إدارة ترامب ومصير حل الدولتين

بقلم: علي بدوان

أشاعت التصريحات التوتيرية المُتتالية في شأن القضية الفلسطينية، والصادرة عن أقطاب وسياسيين في الإدارة الأميركية الجديدة، ومنها ما يتعلق بالقدس ونقل السفارة، مناخاتٍ من الإحباط الواسع لدى قطاعات عامة الناس في فلسطين، وفي الإطار العربي والإسلامي المُحيط. حيث دفعت تلك المناخات لظهور حالة من اليأس في شأن إمكان الوصول العملي إلى حل الدولتين، على رغم أن الجزء الأكبر من المجتمع الدولي ما زال يدعم الحل القائم على أساس إقامة دولة فلسطينية فوق كامل الأرض المحتلة عام 1967 إلى جانب إسرائيل.

إن تلمّس تلك الوقائع الحية الآن، نلتقطه من نتائج استطلاع حديث للرأي أجراه أخيراً المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، وشمل المسح 1270 فلسطينياً ضمن العينة العشوائية، وجاء بنتيجته أن ثلثي الفلسطينيين في الداخل المحتل عام 1967 يعتقدون بأن التوصل إلى حل الدولتين في سياق تسوية مع إسرائيل لم يعد ممكناً.

وأشار المركز في نتائج الاستطلاع إياه، أن نسبة أولئك الذين فقدوا الثقة في هذا الأمر ارتفعت من 56 في المئة في أيلول (سبتمبر) الماضي إلى 65 في المئة مع بدايات العام الجديد، مُرجحاً أن سبب ذلك يعود لتسارع النشاط الاستيطاني من جهة، والمواقف الأميركية غير المُبشّرة للإدارة الجديدة برئاسة دونالد ترامب من جهة ثانية. بينما تخطّط حكومة نتانياهو لزيادة أعداد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة من حوالي 750 ألفاً حالياً، كما تُشير معظم المصادر، إلى مليون مستوطن سنة 2020.

وفي حقيقة الأمر، إن طريق ومسار حل الدولتين يبدو الآن أبعد من أي فترةٍ سابقة، كما يبدو معقّداً على نحو متزايد، بسبب استمرار نمو المستعمرات على نحو غير مسبوق من جهة، واستمرار وجود فجوات واسعة بين الطرفين المعنيين من جهة ثانية، وميوعة الطرف الأميركي من جهة ثالثة، وغياب الشرعية والرعاية الدولية المتوزانة وغير المنحازة من جهة رابعة.

إن تدمير مسار حل الدولتين يبدأ من السلوك الأميركي الفج، فالولايات المتحدة استخدمت تاريخياً حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن 79 مرة منذ العام 1948، وكانت 71 مرة منها ضدّ إدانة إسرائيل وسلوكها، كما في تغطية سياساتها ونهجها. وجاء قول الرئيس دونالد ترامب أخيراً: "إن المفاوضات المباشرة هي السبيل إلى السلام في المنطقة" وذلك في أول مكالمة هاتفية له مع نتانياهو منذ تولى مهماته رئيساً للولايات المتحدة، ومن دون أن يتطرق إلى جرائم الاستيطان وسياسات الاحتلال، جاء يحمل إشارات واضحة لطبيعة السياسات الأميركية القادمة على الحالة الفلسطينية. فحديث ترامب في مكالمته مع نتانياهو عن المفاوضات المباشرة، جاء على التو بعد قرار حكومة نتانياهو بناء 566 شقة استيطانية استعمارية جديدة في منطقة القدس، ما يعزّز ضم القدس الشرقية، ويخلق المزيد من الوقائع التي من شأنها أن تعرقل الوصول إلى حل الدولتين.

لقد كُشف المستور، و"بَقَّ" وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري "البحصات العالقة في حلقه"، وأخرج ما عنده، وهو على وشك المغادرة متحرراً من كل القيود، حين تحدث بفصاحة الصراحة عن سياسات الاستيطان ودورها في تدمير مسار الحل السياسي. وأنهى كلامه من خلال قوله أن "على حكومة نتانياهو أن تعلم أن السلالم الموضوعة على الشجرة لتسهيل هبوطها بأمان لن تبقى كذلك أبداً".

علي بدوان

* كاتب فلسطيني