حفيدتي شام... عندما تكبرين وتميزين الأشياء ستدركين لماذا أسميناك شام،فالشام هي من حضنت شعبنا لاجئاً ومقاوماً،ولم تفرض عليه قيوداً وموانعاً،كما فعلت الدول العربية الأخرى،بل قالت انتم هنا ضيوفاً أعزاء ،حتى تعودون الى وطنكم الذي شردتم منه بفعل العصابات الصهيونية والخيانات العربية،أنتم كما نحن السوريون أبناء وطن واحد،مصيرنا واحد...هدفنا واحد....مشروعنا واحد،وحلمنا واحد في وطن عربي من المحيط الى الخليج،يحمل نفس الرسالة والهدف،حلم يا حفيدتي أعرف جيداً انه صعب المنال والتحقيق، فالأطماع الخارجية والإستعمارية في وطننا وثرواتنا كبيرة ومتواصلة ولم تتوقف،وكذلك الخطر الداهم على الأمة،ممن جاء بهم الإستعمار ونصبهم شيوخاً وامراء وملوك،لكي يحفظ مصالحه ويحقق أهدافه،في إستمرار نهب خيراتنا وثرواتنا وإحتلال أرضنا واحتجاز تطورنا،ومنع أي شكل من أشكال التوحد بين أقطارنا،فالوحدة العربية والمشروع القومي خطوط حمراء،لا يمكن للإستعمار أن يقبل بها،ولعل الوحدة المصرية- السورية خير مثال ودليل،حيث لعب الإستعمار والقوى الداخلية المتواطئة معه،على إفشال تلك الوحدة بعد ثلاثة أعوام على قيامها.
حفيدتي شام،ستسألين وتقولين يا جدي لماذا أسميتني شام وليس فلسطين...؟؟ سؤال محق ومشروع فأصل الحكاية يا حفيدتي هي الشام،ونحن ننتمي لبلاد الشام،فالشام أعم وأشمل من القطريات التي جرنا اليها الإستعمار،ورسخها في عقولنا،لكي يضمن إستمرار الحدود المصطنعة التي رسمها بين أبناء الأمة الواحدة،ويمنع توحدها،ولذلك هي الحرب الان على الشام يا حفيدتي،حرب على سوريا وفي سوريا وكل حملة الفكر والمشروع القومي العربي،فهزيمة الشام تعني يا حفيدتي،التقسيم والتجزءة للمجزأ،والتفكيك للجغرافيا العربية وإعادة تركيبها من جديد على أسس مذهبية وطائفية وثرواتية،من خلال إقامة دويلات هشة فاقدة لإرادتها وقرارها السياسي والسيطرة على ثرواتها،بإختصار حفيدتي سايكس- بيكو جديد يعيد انتاج الإستعمار على نحو أسوأ مئة مرة من سايكس- بيكو القديم قبل مائة عام.
شام عزيزتي....عندما تكبرين وتذهبين الى بيت جدك عماد في مخيم الدهيشة،هذا المخيم الذي ما زال شاهداً حياً بعد سبعين عاماً على جرائم الاحتلال بحق شعبنا،وعلى تواطؤ القوى الدولية مع هذا الاحتلال،و"تعهيرها" لكل القوانين والأعراف والمواثيق والإتفاقيات الدولية،ستعرفين بالممارسة والواقع،كم هو ظالم ومنافق هذا العالم المتمسح بالحرية والديمقراطية والإنسانية،ولا تصدقي بأن عدالة القضية بدون قوة قادرة على إعادة لاجئ واحد طرد وشرد من وطنه.
مخيم الدهيشة يا شام،مخيم يقارع الإحتلال بشكل يومي،كل يوم ستشاهدين بأم عينك وسترين عندما تمكثين وتنامين في بيت جدك عماد،اقتحامات للمخيم من قبل جيش الاحتلال ومخابراته ومستعربيه،وستدركين معنى الإحتلال وفقدان الوطن،في البداية ستصابين بالذعر والخوف وستلتصقين وتتشبثين بصدر جدتك أو والدتك،ولكن هذه ستكون بروفات لكي تتعودي عليها،فهي جزء من يوميات وحياة مخيم يصر على البقاء والوجود والعودة لأرض الأجداد،والإحتلال يا حفيدتي شام يتمنى لو يصحى ويجد ان مخيم الدهيشة قد اختفى عن الوجود،فهو يدرك تمام الإدراك بأن هذا شاهد على جرائمه بحق شعبنا،وبقاؤه قائماً وصامداً لن يعطي مشروعية لإحتلاله ووجوده فوق أرضنا المغتصبة،ولذلك هي الحروب على مخيماتنا في سوريا (اليرموك) ولبنان ( عين الحلوة ونهر البارد)حرب يراد لها إسقاط حق العودة لشعبنا،وتوطينه وتهجيره في رحلة لجوء أخرى،وطمس قضية اللاجئين،ولكي لا تبقى تلك المخيمات شاهد على مأساة شعبنا وجرائم الاحتلال ،ولذلك الحرب على الشام،جزء كبير من أهدافها لحماية امن ووجود الاحتلال،وإيجاد مشروعية لإحتلاله.
شام يا حفيدتي ... الشام لم تتربى وتتعود على الخيانة او التفريط،وثقافتها وتربيتها كانت دوماً وطنية قومية،لم تعرف المذهبية والطائفية،إلا من بعد ما يسمى ب" الربيع العربي، حيث سوريا كانت العنوان والهدف لهذا المشروع المعادي،مشروع بحجم حرب كونية شنت على الشام منذ اكثر من خمس سنوات،شاركت فيه قوى دولية استعمارية وربيبتها إسرائيل ودعاة الخلافة العثمانية المتجددة والمشيخات الخليجية البترودولارية ،وقوى محلية مرتبطة بالإخوان المسلمين،وعصابات إرهابية وتكفيرية ضخت الى أرض الشام تحت مسميات "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرها من ألوية وتشكيلات إرهابية،تحت يافطة وذريعة "الديمقراطية" و"الحريات" و"الإصلاح" ومحاربة الفساد،وطبعاً هذه الشعارات تم استخدامها في غزو العراق وإحتلاله وتدميره ونهب خيراته وثرواته،وقتل وتشريد أبنائه،حيث ما زال العراق يدفع الثمن ،وما زال في قلب الإستهداف لهذا المشروع الإستعماري المعادي.
سوريا هي عنوان العروبة ...سوريا هي حاضنة المشروع القومي العربي ورأس حربته،ولذلك كانت الهدف للمشروع الإستعماري الجديد،مشروع الفوضى الخلاقة وحروب التدمير الذاتي،الحروب المذهبية والطائفية،فإنكسار سوريا يعني نهاية المشروع القومي العربي،وجعل المنطقة العربية بحيرة مغلقة للنفوذ والمصالح الأمريكية لمئة عام قادمة،مع تسيّيد دولة الاحتلال الإسرائيلي كقوة مركزية في المنطقة،مشروع يراد منه،ليس رأس النظام السوري،وسوريا كدولة وجيش ومؤسسات فقط،بل المطلوب ضرب وتفتيت الهوية العروبية الجامعة للأمة،لجهة خلق هويات فئوية ومذهبية وطائفية وتقسيمية.
سوريا صمدت وانتصرت وهي تستعيد عافيتها،وكما كان نصر تموز /2006 ،الذي حققه حزب الله على جيش الاحتلال الصهيوني حلقة مركزية في إفشال ومنع قيام مشروع ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد،الذي بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية أنذاك "كونداليزا رايس"،فإن ما يتحقق من نصر سوري على قوى العدوان بفعل صمود وثبات قيادتها وجيشها وشعبها،سيكون قبر نهائي لمنع قيام سايكس- بيكو جديد ،يقسم المنطقة العربية ويفتتها ويذررها ويعيد تركيبها على أسس مذهبية وطائفية.
الشام حفيدتي شام لا تخون،ولا تتخلى عن حلفائها،كما فعل البعض منا بها، ولا تفقد اتجاه البوصلة....الشام كانت وما زالت قبلة كل الثوريين والمناضلين .....الشام يا حفيدتي شام،هي من احتضنت الجميع.... وهي من دفعت وتدفع ثمناً باهظاً لقاء مواقفها القومية والعروبية...رفضت ان تخذل المناضلين والمقاومين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية ومشاربهم الفكرية...ومن اجل ذلك سميتك شام يا حفيدتي.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
11/3/2017
0524533879
[email protected]