قراءة فلسطينية لتقرير مراقب الدولة في الكيان الصهيوني حول العدوان على قطاع غزة عام 2014..!

بقلم: أكرم عبيد

 مع صدور قرار مراقب الدولة في الكيان الصهيوني حول العدوان على قطاع غزة الصامد عام 2014 اثبت التقرير ان المقاومة في القطاع وحاضنتها الشعبية وتحصيناتها ارعبت سلطات الاحتلال الصهيوني واربكتها بقوة بعدما فشلت المؤسسة العسكرية والامنية والقيادة السياسية في التخطيط لضرب مفاصلها الاساسية وفي مقدمتها شبكة الانفاق تحت الارض التي كانت وما زالت تشكل تهديدا استراتيجيا للجيش الصهيوني خلال العدوان كما وصفها رئيس وزراء العدو الصهيوني نتنياهو ووزير حربه موشيه يعلون قبل العدوان بثمانية اشهر في كانون الاول عام 2013.

ووصف سياسي صهيوني بارز كان وزيراً في اثناء ما يسمى عملية " الجرف الصامد " العدوانية التي شنها جيش الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة في صيف 2014، أداء " الحكومة الإسرائيلية " في فترة تلك العملية بأنه كان الأسوأ خلال العقدين الأخيرين.
وجاءت هذه التصريحات في سياق التطرّق إلى تقرير مراقب الدولة الإسرائيلية يوسف شابيرا المتعلق بفحص أداء الحكومة والجيش أثناء تلك العملية

وقالت مصادر اطلعت على التقرير إنه يوجّه انتقادات شديدة إلى عدد من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين وفي مقدمهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق موشيه يعلون، ورئيس هيئة الأركان العامة السابق بني غانتس.
وقد اشار التقرير بشكل مفصل لحالة الجدل التي سادت في مؤسسات الكيان الصهيوني التي اثبتت فشلها في العدوان على قطاع غزة بعدما وقعت في شرك المقاومة وانفاقها وخاصة بعد قتل اثنين من الجنود الصهاينة على مدخل احد الانفاق و سحب جثثهما واسرها وهما جثتي غولدن وشاؤول .

وفي الحقيقة ركز مراقب الدولة يوسف شبيرا على قضية الانفاق التي فشل الجيش الصهيوني في تدميرها كونها تشكل التهديد الاستراتيجي للكيان الصهيوني وقد حمل هذا الفشل للحكومة الصهيونية المصغرة بقيادة نتنياهو التي تتابع ادارة الازمات وخاصة تنفيذ الحروب العدوانية على المقاومة في فلسطين المحتلة او خارجها والتي يطلق عليها اسم " الكابنيت " التي تضم عدد محدود من الوزراء في سلطات الاحتلال وفي مقدمتهم وزير الخارجية ووزير الحرب ورئيس اركانه بقيادة رئيس وزراء الكيان الصهيوني هذه النخبة التي من المفروض ان تدرس الخطط وتتحمل المسؤولية لتنفيذها  .

وفي الحقيقة فوجئ موظفو مكتب مراقب الدولة وفجعوا بعدما سمعوا من الوزراء أعضاء الحكومة الصهيونية المصغرة " الكابنيت " انهم لا يعرفون صلاحياتهم وهل هم يقررون ويصادقون على الخطط ام انهم لتقديم النصائح فقط قال احدهم لا هذا ولا ذاك لان كل الامور بيد رئيس الوزراء نتنياهو الذي تجاهل " الكابينت " ولم يُفعل دورها لسببين :

 الاول : عدم الثقة بوزرائه في الحكومة المصغرة ولا بحكمتهم ولا بدوافعهم ولا باستعدادهم للحفاظ على السر وتعامل معهم كأعداء وليس شركاء .

ثانيا : لم يكن لديه هدف استراتيجي للعدوان على قطاع غزة وقد غامر بما يسمى عملية " الجرف الصامد " لاستثمارها سياسيا على الصعيد الحزبي مع العلم ان قانون جيش الاحتلال يخضع لقرارات الحكومة " والكابينت " يمثل هذه الحكومة مع العلم ان هذا" الكابينت "غير قادر على ادارة الحروب في قاموس رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو الذي كان وما زال يشكل مطبخه المصغر بشكل متفرد ولم يذكر قانون جيش الاحتلال عن هذا المطبخ أي شيء يذكر لكن تركيبة هذا المطبخ تتشكل من المقربين منه وفي مقدمتهم وزير الحرب ورئيس الاركان ورئيس الاستخبارات العسكرية ورئيس الشاباك . وبالرغم من ذلك هذه التشكيلة في مطبخ النتنياهو لم تحقق أي هدف من اهداف ما يسمى عملية " الجرف الصامد .

 وانطلاقا من هذه المعادلة فقد اشار تقرير ما يسمي مراقب الدولة الصهيوني يوسف شبيرا إلى قصور وعجز جميع عناصر مواجهة تهديد الأنفاق من قبل جيش الصهيوني ومؤسسته الأمنية كما أظهر وجود تباينات في المعلومات الأمنية الموجودة لدى الاستخبارات العسكرية وجهاز "الشاباك" الأمر الذي خلق حالة ضبابية أمام جنود الاحتلال في أرض المعركة مما شجع الاجنحة العسكرية الفدائية الفلسطينية لتكون العنصر المُبادِر في المعركة التي استمرت واحداً وخمسين يوماً.
وأظهر تقرير "مراقب الدولة" الذي صدر الثلاثاء الماضي مدى القصور الذي اعترى دور مجلس الوزراء الصهيوني المصغر (الكابينت) قبل وخلال العدوان على قطاع غزة الذي لم يضع أهدافاً استراتيجية واضحة للجيش فيما الأخير هو من قام بوضعها بنفسه الأمر الذي يُعد تقصيراً واضحاً للكابينيت في مواجهة تهديد الأنفاق الفلسطينية بحسب الرواية الصهيونية.

الحقيقة التي اظهرها التقرير هي أن جيش الاحتلال الصهيوني  لم يكن مستعدا من الناحية التنفيذية لتدمير الانفاق في قطاع غزة وهذا ما كان يجب أن يقوله رئيس اركان حرب جيش الاحتلال لأعضاء " الكابينت " الذين ضغطوا من اجل ذلك لكنه التزم بتنفيذ اوامر العدوان وقال لهم نحن سنقصف بناء على رغبتكم رغم أننا غير مستعدين من ناحية تنفيذية رغم تقديرات قيادة الجيش لهذه العدوان .

وقد عبر نتنياهو عن رأيه في التقرير قبل استكماله وقال المراقب يهتم بالإجراءات وأنا أهتم بالنتائج وأضاف مقربون منه ان هذا التقرير غير جدي وكتب من قبل اشخاص غير مهنيين.

وقد قدم نتنياهو شهادته لمدة ساعتين أمام باينهورن وطاقمه وتعمد تسخفين الاسئلة الخاصة في المجال الرسمي وتحدثت عن غزة وانفاقها لكن حديثه لم يقتنع لجنة مراقب الدولة .

وفي النهاية رفض نتنياهو تحمل المسؤولية وقال التقرير هذه هي مشكلة رئيس الوزراء نتنياهو طوال الوقت سواء في الحروب او قبلها وفيما بعدها ووصفه التقرير بانه أول من يلاحظ وآخر من يعرف وهو أول من لاحظ الانفاق في غزة وآخر من عرف أنه لا حل عملياتي لها.

 وقد رد نتنياهو على تقرير "مراقب الدولة"، بالقول إن "تهديد الانفاق تم طرحه وتداوله بالتفاصيل أمام المجلس الوزاري المصغر في 13 جلسة. لقد تمت مناقشة الانفاق وتهديداتها ودراسة جميع السيناريوهات الاستراتيجية ولعملياتية. وتم استخلاص العبر الجوهرية والحقيقية من عملية الجرف الصامد وتطبيقها على أرض الواقع بمسؤولية .
وكان نتنياهو أكبر الموبخين في التقرير وركز التقرير الادعاء الاساسي تجاهه لأنه لم يقم بتشغيل الكابنيت مثلما يفترض القانون وكان يعرف الوضع جيدا   وكذلك وزير الحرب موشي يعلون ايضا كان يعرف لكنهما لم يشركا الوزراء ولم يجر الكابنيت مناقشات استراتيجية عن غزة ولم يناقش البدائل السياسية والتي قد تمنع الحرب ولم يحصل على معلومات استخبارية كاملة حول التهديد المتوقع وقد اثبت التقرير ان المعلومات الاستخبارية كانت غير كافية وقد حّمل التقرير رئيس وزراء الاحتلال ووزير حربه والكابنيت الصهيوني المسؤولية لانهم لم يضعوا للجيش اهداف استراتيجية. وبسبب ذلك اضطر الجيش لأن يضع اهداف استراتيجية لنفسه.

جميع الاخفاقات العسكرية التي تطرق لها التقرير – هي عدم وجود الخطط التنفيذية وعدم وجود التدريب الكافي للسيطرة على الانفاق بالإضافة للثغرات والفجوات الاستخبارية.

 وقد اعتبر التقرير ان نتنياهو هو المسؤول عن الفشل وبعض هذه الاخفاقات بشكل مباشر بصفته رئيسا للوزراء ومسؤولا عن الشباك وبعضها هو مسؤول عنه بشكل غير مباشر والسبب هو خوف نتنياهو من اتخاذ القرارات الاستراتيجية في الزمان والمكان المناسبين ومن اهمها  مصير الانفاق في غزة ومخاطر المشروع النووي الايراني على الامن القومي " لدولة اسرائيل " كما يزعمون .

وفي نفس السياق دعا رئيس المعارضة و"المعسكر الصهيوني" يتسحاق هيرتسوغ رئيس الوزراء إلى الاستقالة واعتبر أن "التقرير كشف عن أوجه تقصير نتنياهو والمجلس الوزاري المصغر في اداء مهامهم حيث اخفقوا في إدراك التهديدات وتحديد الاستراتيجية وتجهيز جنود جيش لاحتلال والمستوطنات ولاسيما سكان الجنوب" خلال العدوان على غزة . ورأى هرتسوغ أن "مضمون التقرير يجب أن يثير الهلع والقلق لدى  مواطني الدولة" على حد زعمه .

من ناحية أخرى وجّه وزير البناء والإسكان الإسرائيلي يوآف غالانت ( كلنا ) عضو المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية انتقاداً شديداً إلى أداء الجنرال المتقاعد بيني غانتس الذي كان يتولى منصب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي أثناء عملية ما يسمى " الجرف الصامد" .
كما اضاف غالانت الذي كان يشغل منصب قائد المنطقة العسكرية الجنوبية في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام صهيونية بعد صدور التقرير إن الاستعدادات لشن تلك العملية كانت ناقصة وانطوت على إهمال كبير.

 وأكد أن إشراف وزير الدفاع في ذلك الوقت موشيه يعلون على العملية لم يكن كافياً بتاتاً
و أنه كان بإمكان كيانه هزيمة حركة المقاومة في غزة بسهولة لو كان غانتس ويعلون يعدان العدة لذلك كما ينبغي  .

 اما نفتالي بينيت زعيم ما يسمى " البيت اليهودي" السياسي الذي من المفروض أن يخرج منتصرا من تقرير المراقب يشبه نقاشات الكابنيت بفترة العمل الاعمى الذي اصاب الاجهزة عشية ما يسمى " حرب يوم الغفران " حرب تشرين عام 1973 عندما قدموا لأعضاء الكابنيت المعطيات حول الانفاق الهجومية بأنها تشكل تهديدا استراتيجيا.

اما بني غانتس الذي يعتبر اليوم مجرد رجل اعمال وشخصية عامة أخذ التقرير بشكل صعب لماذا ؟

 لأنه يعتقد بأن ما يسمى عملية " الجرف الصامد " كانت عملية ناجحة اكثر من سابقاتها.

 ثانيا: هو على قناعة بأن التقرير يعاني من عدم الفهم للملابسات التي واجهها رئيس الاركان والمعارك التي أدارها في مواجهة الجهاز السياسي.

 ثالثا قال ان التقرير تجاهل الاولويات التي فرضت على الجهاز العسكري في حينه وعلى رأسها المعركة ضد ايران.

  اما بالنسبة للاستخبارات العسكرية الصهيونية الموساد هي تحظى بالمديح الكبير في التقرير وكذلك الكثير من الملاحظات وكان موقع الجنرال كوخافي رئيس جهاز الموساد في التقرير حساس بشكل خاص لأنه الوحيد الذي ذكر في التقرير من بين المرشحين للترقية في الشهر القادم والذي قد يصل الى منصب نائب رئيس الاركان وقد يكون رئيسا للاركان العامة في جيش الاحتلال في المستقبل .

اما عضو الكنيست الصهيوني عوفر شيلح الذي خصص وقته في العامين الاخيرين للتحقيق في اخفاقات عملية ما يسمى " الجرف الصامد " توصل الى استنتاج مغاير وقال قال لي رئيس الوزراء نتنياهو قبل عملية ما يسمى الجرف الصامد إن الانفاق هي تهديد استراتيجي ولم يأمر الجيش بإعداد خطط عملية لتدميرها ولم يهتم بإعداد القوة ولم يجر نقاشات حولها ولم يتخذ القرارات المناسبة الخاصة بها ونتنياهو يعتبر الشخص الذي يزعم أنه سيد الأمن في " اسرائيل " ويستخف بالأمن .

وقد تعمدت المعارضة الصهيونية مطالبة نتنياهو بالمثول امام الكنيست الصهيوني بعد فشل  العدوان على قطاع غزة وقدمت طلباً رسمياً مذيلاً بتوقيع أربعين نائباً إلى رئيس الكنيست لمناقشة  تقرير مراقب الدولة فيما بعد في جلسة خاصة وقد دعا عضوا الكنيست ستاف شفير وعومر بارليف من "المعسكر الصهيوني" لجنة "مراقبة الدولة البرلمانية" إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية في أعقاب نشر تقرير المراقب حول العملية العسكرية في قطاع غزة.
وبالنظر إلى مدى تأثير هذا التقرير ومخرجاته على المستقبل السياسي لنتنياهو فإن أوساطاً مُطلعة داخل الخط الأخضر قالت لـ"المدن" صحيح إنه شكّل "عاصفة سياسية" قد تضيف نقاطاً سلبية في رصيد رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو وقد تستثمر المعارضة الصهيونية نتائج هذا التقرير من اجل البناء عليها في المستقبل لتسقط الحكومة الصهيونية بقيادة النتنياهو بالرغم انه لا يتضمن توصيات لإقالة الحكومة وغير ملزم لها ولا يشكل تهديدا جدياً عليها كما قال عادل شديد  المتخصص بالشأن " الإسرائيلي "لـ"المدن" في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام  1948 .

 .

 

الشكل العام لتقرير مراقب الدولة في الكيان الصهيوني يعتبر ان العدوان على قطاع غزة المحاصر فشل ويدينه في الجوهر والمضمون وقد اثبت بشكل غير مباشر قدرة الاجنحة العسكرية الفلسطينية المقاومة على ارباك الاجهزة الامنية الصهيونية وتضليها وخاصة بعد استئصال معظم العملاء والجواسيس في قطاع غزة المقاوم رغم الحصار كما اعترف بقدرة هذه الاجنحة العسكرية الفلسطينية على الصمود امام ترسانة الجيش الصهيوني وامكانياته المتطورة رغم إمكانياتها المتواضعة  وهذا الفرق بين من يملك ارادة الصمود والحق في المقاومة وبين من يملك القوة ولا يعرف اين يستخدما من اجل تكريس الاحتلال بقوة العدوان .

بقلم : اكرم عبيد