قبل ان يتسلم ترامب الحكم وبعد تسلمه...كل المؤشرات والمواقف العملية وليس اللفظية والأوهام التي تعودت الإدارات الأمريكية والأوروبية الغربية الإستعمارية على بيعها للفلسطينيين والعرب،كان واضحاً بان ترامب والترويكا الثلاثية المتطرفة الحاكمة في اسرائيل (نتنياهو ،ليبرمان وبينت) يتجهون نحو قبر السلطة وخيار حل الدولتين،وطرح ترامب ونتنياهو مجموعة من الخطوات العملية لترجمة تلك المواقف الى فعل على ارض الواقع.......إطلاق يد اسرائيل في " التغول" و"التوحش" الإستيطاني في القدس والضفة الغربية...تعيين سفير امريكي مؤيد وداعم للإستيطان في كل بقعة من فلسطين وبلا حدود "ديفيد فريدمان"...العمل على نقل السفارة الأمريكية من تل ابيب الى القدس...الحجز على اموال المساعدات الأمريكية للسلطة...الحل للقضية الفلسطينية عبر مؤتمر تعاون إقليمي ومن خلال "الناتو" العربي الذي تعمل امريكا على تشكيله ما يعرف بالمحور السني،المسكون بهاجس الخوف من ايران وتمدد نفوذها في المنطقة،وبما يشكل تهديد جدي لعروش العديد من المشيخات النفطية العربية...عدم رد الإدارة الأمريكية على كافة الإتصالات الفلسطينية بشان ترتيب لقاء سياسي،وحصر تلك الإتصالات بالبوابة الأمنية بلقاء مدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج بمستشاري ترامب ومدير المخابرات المركزية الأمريكية (الس اي ايه) ،وكذلك زيارة مدير المخابرات المركزية للمقاطعة واللقاء مع الرئيس عباس،وهذه اللقاءات طابعها امني بحت ويحتوي على اوامر وتعليمات امريكية والتعاون في المجال الأمني والإستخباري،وبما يخدم ويحفظ أمن اسرائيل .
السلطة وجدت في مكالمة ترامب مع الرئيس ابا مازن ضالتها،وكانها خشبة الخلاص لها،فالمهم لها الآن هو حماية السلطة وشرعية القيادة،فهذه القيادة تمر في مازق عميق،وهيبتها والثقة بها تتآكل بشكل كبير جداً،فعلى المستوى الداخلي الفلسطيني تواجه اكثر من خطر وتحدي،خطر حماس من جهة ودحلان من جهة اخرى،وتازم العلاقات ما الرباعية العربية،وبالذات مصر والإمارات،والتحركات الشعبية والجماهيرية الواسعة والمطالبة برحيل السلطة وعباس شخصياً تتصاعد،ولم تعد مسلة السلطة جماعة "بيت انيسة" واصحاب الأجندات الخارجية والمرتزقة تُخيط،والجماهير لم تعد تخشى التحدي،وهذا ما لمسناه في حالة الغضب والإحتقان العالي،بعد استشهاد الشهيد المثقف والمشتبك باسل الأعرج،وما تبع ذلك من قمع وحشي للجماهير بما فيهم والد الشهيد واسرى محررين وصحفيين من قبل أجهزة السلطة الأمنية.
مكالمة "النصر المبين" جاءت بعد أن وصل مشروع السلطة مفاوضات ثم مفاوضات الى حالة الموت السريري،وكان بإنتظار اعلان شهادة الوفاة.
المكالمة والدعوة للرئيس عباس لزيارة واشنطن اعتبرها فريق السلطة تغيير جوهري في الموقف الأمريكي تجاه شعبنا وحقوقنا وشعبنا،فلم يعد خيار التخلي عن خيار الدولتين مطروحاً،او نقل السفارة الأمريكية وارداً الآن،وكذلك الأموال المحتجزة للسلطة تم تحريرها،وإن كان لمؤسسات انسانية واغاثية وللبنى التحتية وإعمار قطاع غزة،والسؤال الملح ما الذي أملى هذا التغيير في الموقف الأمريكي..؟؟ وما الهدف من ذلك..؟ واضح بأن صناع القرار في المؤسستين السياسية والأمنية العسكرية الإسرائيلية ومراكز البحث والدراسات البحثية والإستراتيجية،خلصوا الى نتائج انه من السابق لآوانه التخلي عن السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة،حيث البديل ربما يدفع باتجاه فوضى عارمة،او ان تتوحد وتلتقي القوى الأخرى الأكثر تطرفاً لتملأ الفراغ بدل السلطة،والسلطة الان هي ستكون اكثر مطواعة لقبول المشروع الأمريكي- الإسرائيلي،فهمها الأساس الان الحفاظ على شرعيتها،وبالتالي الخطر الكبير جداً في ظل ما يجري ويتبلور،وتصميم الإدارة الأمريكية على إنجاز ما يسمى ب"الصفقة الكبرى"،ان يعاد انتاج اوسلو جديد على نحو كارثي،والمؤشرات الأولية في هذا الإتجاه غير مطمئنة،حيث ان محادثات الرئيس عباس مع المبعوث الأمريكي للمنطقة،تشير بأن شروط السلطة الفلسطينية للعودة للمفاوضات،سيتم تجاوزها والقفز عنها ،من وقف وتجميد الإستيطان في القدس والضفة الغربية الى إطلاق سراح الضفة الرابعة من الأسرى الى المرجعية الدولية للمفاوضات والرعاية لها،والسقف الزمني لهذه المفاوضات.
أنا لا اعتقد بأن "الصفقة الكبرى" التي يتحدث عنها ترامب لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي،تتعلق بحل يشمل كل جوانب الصراع من حدود ولاجئين وقدس ومستوطنات ومياه ..الخ،بل أرى بان الصفقة الكبرى ستكون حل وفق الترويكا الثلاثية الحاكمة في اسرائيل، من خلال إطار تعاون إقليمي تشارك به الدول العربية،المناط بها الضغط على الطرف الفلسطيني لقبول البحث عن مسار سياسي جديد،وفق ما يقترحه كل من دنيس روس وديفيد ماكوفسكي،المتصهينين الأمريكان،مبادرة سياسية تقوم عل حل سياسي مؤقت،مع وعد لفظي بان يفضي بالمال النهائي لحل دولتين،كما هو وعد اوسلو لأهل القدس غير المتحقق،وحل يقوم على سيطرة اسرائيل الأمنية الكاملة على الكانتون الفلسطيني،ونتنياهو يقول بشكل واضح،ليس فقط بانه لا مجال لقيام دولة فلسطينية في العشرين سنه القادمة،بل القول أن الوقت هو وقت مصارحة ومكاشفة وليس مفاوضات،وبينت قال ويقول علينا ان ننتقل من الضم الزاحف الى الضم "المقونن" والمشرعن للضفة الغربية،والفلسطينيين لهما دولتان واحدة في غزة والأخرى في الأردن،ولا داعي لدولة ثالثة في الضفة الغربية.
السلطة الآن ما تريده هو شرعيتها وضمان بقائها،واستمرار رهانها على المفاوضات ورهن حقوق الشعب الفلسطيني لتغير الإدارات الأمريكية والإسرائيلية،خيار جربناه "وخازوق" بلعناه مزيدأ من قضم الأرض وضياع القدس والتفكك المجمعي والوطني،وتعمق الشرذمة والإنقسام،والسير في هذا النهج والخيار المدمرين،سيقودنا حتماً الى اوسلو جديد على نحو أسوء واكثر كارثية،فلا تجعلوا شرعية السلطة "نصركم" المبين،فالمرحلة بكل تجلياتها وتداعياتها خطرة،والمتغيرات والتحولات الجيو سياسية من حولنا تتطلب منا اعلى درجات الإستثمار لصالح شعبنا وقضيتنا ومقاومتنا،ومن قبلكم وضع المغدور السادات كل البيض في السلة الأمريكية،والنتيجة "كامب ديفيد" تدفع مصر والأمة العربية ثمنه حتى اليوم،و"الصفقة الكبرى" التي يعدكم بها ترامب،هي "الخازوق الأكبر"،ولمواجهة هذا "الخازوق" ورفضه،لا مناص من استخلاص الدروس والعبر،ومراجعة التجربة،وتعزيز وتوفير كل مقومات الصمود والبقاء على الأرض الفلسطينية وبالذات في القدس،وانهاء الإنقسام،وتثبيت منظمة التحرير كعنوان وممثل شرعي وحيد،وبيت جامع،ومشاركة حقيقة في القرار لكل المكونات والمركبات السياسية والمجتمعية،وإلا فإن ما ينتظرنا أسوء من اوسلو بكثير.
بقلم/ راسم عبيدات