(الفلسطينيون في لبنان)

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

لقد كانت تحت هذا العنوان الهام أمسيتنا الثقافية في مجلسنا الثقافي مساء يوم 09/03/2017م، وكان المتحدث الرئيسي فيها الباحث الأستاذ هشام دبسي رئيس مركز تطوير للدراسات الإستراتيجية في بيروت، والذي عاصر وعايش المسألة الفلسطينية على مدى ستة عقود من عمره، الأستاذ دبسي إستهل كلمته الشاملة والعميقة بمقدمة تاريخية أشار فيها إلى أن الفلسطينيين في لبنان شكلوا مسألة إجتماعية وسياسية وإقتصادية وأمنية منذ اللجوء الأول في العام 1948م، إلا أن الدولة اللبنانية قد قصرت تعاملها مع الفلسطينيين كمسألة أمنية بإمتياز، وهذا مازال يطبع تعامل الدولة اللبنانية مع الوجود الفلسطيني، نافضة يداها عن تحمل أي مسؤولية أخرى عن الجوانب الحياتية الأخرى للفلسطينيين في لبنان.

على أية حال في إطار البعد التاريخي للمسألة الفلسطينية في لبنان، لابد من الإشارة إلى أنه إثر النكبة عام 1948م، قد لجأ قسراً إلى لبنان حوالي مئة ألف فلسطيني، وعاد مثلهم من اللبنانيين الذين كانوا يعملون في فلسطين ما قبل 1948م، وشهدت حياة الفلسطينيين سلسلة متصلة من الصعوبات بفعل اللجوء الثاني عام 1967م للفلسطينيين عن الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم تجمع قوى المقاومة الفلسطينية على أرض لبنان وتوقيع إتفاق القاهرة 1969م بين م.ت.ف والسلطة اللبنانية الذي شرع قواعد المقاومة الفلسطينية في لبنان، وصولا إلى حرب أكتوبر 1973م والتي أدت إلى إغلاق كافة الجبهات العربية مع إسرائيل بإستثناء الجبهة اللبنانية، وهنا من الإنصاف القول أن الوجود الفلسطيني في لبنان بحجمه البشري والسياسي والعسكري قد أثقل كثيراً على لبنان ورتب عليه أعباء فوق طاقته وإحتماله، خصوصاً إثر التورط الفلسطيني في لبنان في الحرب الأهلية في الفترة من 1975م-1982م، على أية حال رغم الإنتعاش المعنوي والسياسي الذي شهده الفلسطينيون في لبنان أثناء وجود المقاومة الفلسطينية على أرضه من 1967م-1982م، إلا أن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين فيه ظلت متردية على الدوام، لأن الدولة اللبنانية قد تخلت منذ البداية عن مسؤوليتها في رعاية اللاجئين، وأوكلت هذا الأمر برمته إلى وكالة (الأنروا) التي قصرت مهمتها على الحد الأدنى ((من الغوث)) من دون تشغيل أو إنتاج، مع تناقص ميزانيتها التي تقدمها على نحو مستمر، وقد تفاقمت الأزمة الإنسانية مع جملة القوانين المجحفة التي سنتها الدولة اللبنانية بحق اللاجئين والمتعلقة بالإقامة والتملك والتنقل والعمل، متذرعة بقاعدة المعاملة بالمثل بين الدول، وبمسألة التوطين والعودة من جهة أخرى، وهذه قضية لازالت عالقة وتحتاج من الجهات المسؤولة إلى معالجة سريعة بصرف النظر عن أي بعد سياسي أو أمني، لأن بقاءها يمثل عاراً وسبة في جبين العلاقات الأخوية اللبنانية الفلسطينية.

أواخر عقد الثمانينات توفرت عوامل ذاتية ودولية ساعدت القيادة اللبنانية والفلسطينية على إنضاج خيارات تاريخية كبرى لمصلحة الشعبين، فكانت وثيقة الوفاق الوطني في الطائف 1989م لتضع حداً للحرب الأهلية التي دامت خمسة عشرة عاماً، وكان الفلسطينيون أيضاً ينقلون مركز نضالهم الوطني إلى الأرض المحتلة من خلال الإنتفاضة الكبرى نهاية عام 1987م، ثم إقرار المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988م وثيقة الإستقلال وتبني خيار حل الدولتين، وما أعقب ذلك من توقيع لإتفاق أوسلو 1993م، بذلك أكد الجانب الفلسطيني عملياً أنه ما عاد يفكر، لا إختياراً ولا إضطراراً في أي مشروع سياسي أو أمني في لبنان أو إنطلاقاً منه، وكان من المفروض أن يشكل هذا تحولاً في العلاقات الفلسطينية اللبنانية، إلا أن ظروفاً وتطورات حالت دون ذلك، فبقيت منظمة التحرير الفلسطينية مقصية عن شؤون الفلسطينيين في لبنان، وتحول الشأن الفلسطيني إلى ملف أمني بإمتياز، الأمر الذي راكم تعقيدات وفاقم مشكلات كانت نتائجها مأساوية تتقدمها الأحداث التي شهدها مخيم نهر البارد وما نتج عنه من تدمير شامل وتهجير كامل للمخيم، وقد تمكنت منظمة التحرير الفلسطينية أن تثبت صدق وحسن النية تجاه الدولة اللبنانية في هذا الإختبار الصعب وتصطف إلى جانب الشرعية اللبنانية، وقد كان لإستئناف العلاقات الرسمية مع الدولة اللبنانية بعد 15/أيار 2006م أثره البالغ في معالجة الكثير من المشكلات الأمنية العالقة وتقديم المعالجات السليمة، وفي مقدمتها إعتبار السلاح الفلسطيني في لبنان خاضعاً لسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها، وفقاً لمقتضيات الأمن الوطني اللبناني، على قاعدة أن أمن الإنسان الفلسطيني في لبنان هو جزء من أمن المواطن اللبناني، على ضوء هذه المقدمة المطولة تركزت الأمسية على محاور ثلاثة، المخيمات والأمن في لبنان، اللجوء الفلسطيني الجديد من سوريا، الفلسطينيون والخيارات الوطنية والتي سنتناولها بتلخيص شديد.

أولاً: المخيمات والأمن في لبنان:

منذ عقود، قلَّما يحدث خلل أمني في اي منطقة لبنانيّة، من دون ربطه بالمخيمات إذا أمكن، وبالفلسطينيين بوجه عام سواء كان لهذا الربط أساس حقيقي ام لا.

هذا السلوك مارسته اكثر من سلطة إقليميّة ومحليّة، رسميّة أو ميليشياويّة. وذلك لأغراض متعددة.

لكن الحقيقة التي لا يريد احد الإقرار بها ان المخيمات ومنذ عام 1982، أي بعد خروج قوات وكوادر منظمة التحرير، إنتقلت إلى حالة الوصاية الأمنيّة، تارة للدولة اللبنانيّة ولمدّة طويلة للنظام السوري، والميليشيات التابعة له، اللبنانيّة والفلسطينيّة.

وصاية وضعت المخيمات في حالة إستخدام مستمر. وفي هذا السياق كان للمخيمات دورٌ في صراع الميليشيات اللبنانيّة، كما كان لها نصيبها من تلقّي الضربات عندما قررت منظمة التحرير وحركة فتح إنهاء تلك الحالة الإستخدامية، الأمر الذي فتح صفحة مريرة من الصراع الفلسطيني – السوري كان ابرز تجلياته حصار حركة امل للمخيمات ومن ثمّ سيطرة التحالف الفلسطيني الموالي لسوريا على هذه المخيمات في بعلبك وطرابلس وبيروت.. واستمرت تلك السيطرة بإشكال مختلفة حتّى اليوم.

ما تقدم يدل على ان الوجود الفلسطيني في لبنان محكوم بنظره إستخداميّة، تعتبره خزاناً بشرياً للمعارك من دون إعفاء بعض القيادات الفلسطينيّة من المشاركة في عملية الإستخدام هذه ولصالح أجندات غير فلسطينيّة.

منذ عام 1989 حتّى عام 2005 كانت المقاربة الوحيدة للوضع الفلسطيني بشكلها الرسمي تلخّصها عبارة واحدة وردت في "إتفاق الطائف" تنص على توافق الأطراف اللبنانيّة على رفض التوطين، بينما أتُّخِذت في ظل سلطة الوصاية السوريّة جملة إجراءات جعلت الحياة شبه مستحيلة داخل المخيمات. والحال كذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا تنشأ حالات التطرّف القصوى في هذه البيئة؟!

خبرة اكبر مخيمين

ثلث اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون في مخيمين (عين الحلوة ونهر البارد) مع إضافة كتلة سكانيّة ملحقة بهما من مختلف الجنسيّات.

مخيم عين الحلوة يُعتبر المركز الأساس لحركة فتح ومنظمة التحرير، بينما مخيم نهر البارد كان تحت سيطرة المنشقين والتنظيمات الموالية لسوريا.

في نهر البارد لا توجد رواية اكثر وضوحاً من رواية شاكر العبسي وتنظيم "فتح الإسلام".

فهو لم يُخفِ علاقته بأجهزة الأمن السوري ولا كيف تمكّن من السيطرة على المخيّم كما لم يخفِ الأهداف المكلف بها. ومن يدقق في كيفية إنتهاء معركة شاكر العبسي يدرك ان الغموض الذي لفَّ تلك النهاية إنّما هو مرتبط تماماً بالبدايات.

إنّ تجربة مخيم نهر البارد تصلح للدراسة كـ نموذج للسياسات التي إنتهجها النظام السوري في إستخدامه المستمر للمخيمات الفلسطينيّة في لبنان.

في مخيم عين الحلوة نحن امام مشهد مختلف لأنه محسوب سياسيّاً على منظمة التحرير وحركة فتح بينما ينشط داخله عشرات الشبكات، الأمنيّة القادرة على إختراق حصاره بكل يسر والقادرة على التزود بما يلزمها من سلاح ومخدرات وغير ذلك. وبهذا اصبح المخيم ملاذاً للمطلوبين ايضاً في قضايا مختلفة. لكن في كل مرة تحزم حركة فتح امرها لإنهاء ظاهرة من تلك الظاهرات المفضوحة الأهداف يتبيّن من خلال تحريك مفاجئ للقوى السياسيّة أنّ الحسم ممنوع.. وهذا الأمر عليه شواهد عديدة؟ فالمخيّم مطلوب ان يتبقى في خانة "الفزاعة" او الحاضنة "للإرهاب".

ويكفي ملاحظة ان المجموعات المتطرّفة نفسها رفعت رايات التنظيمات الإرهابيّة على التوالي من دون إستثناء (جند الشّام – جند الله – فتح الإسلام – أنصار الله – القاعدة – النصرة – داعش... إلخ" لا فرق لديها بين راية وأخرى حيثُ يطغى الجانب الوظيفي على الجانب العقائدي.

وفي تعليقات ساخرة من عامّة الناس في المخيم يمكن ان يسمع المرء كلاماً مثل (المتطرّفين في المخيم على الموضة ومع آخر صرعه إسلاميّة) او أنّهم يتّخذون قراراتهم حسب مزاجهم وما "يتعاطون"

في المزاج الشعبي

لم يهتم احد بدراسة مواقف الناس في المخيمات ولا الشرائح الاساسيّة فيها، وأعني شريحة الشباب الأوسع عدداً.

إنَّ البيانات حول هذا الأمر تشير إلى العناصر التالية: (وهي خلاصة دراسة ميدانية نفذها مركز تطوير).

1- رفض قاطع لإستمرار الحياة على هذه الشاكلة في المخيّم.

2- دعوة للهجرة الفرديّة او الجماعيّة.

3- مطالبة بإنهاء الحالة العسكريّة.

4- فقدان الثقة بالقيادة المحليّة والعليا على المستوى الفلسطيني.

5- اليأس المطلق من إمكانيّة تحسُّن الحال عن طريق الدولة اللبنانيّة.

6- فقدان الإتجاه وإنهيار الخيارات الجماعيّة على المستوى الوطني.

7- الشعور العام أنّ الجميع ضدّنا ويريد التخلّص منّا والتخلّص من مشكلة اللاجئين كـ كُل.

ثانياً: اللجوء الفلسطيني الجديد من سوريا:

إنَّ التدقيق في وقائع التدمير المنهجي للمخيمات الفلسطينيّة في سوريا، يكشف حقيقة يرويها أبناء تلك المخيمات. وهي ان الدمار لحق بهم من دون وجود لأي قوة مسلّحة معارضة للنظام. وهذا حال مخيمات درعا وخان الشيخ وجرمانا وسبنية والست زينب... مما أدّى إلى تهجير أغلبيّة اللاجئين الفلسطينيين من سوريا. حيثُ كانت حصّة لبنان نحو 80 ألف غادر اكثر من نصفهم بإتجاه تركيّا ومصر وليبيا.

الآن ونظراً للتطورات التي عصفت بمحنة الشعب السوري، لا يمكن مقاربة هذا الحدث بخصوصيّة. بعيداً عن الأضاحي والقرابين التي نحرها نظام الأسد من اجل بقائه في السلطة. إذ انّه يدرك طبيعة الإلحاح الإسرائيلي في سعيه لإسقاط حق العودة للاجئين من المفاوضات وهذا ما يتحقق بفعل التفكيك المنهجي للبنية المجتمعيّة للاجئين الفلسطينيين في سوريا من خلال تحويلهم إلى افراد يبحثون عن مأوى بدل إستمرارهم كـ جماعة لها حقوق سياسية ووطنيّة. وإذا كانت فكرة التهجير تحقق الطوفان الذي وعد به الرئيس السوري المنطقة بأسرها فإنّ حصّة لبنان من الفلسطينيين كان يُراد منها تفجير إضافي للمخيمات ومحيطها وما يهمنا فيما تقدم مراجعة الأثر الذي احدثه النزوح الفلسطيني الجديد من سوريا.

في هذا المجال يمكن ملاحظة ما يلي:

1- انّ اللاجئين الفلسطينيين من سوريا اعتبر دخولهم الأراضي اللبنانيّة بصفة سيّاح!! ولذا توجّب عليهم دفع رسوم السياحة من اجل تمديد الإقامة القانونيّة، والتخلف عن هذا الأمر يضع الفلسطيني في حالة فقدان الحماية القانونيّة ويعرضه للسجن والمحكمة.

2- عدم القدرة على مغادرة لبنان في حال الحصول على فيزا إلّا بتسوية وضع مالي للإقامة وهي غالباً ما تكون رسوماً متراكمة.

3- تنصل وكالة الأونروا من مسؤوليتها لأنهم خارج نظام ولايتها وكذلك عدم إختصاص اللجنة الدولية للاجئين لأنّهم من إختصاص الأونروا!! هذا الحال من المفترض ان يؤدّي إلى عواقب سيّئة وسلوك عنفي. وقد شهدنا حالات إنتحار في أوساط القادمين من سوريا لكن لم تسجل بدوائر الأمن اي حالة اخلال بالأمن اللبناني على الرغم من الوضع الكارثي الذي وُجد فيه اللاجئ والنازح من سوريا إلى لبنان.

هذه النتيجة الإيجابيّة على صعيد السلوك الامني ليست عفويّة او بالصدفة بل تعكس مستوى متقدماً من الوعيْ الذاتي لطبيعة الحال في لبنان فضلاً عن معايشة احوال اللاجئين الفلسطينيين هنا وتبادل الخبرات المتراكمة عبر العقود الخمسة السابقة كل ذلك أنتج وعياً جمعياً يدرك ما يريد ويحدد اهدافه المباشرة وهذا ما ظهر بشكل جلي في كافّة الإعتصامات الإحتجاجيّة ضد وكالة الأونروا والهيئة الدوليّة للاجئين وما ظهر ايضاً في البيانات والتصريحات التي عبرت عن هذه الفئة الاكثر حرماناً وضياعاً ممن نزحوا إلى لبنان.

ثالثاً: في الخيارات الوطنيّة:

مع إعلان "إتفاق اوسلو" عام 1993 طويت مرحلة الخيار المسلّح من "دول الطوق" كما كانت تُسمّى سابقاً. ولم يعد هناك مبرر لاستمرار الفلسطينيين في حمل السلاح في لبنان وسوريا. وبات الأمر يتطلّب تفاهماً بيد الشرعيتين اللبنانيّة والفلسطينيّة.

إلّا انّ معارضة النظام السوري "لإتفاق اوسلو" ودعوته حلفاءه وأتباعه لشن الحرب على معسكر السلام الفلسطيني. وكذلك هيمنته ووصايته على الشرعيّة اللبنانيّة.. كل ذلك لم يسمح باستثمار مبادرة السلام الفلسطينيّة في لبنان، كما لم يسمح بتطبيق "إتّفاق الطائف" وجوهره بناء دولة المصالحة اللبنانيّة، وحلّ الميليشيات وسيطرة الدولة على جميع اراضيها والمقيمين لديها بقواها الذاتيّة.

اما في لحظة خروج الجيش السوري من لبنان نيسان 2005 فـ سرعان ما إستطاعت الشرعيتان اللبنانيّة والفلسطينيّة التفاهم على قاعدة التسليم الفلسطيني بسيادة لبنان على ارضه وتحديداً في المخيمات الفلسطينيّة والإستعداد لتسليم السلاح الفلسطيني بمباشرة الدولة اللبنانيّة وما تراه مناسباً لمصلحتها المباشرة او البعيدة. ما تقدّم في قراءة الخيارات الوطنيّة الفلسطينيّة، وبتحييد شكلي لدور النظام السوري وحلفائه وأتباعه، يمكن القول انّ الخيار الفلسطيني وجوهره مبادرة السلام الفلسطينيّة وفر للبنان سقفاً سياسيّاً عمليّاً من شأنه ان يحدث تغييراً إيجابيّاً في العمق لدور اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، في صناعة السلم الأهلي، لما يحدثه هذا الخيار من إلغاء شامل لأي مشروع سياسي – عسكري – امني للفلسطينيين في لبنان في إطار تجاوز سياسي تاريخي لما كان عليه الحال في اعقاب حرب حزيران عام 1967 حتّى توقيع الإتفاق حول المبادئ الأوليّة للسلام الفلسطيني – الإسرائيلي في أوسلو 1993.

ما تقدم ليس واضحاً في الحياة السياسيّة اللبنانيّة كما يجب او يستحق. والمفارقة ان اقطاب محور الممانعة طهران – دمشق لم يدخروا جهداً من اجل إسقاط "إتفاق أوسلو". لكنّهم في الوقت نفسه إستبعدوا حلفاءهم واتباعهم من الفلسطينيين من اي دور حقيقي ضد إسرائيل، ليُصبح الدور الرئيسي لهم هو تحطيم الشرعية الفلسطينية بالدرجة الأولى واستخدام المخيمات وشعبها في سياق المصلحة المزدوجة للنظامين السوري والإيراني.

إنّ الشرعية الفلسطينيّة، ومن خلال ممثلها الاول الرئيس محمود عباس، وضعت امام الرئيس اللبناني ميشال سليمان كافّة الخيارات التي يراها مناسبة لتحقيق سيادة الدولة اللبنانيّة على المخيمات وعرضت تسليم السلاح الفلسطيني بالكامل والمساعدة في بناء حالة الأمن. إلّا انّ طبيعة الحالة الداخليّة المأزومة في لبنان وتعطيل دور الدولة لم يسمحا للرئيس ميشال سليمان بالتقدّم خطوة واحدة للأمام في هذا المجال كما أنّ لجنة الحوار الفلسطيني – اللبناني التي شكّلتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بذلت كل جهد ممكن لإحراز تقدم جزئي هنا وهناك وها هي اللجنة لم تستطع ان تصل إلى إجماع حزبي حول سبل التعامل مع المشكلات المستعصية للاجئين في المخيمات.. إنّ الأحداث الأخيرة في مخيم عين الحلوة برهنت على حيثيتين:

الأولى أنَّ الرئاسة الفلسطينيّة تصدر بشكل يومي تعليماتها للقيادة الفلسطينيّة المحليّة بأن تنفذ كل ما يطلب منها حرفياً من الدولة اللبنانيّة.

والحيثيّة الثانية إن قيادة فصائل العمل الفلسطيني تعمل في المخيّم بتوجيه من السلطات اللبنانيّة العسكريّة والأمنيّة والسياسيّة.

أي أن البنية العسكرية والأمنية الفلسطينية باتت في أمرة الدولة اللبنانيّة وتعمل لصالحها.

فهل يصح القول ان الفلسطينيين لا يساهمون في صناعة السلام والإستقرار وصيانة السلم الأهلي في لبنان؟!... من يدَّعي عكس ذلك إنّما يتجاوز على الحقيقة الموضوعيّة.

إذن يبدو جلياً أن إستمرار حالة التأزم الأمني في المخيمات الفلسطينية في لبنان يعكس حالة أزمة النظام اللبناني برمته، إذ لا يمكن لهذه الأزمة أن تنتهي مالم يستطيع النظام والدولة اللبنانية من حل أزمتها الداخلية والذاتية مع المليشيات والجزر الأمنية المختلفة التي لا تمتد إليها سلطات الدولة وبقيت خاضعة لسلطات المليشيات المختلفة بحيث تبدو معها الأزمات الأمنية في المخيمات جزء منها وإنعكاساً إليها.

وفي ختام الأمسية كانت الإشارة إلى أن عدد اللاجئين المسجلين في لبنان قد بلغ حسب إحصاء الأنروا في عام 2009م عدد 422 ألف لاجئ فلسطيني، والحقيقة أن أكثر من نصف هذا العدد يعيش في داخل المخيمات، والنصف الآخر خارجها، كما تجدر الإشارة إلى أن أكثر من نصف هذا العدد قد هاجر إلى الدول العربية الأخرى ودول أجنبية طلباً للرزق يعني أن من يعيش منهم في لبنان هو فقط حوالي 200 ألف فلسطيني.

نخلص إلى أن المسألة الفلسطينية في لبنان لا يمكن في ظل الأوضاع والظروف السائدة أن تجد لها حلاً دون حل القضية الفلسطينية وممارسة الفلسطينيين لحقهم في العودة وفق القرار 194، وإلى حين ذلك يتوجب على السلطات اللبنانية أن ترعى الجانب الإنساني وأن لا يقتصر تعاملها مع اللاجئين الفلسطينيين كمسألة أمنية.

وفي النهاية لا يسعني إلا أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير للأخ الباحث المتميز والرصين الأستاذ هشام الدبسي على هذه الأمسية القيمة والتي إستغرقت أربعة ساعات ونصف متواصلة ما بين العرض والحوار العميق والمنهجي مع الأخوة المشاركين في هذه الأمسية الثقافية التي سلط فيها الضوء على المسألة الفلسطينية في لبنان، كما نؤكد على ضرورة الإهتمام من قبل القيادة الفلسطينية بهذه الفئة والعمل على حمايتها من خلال توفير أفضل الظروف القانونية والسياسية وتوفير شروط الحياة الكريمة لهم وذلك بالتنسيق مع الأخوة في قيادة الدولة اللبنانية.

بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس