"أحمد سعدات" .. حالة فريدة وتجربة وطنية مدهشة لشخصية نضالية متميزة تستحق الوقوف أمامها احتراماً وتبجيلا. لذا أنصح كل من أحب فلسطين وشعبها العظيم، وعشق المقاومة والثورة، وناضل من أجل الحرية والكرامة، أن يقرأ تلك التجربة بتعمق، وأن يقلب صفحاتها الطويلة ويتمعن بمراحلها المختلفة ومحطاتها المتنوعة. وحينها سيجد نفسه أمام تجربة ثورية متكاملة تستحق البحث والدراسة، بل وجديرة لأن تُدرّس للأجيال.
ولا يهمني لأي التنظيمات الفلسطينية ينتمي، وما هو موقعه داخل التنظيم الذي ينتمي له، وان كان من حق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ان تفخر بأنه من مؤسسيها ومن يقف اليوم على رأس الهرم فيها، فيكفيني فخرا أنه فلسطيني. لذا فليس بالضرورة أن تكون منتمياً للجبهة الشعبية، أو أن تكون قد انتميت يوماً لها ونشطت في أطرها ولجانها، كي تكتب أو تقرأ عن هذا الثائر الوطني وأن تتوقف أمام تجربته الثورية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. كما وليس مهما أن تكون فلسطينياً، مسلماً أو مسيحياً، كي تحترم مسيرته الكفاحية ومواقفه القومية، فيكفيك ويكفينا فخرا بأنه مناضل كرّس حياته في مقاومة الاحتلال وناضل من أجل فلسطين وتحريرها، واعتقل بعدما ثأر لشعب وانتقم لأمة.
أحبته فلسطين وشمخ شعبها به، وعشق الأحرار شخصيته، ورددت ألسن ثوار العالم اسمه حباً وافتخارا، وتغنى رفاقه بسيرته وبطولاته وجرأته غير المسبوقة في تحدي الاحتلال ومقاومته، وحجزت له المقاومة مساحة مرموقة على صفحات مجدها وعزها، وحفرت الثورة الفلسطينية اسمه على صفحات تاريخها المضيء بجانب قوافل قادة عظام سبقوه في النضال والاعتقال والشهادة. فهو لا يقل شأناً عن غيره من قادة العمل الوطني والإسلامي التاريخيين، كيف لا وهو قائد وطني كبير، ذو قيمة سياسية عالية، ومكانة وطنية مرموقة، وهو واحد من رموز الثورة الفلسطينية المعاصرة، وهو من أبرز من أجاد فن المقاومة والعمل السري داخل فلسطين. فالرفيق "أحمد سعدات" شكَّل بتاريخه وسلوكه، بحاضره وماضيه، حالة فريدة وتجربة ثورية متكاملة، وعكس في سلوكه مقولة الشهيد غسان كنفاني "الإنسان قضية".
"أحمد سعدات" "أبو غسان"، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ أحدى عشرة سنة، وبالرغم مما كُتب عنه من مقالات تطرقت إلى مكانته الوطنية وسيرته الذاتية ومسيرته الكفاحية، إلا انه بحاجة الى أكثر من مقال هنا وتقرير صحفي هناك. "أحمد سعدات" بتجربة الثورية يشكل حالة نضالية امتدت لعقود طويلة تستدعي من رفاقه قبل غيرهم، البحث العلمي والدراسة الشاملة لكل جوانبها وأبعادها، بما يكفل انصافها والاستفادة منها.
ولد الرفيق " أحمد سعدات" "أبو غسان" في مدينة البيرة عام 1953 لأسرة مناضلة هُجرت من قريتها الأصلية دير طريف عام 1948، وانتمى للجبهة الشعبية منذ نعومة أظافره وناضل في صفوفها وتبوأ مناصب ومواقع عدة في أطرها التنظيمية، واعتقل في سياق مسيرته النضالية أكثر من عشر مرات وأمضى قرابة عشرين عاما من عمره في سجون الاحتلال على فترات متفرقة، متنقلا بين غرف السجون الإسرائيلية وزنازينها الانفرادية، ولم تعرف عضلة لسانه طريقاً للحركة أمام محققيه في أقبية التحقيق، وفي غرف السجون كان نداً قوياً للسجان وما يمثله، وواحد من أبرز القادة المؤثرين داخل الحركة الأسيرة، بمواقفه وتواضعه وانسانيته وحنكته وتعاطيه الوحدوي إلى أبعد الحدود مع مجمل القضايا الوطنية، فعزلته ادارة السجون أكثر من مرة بعيداً عن رفاقه وإخوانه الأسرى في زنازين صغيرة، معتمة وانفرادية لا تعرف الشمس لها طريقاً لمدد طويلة. ومع ذلك وبالرغم من السجن والعزل والمضايقات بقيَّ حاضراً لم ولن يغيب أبداً عن مجموع الحركة الأسيرة داخل السجون، وعن أبناء شعبه خارجها، يسمو بمواقفه الوحدوية، وصموده الأسطوري وشموخه النادر، ويعلو بتصريحاته الصائبة، ليسكن أفئدتهم وعقولهم برؤيته السياسية الناضجة وسلوكه النموذجي وانسانيته الراقية.
"أحمد سعدات" .. سبق وانتخب قبل اعتقاله في تشرين أول/أكتوبر عام 2001 أميناً عاماً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عقب اغتيال الأمين العام "أبو علي مصطفى" بعد قصف مكتبه من قبل طائرات الاحتلال في الخامس والعشرين من آب/أغسطس عام 2001، وفي منتصف كانون الثاني/يناير 2002 أقدمت السلطة الوطنية الفلسطينية على اعتقاله مع أربعة من رفاقه، بعد تبني منظمته اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي "رحبعام زئيفي" في السابع عشر من تشرين أول/أكتوبر عام 2001 في فندق ريجنسكي أحد فنادق القدس الشرقية في الذكرى الأربعين لاستشهاد "أبوعلي مصطفى". وفي آيار/مايو 2002 توصلت السلطة الوطنية وإسرائيل إلى اتفاق بإشراف دولي يقضي بأن ينقل الرفيق "سعدات" ورفاقه الأربعة إلى سجن أريحا تحت إشراف وحراسة أميركية وبريطانية، وخلال وجوده في سجن أريحا انتخب عام 2006 عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني.
وفي الرابع عشر من آذار/ مارس 2006 اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي سجن أريحا، واختطفته مع أربعة من رفاقه ومعهم مجموعة من المناضلين، وفي كانون أول/ديسمبر2008 اصدرت محكمة "عوفر" العسكرية بحقه حكما بالسجن الفعلي لمدة ثلاثين عاماً، ومنذ اعتقاله وزجه في سجون الاحتلال مورس بحقه صنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي، واجراءات قمعية وانتقامية مختلفة كالتضييق والعزل الانفرادي والحرمان من الزيارات وغيرها.
ان إدارة السجون الإسرائيلية ومن خلفها الجهات السياسية والأمنية تتعامل معه ومنذ اللحظة الأولى لاختطافه من سجن أريحا في الرابع عشر من آذار/ مارس عام 2006 من منطلق الانتقام والثأر، من شخصه ومن نهج المقاومة التي يمثلها، ومن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي يقف على رأس الهرم فيها، والتي قتلت وزير السياحة الإسرائيلي في عملية فدائية غير مسبوقة وتعتبر الأولى من نوعها في تاريخ المقاومة الفلسطينية.
وفي الختام أقتبس بعضا مما كتبه الأسير القائد القسامي "حسن سلامة" في مقالة سُربت من داخل السجن بعنوان " الرفيق أحمد سعدات.. انسانيته" وهذا جزء مما جاء فيها(رغم إعجابي بشخصية الرفيق أبو غسان كمناضل وكقائد لكن ما لمسته من إنسانيته زادني إعجابا كبيرا به ،، فهو رجل صلب قوي يعيش من أجل وطنه وقضيته وشعبه وينسى نفسه التي هي اخر ما يفكر بها ،، كانت إدارة السجن القمعية تتصور أن وضعنا مع بعض في كل هذه الظروف مع هذا الاختلاف الفكري سيجعل حياتنا جحيم لكن مع الرفيق أبو غسان خابت كل ظنونهم ،،كنت أظن نفسي وأنا الذي أصغره سنا سأكون من يساعده فإذا بي أمام رفيق لا يشعر بطعم الحياة إلا بالمشاركة والمساعدة في كل شيء يتعلق بالحياة المشتركة ،، الرفيق أبو غسان يعشق مساعدة الاخرين دون النظر للون أو الشكل لا يستطيع أن يقول كلمة لا لمن يطلب مساعدته حتى وإن كان هذا الشخص عنصر مؤذي لنا ، مبدأه في الحياة مساعدة الجميع، يحترمه الجميع لأنه يحترم الجميع ، بل يتفنن في احترامهم ومساعدتهم ومبادلتهم الأحاديث والاستماع لهم ، وتقديم المشورة والحلول لهم بناء على تجربته ، عشت معه أجمل الفترات).
"أحمد سعدات" .. ثائر فلسطيني عصيٌ على الكسر ويأبى الانكسار
بقلم/ عبد الناصر عوني فروانة
رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى
14-3-2017