشاف وتعلم هذه اللغة، والتي تعتبر مكسبا للمستقبل، مضيفاً "الطلبة تقبلوا اللغة الصينية رغم صعوبتها، ونحاول تعلم أبسط الكلمات والجمل التي تجعلنا قادرين على التواصل مع أي شخص صيني".
واضاف الخطيب "ان مدرس اللغة الصينية يساعدنا على كيفية لفظ وكتابة الكلمات الصينية، وهناك تجاوب معه، هذا الأمر قد يساعدنا مستقبلا خصوصاً إذا ما قرر أحدنا العمل في التجارة والاستيراد من الصين."
وكانت دائرة اللغات والترجمة في جامعة بيرزيت تمكّنت، من تحويل مساق واحد لتدريس اللغة الألمانيّة في عام 2010 إلى برنامج بكالوريوس في تشرين الأوّل/أكتوبر 2015، بدعم من الهيئة الألمانيّة للتبادل الثقافيّ (DAAD)، التي وفّرت بدورها المدرّسين والكتب الدراسيّة، على أن تقدّم حوافز ومنحاً للطلبة المتميّزين في البرنامج، سواء كانت دورات تدريبيّة في ألمانيا، أم منحاً لإكمال درجة الماجستير، أم تعيينهم كمساعدي بحث وتدريس بعد التخرّج، وفق أبو زهرة.
وتعدّ دائرة اللغات والترجمة في جامعة بيرزيت والتي افتتحت في عام 1987، من أكبر دوائر جامعة بيرزيت، وهدفها الأساس استقطاب لغات العالم وتدريسها لطلبتها وزيادتها، وهي تمنح درجات البكالوريوس في 3 لغات هي الفرنسيّة والألمانيّة والإنجليزيّة، بينما تدرّس بقيّة اللغات (الإيطاليّة، الإسبانيّة، التركيّة، العبريّة والصينيّة) كمسافات اختياريّة.
وعلى الرغم من حداثة تجربة تدريس اللغة الصينيّة في جامعة بيرزيت، إلّا أنّها تعدّ خطوة مهمّة في ظلّ مسعى الجامعة إلى زيادة عدد اللغات التي تدرّسها، وتوسيع خيارات الدراسة وآفاقها أمام الطلبة ومن ثمّ العمل، خصوصاً في ظلّ هيمنة التخصّصات الأكاديميّة التقليديّة.
