إلى أن يصبح الحبر خبزا والأقلام معاول
تجتاحني موجة من الغضب كلما وصلتني معلومة عن سخافة الأغنياء وللحقيقة فإنني لست اقصد أبدا أولئك الذين يعيشون في بحبوحة عادية من العيش ولا حتى أولئك الذين عملوا بجد في حياتهم فنجحوا وتمكنوا من الحصول على عيش رغد عادي بل ما يؤذيني أولئك الطفيليين الذين لا علاقة لهم بالجهد من أي نوع كان سوى جهد نهب ثروات وخيرات بلادهم وقوت شعوبهم لصالح الأسوأ منهم ومقابل ذلك الحصول على فتات حقير يشبههم
قرأت عن أمير عربي حجز جزيرة المالديف لشخصه الكريم وحاشيته لعدة أيام مقابل مبلغ ثلاثين مليون دولار كانت ستكفي لبناء ما لا يقل عن مائة مدرسة كان سيتعلم بها أبناءكم وكانوا عندها سيعلمون بهذا الخبر فينتفضون على بشاعة الجريمة بحقكم حتى لو كنتم قد غادرتم الحياة, فلو تمكن أبناءكم اليوم من الوصول إلى المعلومة عبر تعلمهم لكان بإمكانهم غدا أن ينتقموا لجوعكم وعريكم ولطفولتهم البائسة التي عاشوها رغما عن أنوفهم وأنوفكم
عادة ما يقودك الخيال بعيدا حين تصلك معلومة لا تعتادها ولم تعتادها بل وليس من الطبيعي أن يعتادها البشر فكيف عاش ذاك الرجل الغبي أيامه تلك بمعزل عن الحياة في جزيرة المالديف إلا لأن الرجل قطعا لا يعرف المثل الشعبي القائل ( الجنة من دون ناس ما بتنداس ) لأنه أصلا لا يرى في جموع البشر إلا دواب عادية تشبه قطعان جده من الماشية وإلا لما كان بحاجة لمثل هذه العزلة والسؤال الأخطر إذا كانت أجرة المكان ثلاثين مليون دولار فما هي تكاليف الإقامة وأجور أولئك العبيد والجواري الذين قبلوا تحمل قذارة بهذا الحجم.
يذكرني ذلك بحادثة رواها لي احد قادة الاتحاد العام التونسي للشغل عن الزعيم الحبيب بورقيبة أيام عزه حين وصله أن أميرا مستهترا تعدى بالضرب على احد عمال احد فنادق العاصمة تونس لأنه رفض الانصياع لنزواته في ساعات متأخرة من الليل بافتتاح المطبخ وإعداد لحم الغزلان التي عاد بها من رحلة صيد له ولحاشيته وعذر عامل الفندق عندها هو أن جميع زملائه نيام ولا يمكنه استدعائهم الآن من منازلهم لتحقيق رغبة مجنون وبناء عليه كان الإضراب العام يعم تونس صباح اليوم التالي بقرار من الاتحاد العام التونسي للشغل وحين علم الزعيم الحبيب بورقيبة بالأمر قرر إمهال ذلك الأمير ساعة واحدة لمغادرة الأراضي التونسية ومنعه من العودة إلى تونس مطلقا ومنذ سمعت تلك الحكاية وأنا أعض شفاهي ندما لأنها هتفت ذات يوم ضده ( بورقيبة ).
أيا كانت الحقيقة خلف هذه الرواية إلا أن مضمونها يلزمنا بادراك أن الفقراء حين يقررون لا يمكن لأحد أيا كان تحطيم إرادتهم والإرادة أبدا لا يمكن شرائها وإلا لكان زميلة قد تمكن من الحصول على موعد عشاء مع عارضة ازياء مقابل مليون منصف دولار إلا أن تلك العارضة رفضت العرض بكل مغرياته لان البشر وساعاتهم لا تباع وتشترى.
أيها الزملاء الفقراء
فقط حين لا يجد ذلك المعتوه ومن على شاكلته حاشية للبيع كلا أو جزءا وحين لا يجد الطغاة من يوافق على بيع نفسه ويتحول إلى أداة لجد ذاته وأبناء جلدته من البسطاء وأبناء جلدته من البشر فقط حين ذاك سيجد أولئك أنفسهم خارج الفعل وفقط ساعتها لن يكون على الأرض إلا العدل والعدل فقط ولن يجوع مليار ليعيش سخيف أياما بجزيرة معزولا عن البشر بهذا المبلغ من الملايين لأنه لن يكون بحوزته.
بقلم
عدنان الصباح